ارشيف من :نقاط على الحروف

في رحاب اليوم العالمي للطفل

في رحاب اليوم العالمي للطفل

اليوم العالمي للطفل، يوم يفترض أن تكرس فيه حماية الأطفال في العالم، والعمل على حقوقهم في الصحة والتعليم والتنشئة والحصول على جنسية ووو... لكن الطفل في بلادي العربية هذا اليوم غريب عن حياة الصحة والتعليم، والأمان: العنصر الأهم لنمو أي طفل في أي مجتمع في العالم. والطفل العربي اليوم في ظل الحروب والإحتلالات والصراعات والقتل والدمار في فلسطين وسوريا وليبيا والعراق واليمن ومصر وفي لبنان في زمن الحرب الأهلية ومن ثم في الإنفجارات التي هزت البلد من العام 2005 والتفجيرات الإرهابية والحروب الإسرائيلية، لم تجعل من الوطن العربي بيئة آمنه لتربية الأطفال، بل هم شواهد في الإعلام للعالم على همجية القتلة وبشاعة الصراع على أرضنا.

 

في غياب الدولة المسؤولة، أطفالنا ينتشرون في الشوارع، سعادتهم الكبرى تتحقق في بيع صندوق العلكة أو حزمة الورد التي يحملونها أو حتى كيس المحارم. وهذه تجارة وليست تسولاً!! وإذا كانت لدى الطفل المواد الأولية بإمكانه إنجاز العمل، إذا أتقن الترجي، بمسح نوافذ السيارات، أو تنظيف الأحذية على أبواب المحلات والوزارات الرسمية. يفعل الفقر فعله بقسوة في أطفالنا ويهيئهم ليتعلموا التسول والعيش على أرصفة الطرقات يطلبون ثمن "منقوشة" لأنهم جوعى. وعندما تسأل الأطفال، لماذا أنتم لستم في المدارس فالجواب الجاهز هذه الأيام، نحن جئنا من سوريا ولا يمكننا الذهاب إلى المدارس، الجواب كان مختلفاً ما قبل العام 2011، والذي كان " إن أبي لا يملك المال الكافي ليرسلني إلى المدرسة. أو الجواب الأكثر شيوعاً والذي يقبل الجميع ببساطة سماعه، ألا وهو: "أنا ما بحب المدرسة!" وهو جواب مقبول: اذا أرسلوه ليتعلم مهنه أو ليتعلم التسول.

أطفالنا صبيه تحمل ظهورهم الصغيرة اطارات السيارات وقطعها، كبرت أو صغرت، وتتمرغ أيديهم بزيتها الذي له عواقب صحية جسيمة على أجسادهم الصغيرة. ولكن الغريب في هذا الأمر، هو هذا الحلم الكبير بأن السبيل لقيادة السيارات الفارهة لا يمكن أن يتحقق إلا بأن يصبحوا "ميكانيكيين" محترفين في يوم ما. وهو أهم عمل يمكن أن يقوم به أولاد الفقراء لكي يجنوا المال الوافر: إمتلاك "كاراج" للتصليح خاص بهم. وأقصى أحلام أهاليهم أن تكون الحكومة أو لا تكون! ويأملون بأنها ستحمل الرفاهية لأطفالهم، وستحمل لهم الحدائق العامة التي يستطيعون اللعب بها عوضاً عن اللعب والركض ما بين السيارات، وتعلم الصراخ في محاولة إثبات الذات.

لم يكن لأطفالنا أن يصلوا إلى هذا الدرك من القهر إلا لأننا قبلنا منذ العام 1948 أن نراقب ما يحدث لأطفال فلسطين من دون أن نهتز للمشاهد

أطفالنا، في يومهم العالمي، جوعى يموتون كل يوم في اليمن والصومال. المجاعات حلت بهم أمام سمع العالم العربي والغربي على حد سواء. يراقب الجميع ما يحدث في اليمن وما يتعرض له الأطفال هناك، وانتهى! ليس هناك ردود فعل وليس هناك من يعترض سوى على المستوى الإعلامي، أو بتهريب المساعدات. في المختصر المفيد، كيف لأطفال أن يعيشوا بكرامة وأن تحفظ حقوقهم وأهاليهم يعيشون القمع والفقر، أطفال يحلمون بالأمان والمدارس، بالنوم الهانئ في حضن أمهاتهم، وقد حصدت حرب اليمن وحروب الربيع العربي أحلام الأطفال التي اجتاحت موجة الربيع بلادهم. في الحقيقة ليس بيننا من يمكنه أن يطيل النظر إلى أبناء اليمن. نشيح بنظرنا عن الشاشة الصغيرة، ولكنهم لا يختفون، يبقون في ضمائرنا وإن ظن البعض أنها قد ماتت.

في الحقيقة، لم يكن لأطفالنا أن يصلوا إلى هذا الدرك من القهر، إلا لأننا قبلنا منذ العام 1948 أن نراقب ما يحدث لأطفال فلسطين من دون أن نهتز للمشاهد. خلال الأعوام التي تلت والتي جاءت قبلها، والتي لم تحمل في طياتها سوى الإضطهاد لأطفال فلسطين، الذين لم يتسنّ لهم أن يلعبوا الألعاب التي يلعبها أقرانهم في العالم كله. يراقبون في كل يوم أخوتهم وأمهاتهم وآباءهم يسقطون على طريق حرية فلسطين، في كل يوم مشروع شهيد مهما كبر في العمر أو صغر. في كل يوم تدمير منازل وبيوت كانت تُؤويهم، ومن ثم يجدون أنفسهم بعد لحظات الاضطهاد في العراء والخيمة هي المأوى، ولعبتهم الوحيدة، هي الحرب! ولا يعرف أحدهم متى يسير أو يركض في الشارع من دون أن تتوقف إحدى السيارات العسكرية الصهيونية لتحمله بعيداً إلى المجهول ولترمي به بين أشباه البشر، وهم يصرخون ويستغيثون ويبحثون عن الكلمة المطمئنة التي تدوي وحيدة كتلك التي صرخ بها والد عهد التميمي لابنته من وراء القضبان والحواجز شبه البشرية التي تفصلهم عن بعضهم البعض: "كوني قوية!". أو ذلك الرجل المسلوب الإرادة عندما يُسحب طفله ذو الأحد عشر عاماً  للاعتقال فيصرخ منادياً: "كن رجلاً!"، أطفال فلسطين، رجال منذ الصغر، هكذا يولدون. هذا العنف الذي يتعرض له أبناء فلسطين سيدفع ثمنه أبناؤنا في بلاد العرب مهما ظننا أننا بعيدون عن التأثير.

في اليوم العالمي للطفل علينا أن نطالب بأن يكون لكل أطفالنا الحق بالتعليم والفرح وتحقيق الذات مهما تكن الخلفية الإجتماعية والثقافية التي يأتون منها. من حق طفلنا أن ينشأ في دول تسود فيها القوانين واحترام الإنسان. كيف يمكن أن يحترم الطفل وأن تحترم حقوقه في بلد لا يحترم فيه أبوه وأمه، والحقوق التي يطالونها هي بطول الواسطة والمعارف التي يتمتعون بها. وأمان العمل فيه مرتبط بنزاهة أو إنسانية رب العمل. وحق الحياة الكريمة مرتبط برضى أو سخط الزعيم. ومصدر العزة ضائع ما دامت فلسطين يُنتهك عرضها من قبل مجموعة من شذاذ الآفاق.

 

2018-11-21