ارشيف من :مقالات

العقوبات: خرق لسيادة الدول

 العقوبات: خرق لسيادة الدول

بني النظام الاقتصادي العالمي الحالي على أسس العولمة التي اجتاحت العالم معتمدة سياسة السوق المفتوحة خاضعة بذلك لعوامل السرعة في التواصل والنقل. ومع ارتباط المصالح الاقتصادية للبلاد بعضها ببعض بشكل وثيق، بات هم الاقتصاديين في كل بلد وضع الخطط اللازمة للوصول الى توازن في ميزان المدفوعات. إلا أن الهدف يمر من طريق أساسي عنوانه الصادرات. ولتحقيق هذا الهدف، كثيرا ما يتقدم بناء السياسات الخارجية للبلاد على السياسات الانمائية فيها.

هذا في وقت تخضع فيه السياسة الاقتصادية للدول النامية وبعض الدول المتطورة فضلا عن علاقتها الخارجية إلى حد سيف العقوبات. فما هو حد هذا الحد؟

تسعى فكرة العقوبات من قبل جهات مختلفة إلى تأطير سلوك الدول بحسب مصالح الجهات الفارضة لها. وبالتالي إن أهداف العقوبات هي إجبار البلد على تغيير سلوكه.

وباعتماد سياسة الضغط غالبا ما تستخدم العقوبات من قبل الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الاميركية  للتحكم بالسياسة الدولية.

وتستطيع العقوبات استهداف بلد بأكمله، كما هو الحال في حالة الحظر على صادرات البلد مثل العقوبات الأمريكية على كوبا. كما يمكنها استهداف صناعات محددة  مثل فرض حظر على بيع أسلحة البترول. ويمكن فرض عقوبات على منظمات او أفراد يشكل وجودهم خطرا على مصالح الجهة الفارضة للعقوبات: مثل الشخصيات السياسية أو قادة الأعمال - مثل إي يو والعقوبات الأمريكية على حلفاء بوتين في مارس 2014.

السياسة التي منهجت الهيمنة الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية مازالت متبعة حتى الآن

وبالعودة الى الهدف الاقتصادي الاساسي المتجسد بتحقيق توازن في المدفوعات فإن العقوبات تشكل عامل ضغط أساسي على البلد. فحصر السوق وبخاصة السوق الاوروبية أو الأميركية يشكل هزة الأمر الذي يسهل من جهة الهيمنة على سياسات الدولة والذي يخالف في الوقت عينه مبدأ السيادة.

علاوة على ذلك، فإن النظام العالمي المعتمد على الدولار كالعملة الأولى للتجارة العالمية بعد اتفاقية بريتن وودز1944 اولا وبعد إعلان الرئيس نيكسون تحرير الدولار من الربط بالذهب ثانيا، جعل عقوبات الولايات المتحدة الاميركية هي الأخطر في حال استهدافها لبلد أو حركة أو منظمة.

فالشركات العالمية والمتعددة الجنسيات كما البنوك والمصارف المركزية ستكون تحت خطر حجز أموالها التي تمر في المنظومة المالية الاميركية. علما ان أي دولار في هذا العالم يمر في هذه المنظومة وبالتالي تقوم واشنطن بحفظ مصالحها الداخلية والخارجية على حساب سيادة الدول وحرية الافراد والاحزاب من خلال الدولار.

وبالعودة الى الآلية فإن الولايات المتحدة الاميركية تصدر عقوباتها من خلال مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة المالية الأمريكية والذي يعرّف مهامه كالتالي:" يقوم مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة المالية الأمريكية بإدارة وتطبيق العقوبات الاقتصادية والتجارية على أساس السياسة الخارجية الأمريكية وأهداف الأمن القومي ضد الدول والأنظمة الأجنبية المستهدفة  والإرهابيين ومهربي المخدرات الدوليين ، والمتورطين في الأنشطة ذات الصلة. لانتشار أسلحة الدمار الشامل ، وغيرها من التهديدات للأمن القومي ، السياسة الخارجية أو الاقتصاد للولايات المتحدة."

وبالنظر الى هذا النص تتضح الاستنسابية في فرض العقوبات بحسب الاهداف والمصالح القومية للولايات المتحدة الاميركية.
هذا في وقت اضاف النص العقوبات ضد "الارهابيين"، المصطلح الذي يخضع تعريفه لنقاش عالمي وابتزاز اميركي . فحتى الساعة، لم تحدد أطر دولية للارهاب ما يمنح الادارة الاميركية الحرية المطلقة باعتبار أي حركة لا تتناسب مع حركتها التوسعية ومصالحها الساسية والاقتصادية ارهابا. وبالتالي، يقوم الساسة في بلاد العم سام بفرض العقوبات عليها واجبار الشركات والدول الالتزام بتصنيفها وان لم تكن مقتنعة بهذا التصنيف.

تحفظ النصوص الدولية جميعها مبدأ سيادة الدول، إلا أن الحقيقة الجلية  هي أنه في كل عقوبة تفرض على دولة ما هناك محاولة للهيمنة. وعند كل عقوبة تفرض على الأفراد أو الحركات لا تعتبرهم دولتهم ارهابا او خطرا هناك تخطى لسيادة هذه الدولة.

أمام هذا الواقع، لا بد من الإشارة إلى أنه غالبا ما تقوم الدولة الفارضة للعقوبة على السيطرة على السياسات الخارجية للدول العظمى حتى، فالدولار يجبرهم التقيّد بسياستها وان لم تكن لهم الرغبة بذلك.

 فاخيرا وبعد نقض الاتفاق النووي الايراني من قبل الولايات المتحدة الاميركية لم يستطع الساسة الأوروبيون إجبار الشركات الأوروبية على الاستمرار في شراء النفط الإيراني أو تزويد إيران بأجزاء السيارات. ومن شأن هذه الأنواع من المعاملات أن تؤدي إلى فرض عقوبات من الولايات المتحدة ، الأمر الذي من شأنه أن يجمد تلك الشركات من نظام المدفوعات العالمي بالدولار والاقتصاد الأمريكي البالغ قيمته 20 تريليون دولار ، وهو حكم محتمل بالإعدام على أي شركة عالمية.

 تاريخيا أنشئ FFC  عام 1940 ليدار من قبل وزير الخزانة طوال الحرب. "وكان يهدف إلى منع استخدام النازيين لحيازات الدول المحتلة من العملات الأجنبية والأوراق المالية ومنع الإعادة القسرية للأموال التي تعود إلى مواطني تلك الدول. تم تمديد هذه الضوابط لاحقًا لحماية أصول الدول الأخرى التي تم غزوها. بعد أن دخلت الولايات المتحدة رسميا الحرب العالمية الثانية ، لعبت FFC دورا قياديا في الحرب الاقتصادية ضد قوى المحور من خلال حجب أصول العدو وحظر التجارة الخارجية والمعاملات المالية." ليزيد على ذلك بأن"OFAC  هو خليفة لمكتب مراقبة الأموال الأجنبية FFC ."

هذا النص يوضح أن السياسة التي منهجت الهيمنة الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية مازالت متبعة حتى الآن من أجل الحفاظ على هذه الهيمنة وتوسيعها وهو ما يبرر عقوباتها المتتالية على المارد الصين والثائر الإيراني والمتمرد الكوري...

2018-11-23