ارشيف من :نقاط على الحروف

ترامب وأصحاب السلطة الحقيقية

ترامب وأصحاب السلطة الحقيقية

"إن أصحاب السلطة الحقيقية في الولايات المتحدة لا نية لديهم أن ينهوا الحرب أبداً، فإن انتهى خطر الاتحاد السوفياتي والشيوعية فهناك اليابان أو العرب أو الإسلام". ألبرت أينشتاين، 1950.

كثيرون منا مشدوهون من شخصية الرئيس الأميركي دونالد ترامب غير المسبوقة في تاريخ الرؤساء الأميركيين، ويعيرون آذانهم لوسائل الاعلام الأميركية بأن ترامب لا يمثل مبادئ الولايات المتحدة وأنه يسعى لتدميرها.

لكن إن أمعنّا النظر قليلا لربما اختلفت النظرة بشكل كلي. دعونا نعود بالتاريخ قليلا إلى الوراء ونورد بعضا من الأمثلة علها تعطينا الإجابة الصحيحة عن حقيقة ترامب وعلاقته بأصحاب السلطة الحقيقية في الولايات المتحدة.

 الحرية إن لم تكن متوافقة مع مصالح واشنطن ليست محبّذة

فلنبدأ بحرب الخليج والاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، هذه الحرب التي بنيت أساساً على معلومات مضللة قدمتها الإدارة الأميركية للرأي العام العالمي بزعم امتلاك العراق حينها لأسلحة الدمار الشامل، (توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، اعتذر للشعب العراقي، عن الدور الرئيسي الذي لعبه في الحرب على العراق، وذلك في مقابلة له مع قناة الـ"CNN" في العام 2016، حيث قال: "إنني أعتذر بشأن حقيقة أن المعلومات الاستخباراتية التي تلقيناها كانت خطأ". ورغم ذلك احتلت واشنطن وحلفاؤها العراق ودمرت مؤسساته ونهبت ثرواته وقضت على مقدراته وارتكبت بحق أهله المجازر ولم يرف لأحد من مدعي الدفاع عن المبادئ الأميركية أي جفن.

في العام 2006 جرت انتخابات تشريعية في غزة والضفة الغربية المحتلة وفازت في هذه الانتخابات حركة المقاومة الإسلامية ـ حماس بحصولها على 76 مقعدا من أصل مقاعد المجلس التشريعي البالغة 132، ماذا كانت ردة فعل واشنطن؟ بدأت بعد أقل من شهر العمل على حصار السلطة الجديدة لدفعها إلى الانهيار إذ تقول صحيفة "نيويورك تايمز" في شباط/ فبراير 2006 إن "الولايات المتحدة و"إسرائيل" تناقشان سبل زعزعة استقرار الحكومة الفلسطينية حتى يفشل مسؤولو حماس المنتخبون حديثا وستتم الدعوة إلى الانتخابات مرة أخرى. القصد من ذلك هو تجويع السلطة الوطنية الفلسطينية من المال والروابط الدولية إلى النقطة التي يضطر فيها رئيسها محمود عباس بعد أشهر من الآن إلى إجراء انتخابات جديدة". كما تذكر مجلة «فانيتي فير» الأميركية أن فوز حماس شكل مفاجأة لإدارة بوش، وبحسب مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) "كل واحد ألقى باللوم على الآخر. لقد جلسنا في البنتاغون قائلين اللعنة على من أوصى بها (يقصد الانتخابات)". وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية "لقد كنا في الإدارة نتحدث بصوت واحد. ينبغي علينا أن نعصر هؤلاء الناس، إذ إنه مع فوز حماس، فإن أجندة الحرية قد أصبحت ميتة".

دونالد ترامب يمثل الوجه الواقعي لأصحاب السلطة الأميركية الحقيقية

إلى البحرين، فالشعب الذي خرج سلميا للمطالبة بأحقيته في حكم نفسه (بناء لعُرى الديمقراطية الأميركية) تم قمعه بأيد سعودية وتحت أعين الإدارة الأميركية التي لم تر في هذا القمع والممارسات التعسفية للنظام البحريني ما يستدعي التوقف عنده لا بل حتى ذكره في وسائل الاعلام التي تدعي أنها تقود حملة شعواء على ترامب.

وبالاتجاه قليلا نحو الغرب الجنوبي تشهد الإنسانية أبرز مقاتلها في العصر الحديث حيث المجازر والتجويع يفتكان بالشعب اليمني بتحالف سعودي أميركي أوروبي عريض وحيث تدمر المدارس والمستشفيات والمساجد والمنازل على رؤوس ساكنيها وحيث تستهدف حفلات الزواج والأسواق وقوافل النازحين، أكثر من عشرة آلاف شهيد وجريح، أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون نازح، أكثر من مليونين ونصف مليون طفل وامرأة يعانون من سوء التغذية نتيجة الحصار في حرب مستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات والعالم الغربي المتحضر لم يسمع بها.

هذا بعض من الأمثلة التاريخية التي حصلت في عهدي الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، ونتعجب حين ينبري الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الأمم المتحدة للقول "أميركا أولا! ولا دخل لنا بكم إن كانت مصالح الولايات المتحدة مصانة"، ويملأ قلبنا السرور حين نرى الاعلام الأميركي يصول ويجول دفاعا عن حقوق الانسان وما لف لفيفها في مسألة واحدة محددة فقط (قتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي) ولكن في قتل شعوب وتدمير مقدرات أوطان لا يوجد ما يستأهل الكلام طالما أن ذلك متوافق والمصلحة الأميركية.

إن ترامب لم يفعل سوى أنه أزال القناع عن الوجه الحقيقي للوحش الرأسمالي، ربما لأنه لم يعد قادرا على التخفي وراء الحجب المضللة.

إن دونالد ترامب يمثل الوجه الواقعي لأصحاب السلطة الأميركية الحقيقية.

2018-11-24