ارشيف من :أخبار عالمية

"اسرائيل" تهدد ايران في ظل عجزها أمامها

"اسرائيل" تهدد ايران في ظل عجزها أمامها
حسان ابراهيم

لا تتوقع "اسرائيل" اي نتيجة ايجابية، من ناحية منظورها الخاص للإيجابية، من استئناف المحادثات بين ايران ومجموعة الدول الست بقيادة الولايات المتحدة الاميركية، حول برنامج ايران النووي. ترى "اسرائيل" ان هذه المساعي الحوارية ليست الا مضيعة للوقت، وأن ايران تسعى اليها كي تكسب مزيدا من الوقت الضروري لإنهاء برنامجها النووي، وامتلاك اول قنبلة نووية تشكل خطرا وجوديا على الدولة العبرية.
وبرغم امتعاض "اسرائيل" من اصل الحوار، وتحديدا بين واشنطن وطهران، لكنها ترى انه لا بد لها من القبول به، اذ لا طاقة وقدرة لتل أبيب على اعتراض توجهات الادارة الاميركية التي لم تكن لتكون الا بعد فشل كل المحاولات الاميركية الاخرى، وبعد ان تبين للرئيس الاميركي الجديد باراك اوباما ان للمقاربة العسكرية تداعيات سلبية لا يمكن احتواؤها، وتصيب من المصلحة الاميركية مقتلا، في ساحات ترى واشنطن لطهران تأثيرا مباشرا فيها، وفي مقدمتها العراق وأفغانستان، ومناطق اخرى في الشرق الاوسط.
 كيان العدو سيضطر لمهاجمة المواقع النووية الايرانية اذا لم يكن بمقدور القوى الغربية الاتفاق على عقوبات تعجيزية على ايران
وأيضا برغم قبول "اسرائيل" بالمقاربة الاميركية عن غير رضا، تحاول لعب دور ما فيها، وتلوح بين الحين والآخر بأن لديها "عضلات" يمكنها ان تضرب المشروع النووي الايراني من خلالها. وهدف تل أبيب من استعراضاتها هذه هي الأمل بدفع ايران الى موقع الخائف كي تتنازل عن ثوابتها، لكن مشكلة تل أبيب في ذلك ان الايرانيين يرون ان "عضلاتها" واهنة وغير قادرة على ايذائهم. وإن قُيض لها ان تحاول الاضرار بهم، فإن ذلك لن يثنيهم عن مساعيهم، بل يمكن ان يؤدي الى زيادة الوتيرة والاقتراب من القدرة النووية الكاملة وبسرعة كبيرة. كما ان لديهم بدورهم القدرة على الرد بشكل موجع وقاسٍ جدا.
آخر ما صدر اسرائيليا في أعقاب الحديث عن الاول من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، كموعد لاستئناف محادثات النووي الايراني، تصريح لأحد سياسيي "اسرائيل" ممن يعرفون بسعة اطلاعهم ومعرفتهم بالتوجهات الاسرائيلية الرسمية حيال الملف النووي الايراني، اذ كان اهتمامه الرئيسي كنائب لوزير الحرب بالملف النووي الايراني، وكان يشغل مهام ومناصب حساسة في دوائر القرار الأمني والعسكري الاسرائيلي، وهو النائب السابق لوزير الحرب الاسرائيلي افرايم سنيه، الذي قال ان "اسرائيل ستضطر لمهاجمة المواقع النووية الايرانية اذا لم يكن بمقدور القوى الغربية الاتفاق على عقوبات تعجيزية على ايران، وفي حدود قصوى حتى نهاية العام الحالي". وبرغم ان سنيه من الشخصيات الاسرائيلية التي تعتبر اكثر تطرفا حيال كيفية معالجة التهديد النووي الايراني على "اسرائيل"، الا انه يصب في الاستراتيجية شبه الرسمية المتبعة حيال ايران، اي تخويفها وصولا الى استسلامها في المفاوضات المزمع اجراؤها معها في الايام القليلة المقبلة.
تأتي تصريحات سنيه في اطار حملة اسرائيلية رسمية، لكن بقناع خاص لمؤسسات يهودية غير حكومية، بدأت بالظهور تباعا في الاعلام الغربي والاميركي تحديدا، وترمي الى "شرح الموقف الامني لاسرائيل حيال ايران"، وتخويف الغرب وإيران على حد سواء. هذا المسعى يرتكز على افهام ايران والدول الغربية بشكل عام ان "اسرائيل" جادة ولديها القدرة الفعلية وتنوي دون مواربة تفعيل خياراتها العسكرية حيال المشروع النووي الايراني، حتى وإن اضطرت تل ابيب الى خوض مواجهة مع طهران منفردة دون مساعدة مباشرة او غير مباشرة من قبل الاميركيين. وأحد الأساليب المتبعة لإبعاد الايرانيين والغربيين عن اعتقادهم بعجز "اسرائيل" عن ذلك، هو الحديث عن القدرة الموجودة لدى سلاح الجو الاسرائيلي على تعطيل او تأخير المساعي النووية الايرانية سنوات عدة، إن لم يكن بمقدورها انهاء المشروع من أساسه. مع أن "اسرائيل" تفهم جيدا ان الغرب وايران ايضا، يدركون تماما عدم قدرة الجيش الاسرائيلي على اجتثاث المشروع النووي الايراني.
ترمي "اسرائيل" بشكل اساس الى تحقيق هدفين في آن معا من خلال محاولاتها التسويقية لقدراتها على ضرب ايران، والتهديد بها:
اولا: إضعاف موقف طهران التفاوضي، بإفهامها ان هناك سيفا ما مسلطا عليها، ما يوجب عليها ان تتراجع عن موقفها المتصلب، والخضوع لإملاءات الغربيين.
الأساليب المتبعة لإبعاد الايرانيين والغربيين عن اعتقادهم بعجز "اسرائيل" عن ذلك، هو الحديث عن القدرة الموجودة لدى سلاح الجو الاسرائيلي  
ثانيا: حث الدول الغربية المفاوضة لإيران على الضغط بشكل فاعل ما لم تتجاوب ايران مع مساعيهم الحوارية، من خلال فرض عقوبات حقيقية وفاعلة عليها. فإذا كان الغرب يخشى بالفعل تبعات مواجهة ما في المنطقة بين "اسرائيل" وإيران، فعليه ان يعمل بشكل جدي على دفعها الى التخلي عن برنامجها النووي.
هذه المحاولة قامت بها "اسرائيل" في فترة سابقة من العام الحالي، حتى قبل استلام الرئيس الاميركي باراك اوباما منصبه. وتزامن ذلك مع حديث الادارة الاميركية الحالية عن تغيير في توجهاتها حيال ايران، وأن لديها مساعي حوارية معها.. في حين انبرى وزير الحرب الاسرائيلي ايهود باراك لوضع شروط على الحوار المزمع إجراؤه، وفي أساس هذه الشروط ان "اسرائيل" تنتظر فقط ثلاثة أشهر لتشهد على نتائج حقيقية تلجم طهران عن مساعيها النووية، وإلا فإن "كل الخيارات موجودة على الطاولة من ناحية اسرائيل"، اي التهديد باستعمال القوة العسكرية من قبل الجيش الاسرائيلي، إذا تجاوزت المفاوضات الحوارية مع طهران مدة ثلاثة أشهر من دون نتائج.
مرت الأشهر الثلاثة ولم تستطع الادارة الاميركية مباشرة الحوار مع ايران، ومرت اشهر ثلاثة اخرى ايضا، بل وشارفت ثلاثة اضافية على الانتهاء، من دون ان تقدم "اسرائيل" على شيء. لكن بمجرد الاعلان عن بدء المفاوضات في الاول من الشهر المقبل، عادت اشهر ثلاثة جديدة لتبرز، وبدأت "اسرائيل" تسوق لمنطق ومقاربة اعلامية وتهديدية من جديد.. اي ان "اسرائيل" ستقدم على تفعيل خياراتها العسكرية بعد ثلاثة اشهر، حتى نهاية العام الحالي.
تأخرت "اسرائيل" كثيرا، ولم تعد تهديداتها تجدي نفعا. وكما يقول الاسرائيليون أنفسهم: من يريد العمل لا يتكلم، ومن يتكلم لا يعمل.. وعادة ما كان الاسرائيليون يصفون بذلك أحوال العرب في سنوات المواجهات والحروب السابقة مع الدولة العبرية، التي كانوا ينهونها عادة دون انتصارات مع هزائم مشهودة.. اذ كان العرب يبنون قصورا في الهواء في حروبهم مع "اسرائيل"، حتى يتبين لاحقا أنهم غير قادرين في الفعل على بناء كوخ متواضع. ويبدو ان "اسرائيل" أزاحت العرب عن مكانهم وحلت محلهم، فبناء القصور في الهواء أصبح من  اختصاصها هي، وربما هذه هي حال كل القاصرين عن العمل الفعلي والقادر على تحقيق نتائج.
2009-09-23