ارشيف من :مقالات

الليرة ثابتة.. والقدرة الشرائية رهينة التضخم

الليرة ثابتة.. والقدرة الشرائية رهينة التضخم

تتوالى المطالبات برفع الأجور في لبنان. فعلى الرغم من اقرار سلسلة الرتب والرواتب، لازال اللبنانيون يعانون من ضائقة مالية تحول بينهم وبين زيادة الطلب على السلع والخدمات. والحقيقة أن هذا ينعكس على السوق اللبنانية عبر المفارقة التالية: انخفاض الطلب وارتفاع خيالي في أسعار السلع.

ارتفعت أسعار المستهلك بمتوسط بنسبة 5.37% في أول شهرين من عام 2018

وما نسب التضخم المرتفعة سوى تجسيد لواقع الأسعار المرتفعة المسيطرة على الأسواق. ويعرّف التضخم على أنه مقياس كمي للنسبة التي يرتفع بها متوسط مستوى سعر سلة من السلع والخدمات المختارة في اقتصاد ما على مدى فترة زمنية.

غالباً ما يتم التعبير عن التضخم كنسبة مئوية، وأبرز دلالاته انخفاض القوة الشرائية لعملة دولة ما.

ووفقاً للإدارة المركزية للإحصاء، ارتفعت أسعار المستهلك بمتوسط بنسبة 5.37% في أول شهرين من عام 2018 ، حيث سجلت جميع مكونات مؤشر أسعار المستهلك البالغ عددها 13 عنصرًا ارتفاعا ملحوظا.

فلبنان، أحد أغلى البلدان في المنطقة والعالم.

وبالبحث عن الأسباب الآيلة للتضخم، نجد أنها تنحصر بثلاثة أساسية:

أولا: لبنان بلد ممتص للأسعار الدولية بسبب اعتماده الكبير على الواردات وعملته المرتبطة بالدولار.

ثانيا: يعاني الاقتصاد اللبناني من الزيادة في تكاليف العمالة لتصنيع سلعة أو تقديم خدمة، فضلاً عن ارتفاع سعر المواد الخام المستورد معظمها من الخارج. هذه التطورات تؤدي إلى ارتفاع تكلفة المنتج النهائي أو الخدمة ما يسهم في التضخم.

ثالثا: يشكل الارتباط بالتوقعات التكيفية عائقا رئيسا أمام حل معضلة التضخم. فمع ارتفاع أسعار السلع والخدمات، تتوقع العمالة وتتطلب المزيد من الأجور للحفاظ على تكاليف المعيشة. وتؤدي أجورهم المتزايدة إلى ارتفاع تكلفة السلع والخدمات، ويستمر كل من هذين العاملين في دوامة تحفيز الآخر.

وبالعودة الى سبب ارتفاع نسبة التضخم في بداية العام الحالي فهو مرتبطً بالقفزة في متوسط أسعار النفط من 57.7 دولار للبرميل في فبراير 2017 إلى 67.5 دولار للبرميل خلال نفس الفترة من العام الحالي.

بالإضافة إلى ذلك، شكل استمرار ارتفاع ضريبة القيمة المضافة الذي دخل حيز التنفيذ اعتبارًا من 1 يناير 2018 في زيادة تضخيم أسعار السلع والخدمات، وبالتالي تقليل القوة الشرائية للمستهلكين.

معدل النمو لم يتجاوز 2 % مع ملازمة النسب المرتفعة من البطالة

ومع ارتفاع الأسعار، تأثرت تكاليف المعيشة العامة للجمهور العام إضافة إلى السلطة النقدية المناسبة كالبنك المركزي. وللحد من المشكلة، اتخذت التدابير اللازمة للحفاظ على التضخم ضمن الحدود المسموح بها والحفاظ على سير الاقتصاد بسلاسة بحسب اسباب الزيادة.

 يتم قياس التضخم بعدة طرق اعتمادا على أنواع السلع والخدمات التي يتم النظر فيها وابرز مكونات سلة السلع والخدمات في لبنان هي الاسكان والمرافق وتكاليفهما بما تتضمنه من مياه وكهرباء وغاز وأنواع وقود اخرى إضافة إلى خدمات النقل والمشروبات غير الكحولية والغذائية  فضلا عن الصحة والتعليم .

وبالتفاصيل، ارتفع متوسط تكاليف الإسكان والمرافق التي شكلت 28.4 % من مؤشر أسعار المستهلك ، بنسبة 5.38 % على أساس سنوي في أول شهرين من عام 2018.

علاوة على ذلك، ظهر أن تكاليف الإيجار المشغولة من قبل المالك والتي تشكل 13.6% من الإسكان والمرافق ارتفعت بنسبة 4.24% على أساس سنوي، كما ان متوسط أسعار الماء والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى، ارتفعت بنسبة سنوية 6.57 % مقارنة بنفس الفترة.

كذلك ارتفع متوسط أسعار المشروبات غير الكحولية والغذائية والتي تشكل 20% من مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 3.67% على أساس سنوي بحلول فبراير 2018.

وعلاوة على ذلك، فإن خدمات النقل والتي تشكل 13.10% من مؤشر أسعار المستهلك والتي تعتمد بشكل أساسي على النفط، ارتفعت بنسبة بمتوسط 5.06% سنوية بحلول 2018 فبراير.

هذا في وقت سجل متوسط الصحة الذي يشكل 7.7% من مؤشر أسعار المستهلك ومؤشر التعليم الذي يشكل 6.6% من مؤشر أسعار المستهلك مؤشرات تصاعدية بنسبة 4.61% و 3.86% على أساس سنوي بحلول شهر فبراير 2018.

هذه النسب المرتفعة نسبيا تشير الى ان القفزات بأسعار السلع والخدمات اللبنانية تعبر عن فقاعة بالاسعار. فالقدرة الشرائية للبنانيين لا تتناسب مع ارتفاع الاسعار الحاصل بالسلع والخدمات الضرورية.

وإذا ما نظرنا إلى سلة السلع والخدمات المعتمدة لقياس التضخم فهي تتمحور حول الاساسيات وبالتالي ان الارتفاع المذكور يؤثر يوميا على اللبناني بشكل سلبي .

ولابد من الاشارة الى أن معدل النمو لم يتجاوز 2 % مع ملازمة النسب المرتفعة من البطالة.

وفي هذا دلالة على ان لبنان يعاني من الركود التضخمي.

وإذا ما كان التضخم بنسب منخفضة ضروري كون غيابه يعني وجود الانكماش الذي يشير إلى حدوث انخفاض عام في أسعار السلع والخدمات ويعبر عنه انخفاض معدل التضخم إلى ما دون الصفر. يحاول لبنان الهرب من الركود الاقتصادي رغم وجود التضخم،  ولكن الغلاء المعيشي بات يؤثر على الطلب فالاسعار لاتزال ترتفع في ظل نظام ربط الليرة بالدولار والاعتماد الكبير على الواردات الذي جعل من لبنان بلداً يمتص الاسعار وغير قابل على التحكم فيها. وفي ظل غياب منهجة زيادة الرواتب والتي لا بد أن تحصل سنويا لتجنيب البلد حصول خضة فور زيادتها عن 12 عاماً، وفي ظل غياب طرح واضح لسلة السلع الضرورية وفي ظل هدف واحد للسيادة النقدية بالحفاظ على قيمة الليرة نسبة للدولار تبقى القيمة الشرائية لليرة رهينة تقلبات التضخم.

 

2018-11-30