ارشيف من :آراء وتحليلات
أزمة ماكرون.. والسبت الأعنف
لم تنفع محاولات الحكومة الفرنسية في إيقاف تحرك الشارع تحت راية ما يطلق عليهم ( السترات الصفراء) كما لم ينجح خطاب رئيس الحكومة الفرنسية إدوارد فيليب الذي أعلن فيه تجميد قرار رفع نسبة الضريبة على الوقود بكامل مكوناته، في إقناع الغاضبين في الشارع الفرنسي الذين إتهموه بالخداع والمراوغة.
أتى إيمانويل ماكرون لسدة الرئاسة في فرنسا من غير موعد ودون مقدمات، كل ما عرف عنه أنه كان كادراً في شركات وبنوك عائلة روتشيلد قبل أن يعينه الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولند وزيرا في حكومته. وهو بفعل المال الروتشيلدي ودعم رجال المصارف والأعمال أنشأ حزب هلاميا وخاض الانتخابات الرئاسية وفاز بها، وقدم وعوداً للناس بمستوى معيشي مرتفع ومعاشات أكبر وفرص عمل كثيرة. لكن بعد عام ونصف من ولايته، وبفعل سياسته الضريبية التي أصابت الأكثر فقرا بالفقر، وزادت من ثروات الأغنياء، إنفجر الشارع الفرنسي بوجهه وبوجه مجمل التركيبة السياسية ونظام الجمهورية الخامسة، ولم تعد مطالب المتظاهرين تقتصر على إلغاء القرارات الأخيرة المتعلقة بأسعار الوقود، بل أصبحنا نسمع كلاما عن ضرورة إسقاط نظام الجمهورية الخامسة الذي بدأ مع حقبة الرئيس السابق فرانسوا ميتران في ثمانينات القرن الماضي وضرورة إعادة النظر بكل قوانين وقرارات توزيع الثروة في فرنسا انطلاقاً من رفع الضرائب على الأكثر ثراء وتغريم الشركات التي تربح مئات المليارات سنويا وإعادة تدوير هذه الاموال في مشاريع تخلق فرص عمل جديدة وتؤمن السكن لملايين الفرنسيين العاجزين عن دفع إيجارات منازل وشقق ارتفعت أسعارها بشكل جنوني منذ بدء موجة الشراء الصيني والخليجي للعقارات في فرنسا قبل عشرة أعوام تقريبا.
ما يجري حاليا في فرنسا إنقلاب حقيقي يقترب شيئا فشيئا من مرحلة العصيان المدني الذي تنتقل عدواه بشكل سريع إلى دول الجوار، خصوصا بلجيكا وإيطاليا التي تشكلت عندها أيضا مجموعات السترات الصفراء. ويبدو أن شرارة الإحتجاجات هناك تنتظر تطورات مفصلية في فرنسا التي يتوقع أن يكون السبت القادم في شوارعها عنيفا حسب ما يقوله نشطاء حركة السترات الصفراء. وتظهر الحكومة كمترددة هذا الأسبوع في مواجهة تحركات الشارع يوم السبت القادم، فأي خطأ يقع في المواجهات قد يؤدي الى تطور الأحداث إلى أعمال شغب عامة وشاملة لا يمكن احتواءها.
من هنا، تبدو آفاق الحل مسدودة، ما قد يدفع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الغائب الكبير عن أحداث الشارع الى إجراء انتخابات مبكرة في عملية رمي الكرة في ملعب اللوبي المالي الذي أوصله للحكم وتركه وحيدا في مواجهة الشارع.