ارشيف من :نقاط على الحروف

الاستقلال ومخاطر التقويض الداخلي

الاستقلال ومخاطر التقويض الداخلي

النجمة الخامسة والسبعون في تاريخ الاستقلال اللبناني تدخلنا في مسار ثلاثة أرباع القرن بكل ما حمل من أحداث ومحطات في مخاض الاجتماع اللبناني والتباسانة منذ لحظة ولادة الكيان إلى اللحظة الحالية، وهو تاريخ يتسم بالكثافة والغني المعبر عن دوامات الايدلوجيا والسياسات التي مرت فيها المنطقة وكان لبنان الوعاء الأساس لأكثر مفاصلها خطورة وحيوية في آن، ولئن كانت المسائل قد استقرت نسبياً على خطوط واضحة وتوافقات قد تموضعت في " اتفاق الطائف" بشكل عام، إلا أننا ما نزال نعاني من هشاشة المحتوى في مقاربات الاستقلال ومفاهيمه الحقيقة، فالمسالة خرجت من بعدها التقليدي لمفهوم الاستقلال وبدائيته، لتصبح أكثر تعقيداً، فلم يعد معيار خلو البلاد من أي استعمار مباشر أو انتداب أو جيوش أجنبية، يكفي ليكون محدداً أساسيا للاستقلال، بل انضم إليه الكثير من الأدوات المعيارية التي تحدد معنى الاستقلال ودلالاته والأهداف المتوخى تحقيقها على الصعيد الوطني، ليكون الاستقلال تفاعلياً في مندرجاته فالوطن للشعب والاستقلال في خدمة مصالح الشعب التي لا تنفصل عن مصالح الوطن.
 أمام هذا الواقع الذي ينفتح على أمور كثيرة تحتاج مقاربتها والخوض فيها في أكثر من اتجاه إلى مساحة اكبر، سنتكتفي بتسلط الضوء على محورين أساسيين متناسبين مع اللحظة الراهنة:

1 ـ إن اكتمال الشروط اللازمة للاستقلال يتمثل بالقدرة على الدفاع عن الحدود الوطنية وصونها ضد العدو "وهو هنا العدو الصهيوني حصراً مضموماً إليه الخطر التكفيري الحديث ربطاً" وقد استغرق فترة طويلة نسبياً، وكانت المعاناة في هذا الإطار متعددة الأبعاد، من الضعف البنيوي للأدوات الدفاعية، إلى مسار الاعتداءات الصهيونية المتوالية وسهولة حصولها على الأمينين اللبنانيين وتحديداً في مساحات الجنوب الحدودية والى ما بعده، وما أدى ذلك من إبقاء للوطن في دائرة أللاستقرار المجتمعي وتداعياته بعدم الإحساس بالأمان وقدرة الدولة على حماية شعبها والقفز عن معاناته الجسيمة وتركه لقدرة، كل ذلك مع ظروف أخرى منها الوجود الفلسطيني وتداعياته، وصولاً إلى كل المسار في الحرب الداخلية الإقليمية، وما تكشف لاحقاً بعد السلم الأهلي والطائف، عن علاقات موثقة لأطراف لبنانية مع العدو الصهيوني بعيداً عن سردية مقاومته الوجود الفلسطيني لان التواصل والاتصال والتنسيق كان منذ المرحلة الأولى لما بعد الاستقلال، كل هذه الهشاشة والانخفاض في الحس الوطني، بحيث تدور مع مصالح وطموحات سوريالية بشان (لبنان الوطن والموقف من العدو..) واللائحة تطول في تعداد الأسباب لكن كل ذلك الإضطراب في مفهوم الدفاع عن الوطن قد انجلى تدريجياً ليصل إلى ذروته في العام 2000 عام التحرير المفصل والذي أفصح عن لحظة إستراتيجية في انتقال الواقع اللبناني إلى شبه تحرير كامل للأراضي اللبنانية وامتلاك قوة الدفاع عن هذه الأراضي واستقلالها في مسار تصاعدي، لم تكن محطة 2000 إلا تأكيداً واختباراً لقوته وصولاً إلى البلورة النهائية لعملية توازن الردع مع العدو وما انبثق عنها من معادلة استقلالية لبنانية مكتملة النموذج هي الجيش والشعب والمقاومة سميت بالمعادلة الذهبية أو إكسير الاستقلال اللبناني.


2 ـ إن الحالة النموذجية لبلد يتداعى بشكل مريع اقتصادياً واجتماعياً وينحو بشكل متسارع إلى أن يكون مرشحاً للمزيد من الأخطار الناجمة عن الفساد المستوطن في كل مفاصل البُنى الإدارية والسياسية، بحيث تشكل ثقافة الفساد طريق الثروة "المشروعة" يضاف إليها النهب المنظم لقطاعات الإنتاج المالي في الدولة وتحويلها إلى خصخصة تخدم حيتان المال والسياسية وتبقى بُنى الدولة فارغة هزيلة وتخدم مصالح طبقة ضيقة من السياسيين والحيتان والأزلام مما ينبئ بان الاستمرار في هذا الطريق الوعر سيدفع نحو الإفلاس وتحميل الشعب اللبناني مسؤوليه الديون بكل فئاته واتجاهاته وهذا يعني بالإضافة إلى مظاهر البؤس والفقر والإذلال، القضاء المبرم على السيادة والحرية والاستقلال وارتهان قرار الوطن لامتلاءات الخارجية وخضوعه لها و...

إن هذا تحديداً احد وجوه ومكامن الخطر التي تهدد الاستقلال في استقراره الاجتماعي والاقتصادية والتنموية وتضرب قوة موقفه وصلابة قوته الرادعة...

لذا فان محاربة الفساد وإيقاف مسلسل السرقات العلنية المعروفة بالأسماء والأرقام والمموهة المعلومة لا يجوز السكوت عنها أو مهادنتها أو غض الطرف عنها أو التقليل من هول الأضرار التي تلحقها بالوطن والمواطن اللبناني وينبغي اعتبارها العدو الذي تسلل إلى الداخل وينبغي محاربته وإلحاق الهزيمة به واقتلاعه كي يبقى المواطن في الوطن وكي يبقى معناً حقيقياً للسيادة والاستقلال.

إن المرحلة هي مرحلة إعلان المقاومة ضد الفساد تنتصر للشعب اللبناني وتدفع عنه الظلم اللاحق به وتقضي على الطبقة الفاسدة من اجل أن يبقى لبنان وطناً مستقلاً لشعب آبى مقاوم.

2018-11-22