ارشيف من :آراء وتحليلات
هل قررت تركيا استكمال ما التزمت به في ’سوتشي’ حول إدلب؟
لا يبدو أن العلاقة الروسية - التركية ستكون محصورة مستقبلاً، بما يقدمه مشروع "السيل التركي" لنقل الغاز من روسيا الى تركيا وأوروبا، والذي احتفل الرئيسان بوتين واردوغان في اسطنبول بتاريخ 19 تشرين الثاني الحالي بانتهاء العمل بالجزء البحري منه. فمن الطبيعي أن المشروع هو مرحلة أو جزء من سلسلة تعاون واسع بين الدولتين، سيتخطى حتما المجال الاقتصادي الى الاستراتيجي، مع ما يحمله المجال الأخير من نقاط سياسية وأمنية أو حتى عسكرية، ستكون محط أنظار وتصويب من دول حلف شمال الاطلسي وخاصة من الولايات المتحدة الأميركية.
اللافت في الموضوع أنه جرت بعد الاحتفال مباشرة محادثات عسكرية في سوتشي، بين وزيري دفاع البلدين، لخصها وزير الدفاع الروسي بضرورة التحرك المشترك نحو إجراءات عملية لإكمال تنفيذ اتفاق سوتشي حول ادلب.
طبعاً لا يمكن القول إن اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا حول ادلب قد نُفِّذ، حتى إن نقاطه الأساسية التي تمثل المرحلة الاولى (المنطقة المنزوعة السلاح الثقيل وانسحاب المتشددين منها) بقيت غير مكتملة، واقتصرت فقط على التزام مجموعات معتدلة، سحبت اسلحتها الثقيلة، والتي كانت بالاساس غير مؤثرة في المواجهة، لانها كانت تقريبا من المجموعات المنخرطة باستانة، ولم تكن تعمد الى الاشتباك مع الجيش العربي السوري او الى استهداف مواقعه، الا من باب رفع العتب خوفا من جبهة النصرة ومن مجموعات ارهابية اخرى تدور في فلك النصرة.
هناك نقطتان تدفعان للاستنتاج ان الاتفاق سيعود نحو التنفيذ، وأن اطرافه الكبار عقدوا العزم مجددا على اعادة إحيائه، وهي:
النقطة الاولى: التحرك الروسي الجدي مؤخرا نحو تطبيق بنود الاتفاق، على عكس الفترة الاولى بعد ان تأخر فيها تنفيذ المرحلة الاولى، التي تجاهلوا فيها التاخير، معتبرين حينها أن تركيا ملتزمة مع وجود بعض الصعوبات، لتأتي التصريحات الرسمية الروسية الاخيرة، لناحية التصويب على مسؤولية تركيا بالتأخير مع توجيه أسئلة الى أنقرة حول الموضوع، وكأنها تعبير عن اعادة العمل بخارطة طريق الاتفاق حسب التعهد الأساسي.
النقطة الثانية: الاشتباكات شبه اليومية التي تحصل على كافة خطوط المواجهة التقليدية تقريباً، بين ادلب الكبرى (ريفي حلب الغربي والجنوبي الغربي وريفي حماه الشمالي واللاذقية الشمالي الشرقي) من جهة، وبين المناطق المحررة حيث الجيش العربي السوري وحلفاؤه من جهة أخرى، وحيث لم تقتصر الاشتباكات على الاستهدافات الروتينية بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، بل تطور الموضوع الى مهاجمات وعمليات خاصة ما وراء خطوط المواجهة من قبل الطرفين، تجاوزت في عنفها وفي توسعها، الكثير من تلك التي كانت تواكب المواجهة قبل اتفاق سوتشي، الأمر الذي دفع بالدولة السورية كما يبدو لمطالبة الشريك الروسي، إما بالضغط المُنتِج على الأتراك لتنفيذ سوتشي، وإما بتأمين المساندة والتغطية الجوية (كالمعتاد سابقا) لتنفيذ عملية حسم عسكري لمنطقة ادلب، تكون شاملة أو جزئية، ومن ضمن البنود الميدانية - العسكرية من اتفاق سوتشي.
بكل الأحوال، الظاهر أن الأتراك على الطريق لاتخاذ قرار الحسم وتطبيق سوتشي بالضغط أو بالقوة، وهناك الكثير من الأسباب التي تدفعهم الى التحرر من عدة معطيات، كانت تقيّدهم أو تدفعهم للتريث باتجاه تنفيذ المتوجب عليهم أو الذي تعهدوا به في سوتشي، ومنها:
أولاً: يبدو أن تركيا استخلصت عدم امكانية الاستفادة من قضية الخاشقجي، بعد أن أعلن بالأمس الرئيس ترامب وبصراحة، أنه بالرغم من وجود امكانية لكون محمد بن سلمان كان عالماً بمقتل الخاشقجي قبل الجريمة، فهذا لن يؤثر على العلاقة "الاستراتيجية مع المملكة"، من هنا، أدرك الاتراك أنه لا فرصة لديهم كما يبدو من انتظار صفقة ما، بالرغم من ادارتهم لمناورة تسريب المعلومات حول الجريمة بروحية استدراج العروض والصفقات.
ثانياً: حيث كان الأتراك كما يبدو، يحاولون ربط تنفيذ سوتشي بما يمكن أن يحصلوا عليه من الأميركيين في شرق الفرات، لم يعد باستطاعتهم تحمل الالحاح الروسي لتنفيذ ما تعهدوا به في سوتشي، وحيث أعطتهم موسكو فترة سماح غير بسيطة، اقتنعوا أخيرا بعدم وجود مصلحة لهم بانتظار الود الاميركي، نحو تسهيل مناورتهم ضد الاكراد شرق الفرات، وقد رأوا أن الأميركيين لم يلتزموا باتفاق منبج كما يجب، فالى متى يتنظرون لحصولهم منهم على ما يريدون شرق الفرات؟
ثالثاً: بعد أن أظهر الأتراك حزما غير مسبوق في عفرين بمواجهة أحد فصائل الجيش الحر- وحدات الشرقية - والذين اضطروا للانسحاب من عفرين بعد سقوط عشرات القتلى لهم، على خلفية اتهامهم بالفوضى والتعدي على الاملاك والاخلال بالامن، وبعدم الالتزام بأنظمة تحرك المجموعات المسلحة في نطاق مسؤولية الاتراك في الشمال السوري، كانت الحادثة فرصة للاتراك كتجربة ميدانية ناجحة، يمكن تنفيذها مع مجموعات أخرى من التي تعارض بنود سوتشي، وكانت بالنسبة لتلك المجموعات كما يبدو درسا وعبرة للسير بالبنود التي تعهدت اساساً بها تركيا في سوتشي باسمهم.
يبقى أن المناورة الروسية - التركية التي سيُعمل عليها لإكمال تنفيذ سوتشي، ربما ستختصر البنود والمراحل التي تأخر تنفيذها، من خلال دمجها مع بعضها البعض، حيث قد نرى تنفيذا سريعا لانسحاب المتشددين من المنطقة المنزوعة السلاح الثقيل، والتي سوف تصبح فعلاً لا قولاً منزوعة السلاح الثقيل، وقد نجد بالتزامن مع ذلك بعض الاجراءات المتعلقة بدخول شرطة روسية الى تلك المناطق مع تنفيذها دوريات مشتركة مع وحدات عسكرية تركية، بالاضافة للبند المهم الذي كان توقيت تنفيذه بحلول نهاية العام الحالي، والمتعلق بتنفيذ الاجراءات الميدانية والعسكرية لفتح طريقي حلب - اللاذقية وحلب - حماه - دمشق.