ارشيف من :آراء وتحليلات
’نيوم’: الدرع الواقية للنظام السعودي (1 ـ 2)
لقد فتحت قضية اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال الخاشقجي الباب واسعا للحديث عن الرأي العام بالعموم ـ الخاص والعام ـ والتغيرات التي طالته خلال العقدين المنصرمين، واذا ما استثنينا "قناة الجزيرة " والموقف التركي ـ وفيهما كلام ـ فاننا عمليا نواجه ازمة انسانية مجتمعية على مختلف المستويات المحلية ـ وصولا الى العالمية.
ان فكرة الرأي العام وأهميته تطورت مع تطور وانتشار التعلم والكتابة مرورا بالثورة الصناعية "وما يعرف بعصر الاساتذة"، وتمكن الرأي العام في عدة مراحل من التاثير على اليات اتخاذ القرارات ان على مستوى الدولة او على المستوى الدولي، لكننا نواجه ومنذ مطلع القرن الحالي علاقة سالبة او متعارضة جدا بين اعادة بناء الرأي العام والعولمة بمختلف اوجهها.
يمكن الاقرار ان "حركات سياتل" (في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1999، حيث احتشد آلاف المتظاهرين في مدينة سياتل، أكبر مدن شمال غرب الولايات المتحدة الأمريكية، عشية بدء قمة منظمة التجارة العالمية (WTO)، احتجاجا على التأثيرات السلبية للتجارة العالمية على مصالح الشعوب، وكذلك البيئة) وما تبعها من مساندة شعبية ونقابية في العديد من الدول، بانها اخر الحراك الشعبي المدني الهادف والعميق في مواجهة التحديات، والتي نقطف ثمار غيابها بهذا العنف المتنقل.
حينها توجه المتظاهرون، القادمون من مختلف أنحاء الولايات المتحدة والعالم، إلى مركز مؤتمرات المنظمة، ليواجهوا الشرطة التي رسمت طوقا محكما حول المكان المقرر لانعقاد القمة. حينذاك، شهدت سياتل، التابعة لولاية واشنطن، خمسة أيام من التظاهرات، التي بدأت سلمية وتحولت إلى أحداث عنيفة، أطلق عليها لاحقا وصف "معركة سياتل". ما حدث لم يكن مجرد مظاهرات عفوية، قائمة على ردود فعل آنية، بل كانت حملة تمردية، حمل لواءها مجموعات من النشطاء ومؤسسات نقابية، وأخرى مدافعة عن حقوق المستهلك وعن مصالح الدول النامية، تحت شعارات " الانسان أهم من الربح"،" حياتنا هي بيوتنا".
لقد شكلت تلك الحقبة وهذه التحركات وآثارها، نذير سوء، لكلا الطرفين، حيث عمدت الطغمة الرأسمالية العالمية، إلى وضع آليات للحد من الاثار المترتبة على أي تحركات شعبية ونقابية لاحقة، وهي تحركات كانت لتكون حتمية نظرا لسيرورة الامور في حينه، في حين لاح في الافق الشعبي، مدى تغلغل وقوة الرأسمالية في السيطرة على احد ابرز مقومات او عصب التحركات الشعبية اي وسائل الاعلام، لتتحول معها " معركة سياتل " الى مواجهة بين القانون واللاقانون (المحتجين).
1ـ مزيد من السيطرة على الاعلام المحلي والعالمي، بشكل مباشر وغير مباشر، وحرف انتباه الرأي العام الدولي والمحلي من الاوضاع الاقتصادية الى الامنية منها بعد حادثة 11 ايلول/ سبتمبر 2001.
2ـ العمل على افراغ النقابات العمالية من روحها، ولا سيما ان العديد من النقابات قد شاركت في احتجاجات سياتل، كما النقابات في عدد من دول العالم، والتي ضعفت اساسا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي حيث لم تعد تقدم اي خدمات تذكر للمنظومة الرسمالية، بل على العكس باتت تشكل مصدر خطر لقدرتها على مخاطبة الجماهير وتحفيزهم.
3ـ تعزيز إشكالية وجدلية "الانا والآخر" حد التصادم، صراع الحضارات، العنصرية بمختلف اشكالها، وعلى مستويات جغرافية متنوعة، او بمعنى ادق باتت تغطي احيانا دولا واخرى احياء، وتحولت الى ثقافة عامة تعيد انتاجها وتحفيزها وسائل التكنولوجيا والاتصال عينها، منعا لاي تواصل بين الانا وهذا الآخر، بغية تشكيل او التفكير بأي تحرك عالمي يهدد الرأسمالية العالمية، "ثقافة تعزيز الكراهية".
4ـ
5ـ إفراغ المجتمعات عموما، على اختلاف انتماءاتها من مجمل القيم، الدينية،المعرفية الثقافية، خدمة لاغراض إعادة بناء شخصية " الانسان = السلعة = الطاعة "، وهي تعتبر (القيم) الرابط الوحيد بين الذاكرة الانسانية والاجيال عموما، واستبدالها بذاكرة سطحية انتقائية انتفاعية لا سيما اذا ما لاحظنا ان ابرز مشتركات الرأي العام المحلي والدولي، كانت تنضوي تحت منظومة مثل انسانية واجتماعية ومبادئ اخلاقية تسود في مجتمع ما او في مرحلة معينة لتؤكد النسيج الحضاري لامة ما او لعولمة ما بما يحفظ الروح المعنوية للانسان والجماعة ويؤثر بهما.
على المستوى العربي
مرت على العالم العربي والاسلامي قضايا عديدة ليست أولها فلسطين وليس اخرها "صفقة القرن" بعد إمرار صفقة "القدس"، أو الحرب على اليمن الذي كان سعيدا، وسوريا والعراق برمزيتيهما الحضارية، او الصراعات والحروب المتنقلة، التي لن تهدأ، انما جاء مشروع نيوم "السعودي" ليمثل واحدة من اكثر خطوات الرأسمالية تقدما في العالم الاسلامي، لم يعكر صفوها الا جريمة اغتيال خاشقجي.
– على الخريطة يتضح أنه يضم الى جانب منطقة تبوك، جزيرتي تيران وصنافير، بالإضافة إلى أجزاء من سواحل خليج العقبة وشواطئ البحر الأحمر وحدود السعودية مع دولتي مصر والأردن، أما شعاع "نيوم" فسوف يطال كل الحجاز وامتداداته جنوبا اليمن (السعيد) وعمان عطفا على زيارة رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو الاخيرة للسلطنة (والخليج الفارسي شرقا، والشمال الشرقي، العراق، وشمالا سوريا ولبنان عبر الاردن والعراق، والبحر الابيض المتوسط، بالتناغم مع مصر، عبر سيناء والسودان بشقيه... ان شعاع "نيوم" كبير جدا بحجم الطموحات الاسرائيلية بـ" اسرائيل الكبرى"، مشروع يوحد الجهود ويضاعف الامكانات التي تبذل لوصل المحيطين الاطلسي والهندي عبر البحرين الابيض المتوسط والاحمر، ويفتح الافاق مستقبلا للالتفاف على، او للشراكة، او لاستيعاب أحزمة الصين وطرقها الحريرية.
في الحلقة الثانية: "نيو.. م" والحجاز والرأسمالية