ارشيف من :أخبار لبنانية

جولة جديدة من التفاوض مع إيران

جولة جديدة من التفاوض مع إيران

في قمة مجلس الأمن الدولي التي ترأسها باراك أوباما، على هامش الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة، صدر القرار الرقم 1887 الداعي إلى عالم غير نووي.


العنوان برّاق، لكن التفاصيل مقلقة، فالولايات المتحدة، ومعها بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا، تتزعم العالم النووي بامتياز. وتهديد السلم والأمن الدوليين لا يصدر من قوة دولية واحدة، ويصعب إقناع الأسرة الدولية بالتخلي عن أسلحة الدمار الشامل، فيما يمتلك الخمسة الكبار هذه الأسلحة، ناهيك عن السلاح النووي الموجود في حوزة باكستان والهند و”إسرائيل”.


الملف النووي الإيراني هو الضاغط الأبرز على مجلس الأمن كي يتخذ القرار المذكور، في الوقت الذي تصرّ طهران على أن هذا الملف يندرج في النشاطات السلمية المسموحة بموجب نظام الوكالة الدولية للطاقة الذرية. الولايات المتحدة ومعها عدد من دول الاتحاد الأوروبي تشير إلى مخاطر تحوّل إيران إلى دولة نووية، ومهددة للسلم والأمن في الخليج والشرق الأوسط.


أما “إسرائيل” فهي الطرف الدولي الأبرز الداعي إلى تأديب إيران، وضربها عسكرياً بواسطة سلاح الجو لتدمير منشآتها النووية.


بين هذا الرأي وذاك، يزداد التجاذب الدولي والإقليمي، ويخيم على أعمال القمم الدولية ونشاطات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة، أما المصالح الدولية لكل طرف فهي التي تسيطر على هذا التجاذب في خلفياته غير المعلنة، وإلا ما معنى بقاء السلاح النووي في حوزة مجموعة من الدول طالما أنها تعلن الرغبة في التوصل إلى عالم غير نووي؟


في العودة إلى مضمون القرار 1887 نجد تفاصيل مهمة ولكنها تحتاج إلى التزام وتنفيذ:


1- دعوة الدول إلى التفاوض- في مؤتمر دولي عام- للحد من الترسانات النووية، والعمل على بلورة (معاهدة شاملة وكاملة تحت إشراف دولي صارم). السؤال هنا حول الأسباب التي حالت دون تنفيذ مضامين اتفاقيتي “ستارت” بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي؟ وإلى متى يبقى السلم الدولي رهن إرادة دولتين أو أكثر من دون الالتفات إلى مصالح الأسرة الدولية في مجموعها؟


2- دعوة الدول الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية إلى احترام موجباتها، والطلب من الدول غير الموقعة الانضمام إلى المعاهدة المذكورة لمنحها طابعاً عالمياً.


المقصود هنا إيران لجهة الالتزام بما يفرضه توقيعها على المعاهدة، أي ألا تنتج سلاحاً نووياً، والمقصود ثانياً “إسرائيل” لجهة دعوتها للانضمام إلى المعاهدة المرفوضة من جانبها.


نشير هنا إلى أن صوغ القرار المذكور استلزم وقتاً وجهداً دبلوماسياً حتى لا تستفز “إسرائيل”، وبات واضحاً السماح الدولي لها في إنتاج الرؤوس النووية وباعتراف المسؤولين “الإسرائيليين” أنفسهم في السنوات الأخيرة.


في مطلق الأحوال تبقى مجرد الإشارة الدولية إلى “إسرائيل” خطوة جديرة بالمتابعة من جانب الدول العربية، إذا ما أرادت الدفاع عن أمنها وحقوقها في الحاضر والمستقبل.


3- دعم استخدام الطاقة النووية لأهداف سلمية، مع الإشارة إلى أن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية تقر بهذا الحق الطبيعي، والسؤال هنا يتعلق بالدول النووية القابضة على التقنية النووية، وكيف أنها تحتكر هذه التقنية وتحول دون تصديرها إلى الخارج لأسباب مصلحية ونفعية بحتة؟


الطاقة النووية السلمية من شأنها مساعدة القطاعات الطبية والصناعية والزراعية وغيرها. إنها جزء من نظام الأبحاث العالمي، في الوقت الذي يبحث العالم عن طاقة نظيفة بديلة عن النفط والغاز والوقود الاحفوري، حيث يزداد تلوث الأرض والفضاء، وتتهدد البيئة الطبيعية ومعها حياة الإنسان.


4- رفض مجلس الأمن قيام الدول بتجارب نووية جديدة، وهذا تأكيد دولي جديد، يتكرر كل فترة دون أن تلتزم به الدول كافة.


بكلام آخر، يندرج القرار 1887 في إطار الضغط الدولي المتزايد على طهران في الدرجة الأولى، مع الإشارة إلى “إسرائيل” حتى يأخذ هذا القرار طابع المشروعية الدولية، وقد تزداد الضغوط على طهران اقتصادياً ودبلوماسياً وسياسياً من دون أن تصل مرحلة الحرب. وحسبنا هنا التوقف عند نتائج محادثات جنيف بين إيران والدول الست الكبرى: أعضاء مجلس الأمن الخمسة الدائمين وألمانيا.


هناك اتفاق مبدئي على تخصيب اليورانيوم الإيراني خارج إيران، وربما في روسيا. هذا تطور إيجابي جديد، يمكن أن يكرس في اتفاق رسمي ترعاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية قريباً.


وهناك تأكيد إيراني مجدد على الطابع السلمي للطاقة النووية، وعلى الالتزام بقرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لجهة إخضاع المنشآت النووية الإيرانية للتفتيش الدولي الذي ترعاه الوكالة.


في هذا الإطار تندرج زيارة مدير عام الوكالة الدكتور محمد البرادعي، الذي تحدث عن عدم وجود دلالات على توجه إيراني بإنتاج سلاح نووي، وهذا كلام مكرر منذ سنوات.


الخلاصة هي أن المجتمع الدولي يتجه إلى جولة جديدة من التفاوض مع إيران، والمطلوب أمريكياً وأوروبياً في الدرجة الأولى أن تنخرط إيران في دائرة المصالح المتبادلة، حول النفط وطرق إمدادات الطاقة، وحول أمن “إسرائيل”، ورعاية المصالح الأمريكية والأوروبية بنسب متفاوتة. وما يشجع الغرب على مزيد من الضغط أمران: تخلي الولايات المتحدة عن الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية في مقابل تفاهم أوسع مع روسيا حول إيران والشرق الأوسط ومصالح دولية متبادلة. واهتزاز الوضع الداخلي الإيراني جراء الانتخابات الرئاسية.


جولة جديدة من التفاوض هي عنوان المرحلة المقبلة بين إيران والغرب.
 
"الخليج" - عدنان السيد حسين

2009-10-10