ارشيف من :آراء وتحليلات
الفوسفور الأبيض الأميركي في الشرق السوري.. خدمة لـ’داعش’
دائما ينكر التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية استخدامه قذائف الفوسفور الابيض المحظورة دولياً، من ضمن عملياته الجوية في قصف مواقع في شرق سوريا، وخاصة جنوب شرق دير الزور بين بلدات هجين والسوسة والباغوز، وفي الوقت الذي تنتشر فيه بقوة صور وأفلام تثبت ذلك بطريقة واضحة، مع ما ينتج عن ذلك من اصابات موثقة، اضافة الى ما تظهره وتؤكده وسائل المراقبة والرصد العسكرية الروسية والسورية، يتابع التحالف القصف بهذه الأنواع من القذائف من وقت لآخر، دون أن يعير أي اهتمام لما تسببه من إصابات خطرة بين المدنيين أو لردة الفعل الدولية والسورية حول ذلك.
في الواقع، لن تكون الوحدات الأميركية مهتمة بردة الفعل أو بالموقف الدولي من موضوع استعمالها أسلحة محرمة، حيث تخالف بذلك القانون الدولي، فهي عمليا تتواجد بطريقة غير شرعية أساساً، وتخالف بصراحة جميع مندرجات وبنود ومبادىء القانون الدولي، لذلك لن يتغير شيئ بالنسبة لها أو بالنسبة للموقف الدولي من استعمالها أسلحة محرمة استناداً لهذا القانون، ولكن ما هي أسباب وخفايا استخدام قوات التحالف لهذه القذائف بشكل متكرر؟ وهل السبب هو الايذاء وقدرة التأثير العسكري كسلاح فعال على الخصوم، أم توجد حاجة ميدانية أو عسكرية أو أمنية أخرى منه، تخدم مناورة عملياتها في الشرق السوري بشكل عام؟
طبعا لا يمكن استبعاد نية الأذى من استعمال التحالف تلك القذائف، والتي تشكل في آثارها جريمة خطرة تتعدى الاستهدافات العسكرية (إحداث اصابات في المقاتلين لدفعهم الى الخروج من الملاجىء التي تصاب بالغازات السامة من جراء حريق الفوسفورـ احداث غيمة واسعة من الدخان لتأمين غطاء حماية وانتقال آمن)، الى ايذاء البيئة والمياه والهواء، حيث لا تختلف تلك الاثار عما تسببه الاسلحة الكيميائية بشكل عام، خاصة أن مادة الفوسفور تُعرَف علمياً بانها احد انواع المواد الكيميائية، وربما كان هذا باساس اعتبارها محظورة دوليا، إذ قانونياً لا توجد مادة واضحة في المعاهدات المتعلقة بالأسلحة الممنوعة، تُحَرِّم الفوسفور الابيض، لكن تكتسب المادة الأخيرة حالة (الاسلحة الممنوعة) من خلال ما تسببه من نتائج تشبه بمفاعيلها المواد الكيميائية المحرّمة قانونا.
من الطبيعي أن
دائما كانت الوحدات الاميركية، في العراق أو سوريا، تعمد الى أكثر من مناورة غامضة خلال عملياتها العسكرية ضد تنظيم "داعش"، ومن عناصر هذه المناورة الغامضة، كنا نلاحظ دائما تنفيذها عمليات هبوط بالطوافات أو بطائرات الشحن والنقل العمودية (التي لا تحتاج لمدرج للاقلاع والهبوط)، وذلك كان يتم إما ليلاً أو نهاراً في مناطق صحراوية بعيدة عن الأنظار وعن نقاط المواجهة، وأغلب عمليات الهبوط هذه كانت تتم في مناطق هي عمليا تحت سيطرة التنظيم الارهابي، وكانت تتوزع مهمات تلك الطوافات او الطائرات العمودية بين انزال اسلحة وذخائر وحاجات لوجستية وعناصر أحياناً، أو بين سحب عناصر ومقاتلين أحيانا أخرى، ومن تلك النقاط في العراق، كانت المناطق بين الموصل وتلعفر، وصحراء الرطبة في جنوب غرب الانبار، وفي عمق شمال غرب الانبار قرب الحدود السورية، بالاضافة لما شهدناه في سوريا من عمليات مماثلة في الرقة وعلى كامل خط وادي الفرات جنوب شرق دير الزور، بين الميادين حتى البوكمال، وذلك في المراحل الأخيرة من اندحار "داعش" من تلك المناطق.
هذه المناورة والتي يمكن تفسيرها برعاية وادارة عمل التنظيم بصورة خفية، من خلال التحكم بقوته، بشكل لا يتمدد ويتوسع من جهة، ولا ينكسر أو ينهزم بالكامل من جهة أخرى تنفيذاً لأجندة أصبحت واضحة، لم يعد من امكانية لتنفيذها في نفس الشكل والاطار في مناطق تواجد التنظيم مؤخراً بين هجين والباغوز جنوب شرق دير الزور، لأسباب ضيق مساحة هذا الانتشار، ولكونها مرصودة ومراقبة حاليا بشكل فعال.
من هنا، وبهدف متابعة مناورة التحكم بقوة التنظيم من خلال إدخال عناصر في بقعة انتشاره أو سحب عناصر أخرى منها، يعمد التحالف الى مناورة استعمال قذائف الفوسفور الأبيض، والذي تتدرج نسبة فعاليته بين مستويات مختلفة، فتكون الأعلى منها لإحداث آثار عسكرية فعالة، وتكون الأدنى منها صالحة لتشكل ساترا دخانيا يغطي انسحاب أو دخول عناصر عبر خط المواجهة والاشتباكات، بطريقة سرية وخفية عن أغلب عناصر "داعش" أو عناصر قوات سوريا الديمقراطية المشتبكة معها، وتكون فترة رماية هذه القذائف الخطرة فترة مناسبة لتحرك هؤلاء العناصر الذين يستعملون، بناءً على تعليمات مُنسّقة او لاتصالات آنية، اقنعة واقية تحميهم من آثار تلك القذائف، في الوقت الذي تكون فيه اغلب العناصر الاخرى (غير المعنية والجاهلة بالمناورة) مختبئة في ملاجىء بعيدة عن مراقبة تلك التحركات.