ارشيف من :مقالات

 أمن غذائي على المحك وأسعار ’فالتة’ من عقالها 

 أمن غذائي على المحك وأسعار ’فالتة’ من عقالها 

ربما بات الوضع الاقتصادي اليوم "حديث الساعة". الجميع يسأل عنه، يشكو منه، ويتعايش مع واقعه المر. يكاد لا يمر يوم على لبنان إلا ونسمع فيه تحذير من خطورة الأوضاع المعيشية التي بدا فيها مفهوم الحياة الكريمة في الدرك الأسفل. قيل الكثير في اقتصاد لبنان، ونُسجت العديد من المقاربات التي حاكت الواقع، وحذّرت منه، إلا أنّ نجم "كارتيلات" وحيتان المال لا يزال أقوى من الحل، وكلمته لا تزال هي العليا منذ عقود، ليتخبّط المواطن، وكالعادة، في العديد من الأزمات. وليدفع ثمن غياب السياسات الاقتصادية التي تحمل همه وتجعله أولوية الأولويات على غرار العديد من بلدان العالم. ولعلّ أولى وأبهظ الأثمان التي يدفعها المواطن هي تلك التي تلامس حياته المباشرة، فتمس "لقمة عيشه". أبرز مثال على ذلك،  الغلاء الفاحش الذي تشهده السلع الرئيسية واليومية، منذ مطلع العام الحالي، حتى اليوم، والذي طال 160 سلعة أساسية، وفق ما يؤكّد رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو لـ"موقع العهد الإخباري".

يشرح برو كيف تشهد الأسواق اللبنانية "فلتاناً" غريباً عجيباً في الأسعار، خصوصاً لجهة السلع الأساسية والخدماتية، ما يُشكّل أزمة تهدّد الأمن الغذائي. صحيح أنّ هذا الأمر ليس طارئاً على السوق في لبنان، إلا أنّ الأرقام  هذا العام بدت مخيفة جداً، فمنذ مطلع العام، ومجرّد أن اشتم المحتكرون رائحة سلسلة الرتب والرواتب، بادروا الى رفع أسعار 160 سلعة أساسية وخدماتية تمس حياة المواطنين بشكل مباشر، وذلك بنسبة 10 بالمئة، وهي نسبة مرتفعة جداً، ما خفّض القدرة الشرائية للمواطنين، وزاد الوضع الاقتصادي تأزماً. يُرجع برو الارتفاع المؤسف للأسعار الى نغمة "الاحتكارات" السائدة، والتي "تغلغلت" بنسبة 80 بالمئة من اقتصاد البلد، وهو رقم غير مسبوق، شهدناه في العديد من القطاعات، حتى باتت الأسعار أغلى لما يقرب الثلاثين بالمئة من دول المنطقة والجوار.      

برو الذي يعقد ندوة عصر الخميس حول "فلتان الأسعار والأمن الغذائي"، بدعوة من الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، يطرح رؤيته للحل إزاء الغلاء الفاحش للأسعار، فيشير الى أنّ الدولة مطالبة أولاً بإقرار قانون المنافسة على غرار العديد من بلدان العالم. إقرار هذا القانون سيقضي على نسب عالية من الاحتكار الذي بات مرضاً ينهش هيكل الاقتصاد اللبناني الذي يعاني ما يعانيه من التضخم، والذي بلغت نسبته 6.5 على ذمة الدولة اللبنانية، بينما تشير تقديراتنا الى أنه لامس حدود العشرة بالمئة فيما يتعلّق بالسلع الأساسية، ما يؤثر بشكل مباشر على العائلات الفقيرة التي لا تبحث عن كماليات مطلقاً، لكنها مضطرة الى الحصول على الأساسيات لتستمر، ما انعكس على القدرة الشرائية. إقرار قانون المنافسة -برأي برو- يشكّل أحد الخيارات الاقتصادية لمواجهة الاحتكارات، والعقلية الريعية الفاسدة التي سعت الى نهب المقدرات الوطنية تبعاً لسياسة تقسيم الكعكة. 

وفيما يُكرّر برو مطالبته بضرورة الذهاب الى سياسات اقتصادية جديدة، ينتقل من ضرورة إقرار قانون المنافسة، الى ضرورة تعديل النظام الضريبي غير العادل، والذي لم يؤد الا الى غياب العدالة الاجتماعية، والتي لم تكن نتيجتها سوى غنى فاحشا وفقرا مدقعا دفعت ثمنه الطبقات الفقيرة عبر الضرائب الجائرة، عكس كل دول العالم، حيث تأتي الضرائب لإحداث نوع من العدالة، فتُقتطع من جيوب الأغنياء وأرباح الشركات الكبرى، من أجل تأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة. كما يرى المتحدّث ضرورة ماسة لتحويل الاقتصاد من ريعي الى منتج عبر دعم القطاعات المنتجة الأساسية التي توظّف معظم الأجراء العاملين في لبنان، وفي العديد من القطاعات الصناعية، الزراعية، وغيرها. 

يطرح برو رؤيته انطلاقاً من ملامسته لواقع الأسواق اللبنانية، وهي رؤية تُضاف الى سلسلة المقاربات التي لا تزال "حبيسة الأدراج"، فيما يشتد الخناق شيئاً فشيئاً على عنق الاقتصاد اللبناني. 

2018-11-29