ارشيف من :آراء وتحليلات
استمرار تباطؤ الاقتصاد الأوروبي
في أجواء "الحرب الباردة" الجديدة التي دشنتها أميركا، وعدم الاستقرار العالمي، يتابع الاقتصاد الأوروبي تراجعه. وقد سجل تباطؤ نموه في الفصل الثالث من السنة. وتشير المعطيات الجديدة لمؤسسة الاحصاء الاوروبية "يوروستات" أن الناتج الداخلي القائم في منطقة اليورو قد نما بالكاد 0،2% على قاعدة الثلاثة اشهر و1،7% على القاعدة السنوية. أما النمو في الـ28 دولة الاعضاء في الاتحاد الاوروبي فقد بلغ 0،3% على قاعدة الثلاثة اشهر و1،9% على القاعدة السنوية. وهذا النمو الاقتصادي البطيء في منطقة اليورو هو الادنى منذ سنة 2014. وظهرت المعطيات المسبقة منذ شهر تشرين الاول، ولكن الآن أصبح بالامكان رؤية الانهيار في بعض الدول.
ويبدو بشكل مؤثر وضع المانيا حيث يظهر انكماش في الناتج الداخلي القائم على قاعدة الثلاثة أشهر. وقد انكمش الناتج الداخلي القائم لالمانيا حتى 0،2% بالقياس الى الثلاثة أشهر السابقة وبلغ 1،2% على القاعدة السنوية، وهذا أقل من نسبة بريطانيا المهددة بـ"بريكسيت" (الخروج من الاتحاد الاوروبي).
ومثل هذه المؤشرات هي مقلقة، لأنه منذ أقل من عام واحد، في الثلاثة أشهر الأخيرة من سنة 2017، كان نمو الاقتصاد الألماني 2،8% على القاعدة السنوية و0،5% على قاعدة الثلاثة اشهر. والمانيا هي الاقتصاد الأكبر في منطقة اليورو كما في مجمل الاتحاد الاوروبي.
والانخفاض أو الانكماش فيها سيكون له تأثيرات سلبية على الكتلة الاوروبية بمجملها. وآخر مرة كان قد انكمش فيها الاقتصاد الالماني على قاعدة الثلاثة اشهر كانت في الثلاثة اشهر الثانية لسنة 2014. واسباب انكماش الاقتصاد الالماني الان تعود الى مخاطر الحرب التجارية، وانخفاض استهلاكات الدولة، وتباطؤ الانتاج في صناعة السيارات.
اما في ايطاليا فهناك ركود على قاعدة الثلاثة اشهر ونمو طفيف بنسبة 0،8% على القاعدة السنوية. وتعاني البلاد مشكلات مع اللجنة الاوروبية بسبب خطط الحكومة الايطالية لان ترفع نسبة عجز الموازنة، كما ان روما لا تأخذ بالاعتبار التوصيات الصادرة عن بروكسل.
والاقتصاد الكبير الثاني في اوروبا هو فرنسا. وتشير معطياتها الى حدوث نمو لا يتجاوز 0،4% على قاعدة الثلاثة اشهر و1،5% على القاعدة السنوية. وفي المؤشر الثاني يبدو تأخر كبير، كما في المانيا. وللمقارنة، فإن نمو الاقتصاد الفرنسي في الثلاثة اشهر الاخيرة من السنة الماضية (2017) كان قد بلغ 2،8%. ومع ذلك يمكن اعتبار فرنسا احدى البقع المضيئة في الاقتصادات الاوروبية.
ان المحركات الاخرى للنمو تأتي من اوروبا الوسطى والشرقية. ويسجل النمو الاكبر في بولونيا حيث بلغ نسبة 5،7% على القاعدة السنوية. وتليها لاتفيا بنسبة 5،5%، ثم هنغاريا (المجر) بنسبة 5%، وسلوفاكيا بـ4،5% وأخيرا رومانيا بـ4،1%. اما بلغاريا فلم يتجاوز النمو فيها نسبة 3% على القاعدة السنوية. اما نموها على قاعدة الثلاثة اشهر فبلغ 0،4%.
وقبل شهر فإن اللجنة الاوروبية (شبه الحكومة للاتحاد الاوروبي، ومقرها في بروكسل) نشرت توقعها الخريفي للنمو الاقتصادي. وحسب هذا التوقع فإن اقتصاد منطقة اليورو والاتحاد الاوروبي سيتباطأ في المدى المنظور. ويشير التوقع الى انخفاض النمو في منطقة اليورو من نسبة 2،4% سنة 2017 الى نسبة 1،9% في السنة القادمة و1،7% في سنة 2020. ومثل هذا التباطؤ سيحل في جميع الدول الـ27 التي ستبقى في الاتحاد الاوروبي بعد خروج بريطانيا. وتقول التوقعات لهذه الكتلة ان نمو الناتج الداخلي القائم لن يتجاوز 2،2% سنة 2018، و2% في السنة القادمة، و1،9% في سنة 2020.
وتفكر الحكومة الالمانية الآن بتخفيض الضرائب بسبب التباطؤ الاقتصادي. وهذا ما يصر عليه وزير الاقتصاد الالماني بيتر ألتماير، وهو ما صرح به للجريدة الالمانية Welt am Sonntag. وجاء تصريحه بعدما تأكد ان الناتج الداخلي القائم لالمانيا قد انخفض في الثلاثة اشهر الثالثة من السنة الجارية عن الاشهر الثلاثة التي سبقتها، وهو ما يحدث لاول مرة منذ سنة 2015. وترى وكالة الاحصاء الالمانية ان انخفاض الناتج الداخلي القائم لالمانيا انما يحدث بسبب هبوط التصدير، وهبوط انتاج السيارات، وBrexit (خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي) ومخاطر الحرب التجارية التي اعلنتها الولايات المتحدة الاميركية (ضد روسيا والصين وايران، كما ضد الدول والشركات التي لا تتقيد بالقرارات الاميركية لمقاطعة الدول "المغضوب عليها").
في النصف الاول من القرن الماضي رفع هتلر شعار "المانيا فوق الجميع". وأمام تخاذل الحكومات الاوروبية حينذاك احتل النازيون بسهولة غالبية البلدان الاوروبية. وحين هاجم هتلر الاتحاد السوفياتي السابق (وقلبه روسيا) تحطمت النازية وتحررت اوروبا. ولولا روسيا لكانت اوروبا كلها لا تزال الى اليوم تعيش تحت الجزمة النازية. ولكان النازيون يستعبدون جميع رجال اوروبا وينهشون اعراض جميع نسائها.
واليوم يرفع ترامب الشعار النازي "اميركا اولا". ويتضح اكثر فأكثر ان الولايات المتحدة الاميركية هي المستفيد الاول والاكبر من التباطؤ المتواصل للاقتصاد الاوروبي بمجمله. والحكومات الاوروبية، في خنوعها ومسايرتها للسياسة الاميركية المعادية لروسيا (والصين وايران وغيرهما)، إنما تخون شعوبها وتضرب بمصالحها عُرض الحائط. والنهاية المنطقية لهذا المسار الانحداري لأوروبا هو تحويلها الى مستعمرة اميركية (انجلو ـ ساكسونية ـ ماسونية ـ يهودية). ولن ينقذ أوروبا سوى الانفتاح على روسيا.
وتتأكد بالوقائع والارقام المقولة القديمة "أوروبا بالإضافة الى روسيا هي كل شيء – وأوروبا بدون روسيا هي لا شيء!".