ارشيف من :أخبار لبنانية
الـ "سي. آي. إن"
صحيفة الخليج الإماراتية
خيري منصور
ليس من باب الاختزال فقط، جاء هذا الدمج بين ال “سي. آي. إيه” وال “سي. إن. إن”، بل لأن كاتباً في صحيفة “هآرتس” هو عاموس هرئيل نشر مقالاً، عن عزم الكيان الصهيوني ضرب المنشآت النووية في إيران، أما الرئيس أوباما الذي ما إن ينتهي من تصريح أو خطاب حتى يبدأ ضرب الأخماس بالأسداس، فسوف يسمع هذه الضربة العسكرية شأن الناس العاديين في كل مكان من محطة ال “سي. إن. إن” والتي ستكون السباقة إلى إعلام الرئيس للمخابرات المركزية الأمريكية، أما كيف يتوصل عاموس هرئيل إلى هذا التوقع، فتلك حكاية تطول، ولا بأس أن نذكّر ببعض القرائن التي طالما أدت إلى ترجيح المراقبين أن تل أبيب تعد لضربة عسكرية ضد طهران.
الصقور الجمهوريون، الذين منهم من غادر البيت الأبيض ومنهم من يحوم حوله انحازوا بقوة إلى الخيار العسكري ضد إيران، وتبعاً لما يقوله تشيني نائب الرئيس بوش، فهو كان مصراً على هذا الخيار غير أن الرئيس فضل استبداله بخطوة دبلوماسية أخرى، وذلك ليس بسبب نوبة عقلانية جنح الرئيس تحت تأثيرها إلى السلام، بل تورطه في العراق الذي كان قد بدأ يتحول إلى مستنقع يثير في الذاكرة الأمريكية البيضاء “فوبيا” الحرب الفيتنامية، وما ينشر الآن في صحف من طراز “وول ستريت جورنال” بأقلام هؤلاء الصقور الذين نتفت الأعاصير ريشهم مثل وليم كوهين وزير الدفاع في عهد الرئيس كلينتون، يحذر الولايات المتحدة من التساهل مع إيران النووية، فهي قد تنجز تبعاً لما يقولون قنبلتين على الأقل عام 2010 لهذا فإن الزمن المتبقي تبعاً لهذه التوقعات والأرصاد السياسية هو عام واحد فقط، وعلى واشنطن أن تسابق الزمن لإنجاز المهمة المنوطة بها صهيونياً، وفي حال ترددها واستئناف الخيار الدبلوماسي فإن الذراع الصهيونية سوف تتولى المهمة، وعندئذ سيكون الرئيس أوباما آخر من يعلم.. وإن علم فعن طريق ال “سي. إن. إن” وليس عن طريق ال “سي. آي. إيه”.
يلاحظ أن هناك تسخيناً وتوتيراً للموقف الأمريكي والأوروبي من إيران، وبالطبع فإن تل أبيب هي الحرباء التي تنفخ في النار.. لكن من دون خصم رمزي هو الضفدع الذي ينقل قطرات الماء لإطفاء الحريق كي تكتمل الحكاية السليمانية الحكيمة.
وما يقال في أوساط الدولة العبرية عن الجولات المكوكية لوزير الخارجية، ورئيس الوزراء أيضاً، لا يقتصر على ما هو شائع من المعلومات، كأن يحاول ليبرمان مثلاً اختراق إفريقيا، وبالتحديد دولها التي تقع عند منابع نهر النيل، وحسب ما نشر في الصحف العبرية فإن تنقلات نتنياهو تتم بسرية لا تتيح لطاقم مكتبه أن يكون على علم بها، ومجمل هذا الحراك الصهيوني الآن يتجاوز ما تتداوله الميديا عن الأهداف المعلنة، فثمة محاولات للكسب والتحييد، تليها محاولات أخرى في شرعنة العملية العسكرية، باعتبارها حسب أدبيات الصهيونية موقفاً دفاعياً.
ومن المعروف أن تسمية جيش الاحتلال والعدوان بجيش الدفاع كانت كما يعترف موشي دايان استراتيجية تضليل.
ويشاء التاريخ في لحظة الغيبوبة أن يصبح المعلم الأمريكي هو التلميذ النجيب في هذه المدرسة، فقد تبنى نظرية الدفاع الهجومي، والحروب الاستباقية والاجهاضية بدءاً من حربه على أفغانستان، مروراً بالحرب على العراق.
وثمة معلقون يسخرون من هذا التعامل الصهيوني مع واشنطن، فحكومة نتنياهو تضرب عرض الحائط بكل ما يصدر من البيت الأبيض حول تمدد الاستيطان ويتشبث نتنياهو بوعود بوشية سابقة، إضافة إلى الموقف من المسألة الإيرانية. فأمريكا وفقاً لهذا المنظور الساخر، عليها أن تختار بين أن تتلقى التعليمات من الجنرال باراك، أو تكون آخر من يعلم إذا نفذت تل أبيب ضربتها المؤجلة ضد إيران.