ارشيف من :أخبار عالمية
مياه الجزيرة العربية.. هل من يسمع النفير؟
كتب منير حرب
تشكل المياه عصب الحياة للإنسان والحيوان والنبات، ولكن عوامل عدة باتت تضع هذا المرفق الاساسي في حياة البشرية جمعاء على حافة خطر الشح والنضوب.
وقد بات من المعلوم للجميع بأن التكاثر البشري، والصناعة، والزراعة، والهدر، وفقدان التوعية والترشيد، وتلوث مصادر المياه الرئيسة، كلها عوامل تساهم في شحّ المياه وبالتالي تناقصها، وكذلك التصاعد المضطرد للانحباس الحراري الذي تسبب في ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية والمحيطات والبحار مما له أكبر الأثر في نقصان المياه النقيّة الصالحة للاستهلاك البشري والحيواني والزراعي، وفي زيادة مساحات التصحّر، وزيادة ملوحة التربة، الأسباب التي تحدّ من استغلال الأراضي للمشاريع الزراعية، ونقص متواصل في المخزون الجوفي للمياه.
و تشير بعض التقارير الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، إلى أن ما يقارب مليارا من البشر يعانون من نقص شديد في الحصول على مياه نقية للشرب، وهذا بطبيعة الحال يستتبع تضخم حجم المعاناة صحياً ومعيشياً لهؤلاء، ناهيك عما يقدّر بنصف سكان العالم يعيشون إلى جانب مصادر مياه ملوثة. وهذا يتسبب كما جاء في تقارير الأمم المتحدة ذات الصلة بوفاة حوالي مليوني إنسان في القارة الإفريقية وحدها سنوياً.
نظرة عامة على الموارد المائية السعودية
يتفاوت معدل هطول الأمطار في المملكة وتتفاوت كمية المياه السطحية المتحصل عليها من عام لآخر. ويتراوح عدد الأيام الممطرة في المملكة بين حد أدنى قدره 6 أيام بمعدل هطول ضئيل للأمطار قدره 4.8مم سنوياً في منطقة ينبع، وحد أقصى بلغ حوالي 80 يوماً بمعدل هطول مرتفع للأمطار قدره 412.2مم سنوياً في منطقة أبها (عام 1998م). وبالتالي تختلف كمية الأمطار بين المناطق والسنوات، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار ظاهرة الجفاف في معظم مناطق المملكة، عدا منطقة جبال الحجاز وعسير (وزارة التخطيط، 1418هـ).
وقدرت المياه السطحية الممكن استغلالها بحوالي 2000 مليون م3 عام 1995م وارتفع هذا التقدير إلى 5000 مليون م3 عام 1999. أما عدد السدود في المملكة فيبلغ 190 سداً بسعة تخزينية قدرها 788 مليون م3 (وزارة الزراعة والمياه، 1418/1419هـ).
الينابيع: قلّ الاعتماد عليها في الزراعة منذ استخدام الميكنة وأساليب الزراعة الحديثة خلال العقد الأخير ولو أنه في عام 1365هـ (1945م) كان أكثر من 200 ألف مزارع بالمملكة يعتمدون على الينابيع كمصدر رئيسي لمياه الري، أما حالياً فليس هناك أكثر من 3500 مزارع يستخدمون مياه الينابيع أكثرهم في مزارع صغيرة.
السعودية: ازمة مياه وترشيد مطلوب
بناء على ما تقدم تعتبر السعودية من الدول التي تعاني شحا في المياه، بسبب موقعها الجغرافي وظروفها المناخية وانتشار الصحاري فيها واعتمادها على مياه الأمطار والمياه الجوفية، وعدم وجود أنهار عذبة فيها. وتمثل المياه الجوفية نحو 81.5 في المائة من إجمالي مصادر سد احتياجاتها من المياه. ويعيب هذا المصدر أنه معرض للنضوب مع كثرة الاستخدام لأنه غير متجدد.
هذا الوضع دعا المسؤولين الى التشديد على ضرورة ترشيد استهلاك المياه وحث المواطنين والمقيمين على ذلك.
إن المملكة تعد من أكثر دول العالم استهلاكا للمياه ، حيث تبلغ نسبة استهلاك الفرد اليومي للمياه ما بين 250- 300 لتر، مقارنة بمتوسط استهلاك الفرد عالميا الذي يقدر بين 120-130 لترا يوميا". ولقد أظهرت دراسة ميدانية حول هدر مياه الشرب في منطقة مكة المكرمة أن حجم استهلاك سكان منطقة مكة المكرمة خلال عام واحد بلغ نحو 307 ملايين متر مكعب. وأرجعت هذه الدراسة أسباب الهدر في مياه الشرب إلى الاتساع العشوائي في المدن، والنمو المطرد في عدد السكان مع عدم الوعي الكافي بكيفية استخدام مياه الشرب، وكثرة الحدائق المنزلية واتساعها بشكل مبالغ فيه، مع وجود المسابح (حمامات السباحة)، حيث ترتب على ذلك نقص حصة المياه المخصصة للزراعة من ناحية، وزيادة مياه الصرف الصحي التي أصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً على البيئة وتلويثها من ناحية أخرى.
ويقول الخبراء المسؤولون عن حملة ترشيد المياه في المملكة إن ترشيد المياه المستخدمة في عملية غسل الملابس فقط قد توفر للمملكة العربية السعودية نحو 37 مليار لتر من المياه كل عام، إذ يقول المسؤول بإحدى الشركات الصناعية السعودية ياسين العطاس، إن مجرد إحداث تغير بسيط في عادات السكان التي تشمل الاستخدام المفرط للمياه في غسل الملابس قد توفر ملايين اللترات من المياه. وهذا الامر له دلالات خطيرة جدا خاصة عندما نعلم ان المملكة تعاني من عجز مائي كبير يصل إلى حوالي 11.769 مليون متر مكعب، وتتم تغطيته من مخزون المياه الجوفية غير القابلة للتجديد، أي تلك التي توجد في طبقات عميقة، واذا علمنا ايضا بأن كميات المياه المستخدمة والمتوفرة في السعودية من مصادر متفرقة تبلغ 8 مليارات متر مكعب، وكمية المياه المستهلكة فعلياً لكافة الأغراض تبلغ حوالي 22 مليار متر مكعب، فإن المحصلة عجز بما يقدر بـ14 مليار متر مكعب من المياه سنوياً.
أزمة المياه وتأثيرها على قطاعات الانتاج
تعد السعودية حالياً أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، حيث تشكل 30% من حجم الإنتاج العالمي. وتضخ محطات تحلية المياه في المملكة والبالغ عددها 30 مصنعاً حوالي 600 مليون غالون يومياً ،وهذا ما يلبي 70% من الحاجة المحلية من مياه الشرب. وينبغي على المملكة انفاق 53 مليار دولار أمريكي لزيادة طاقتها الإنتاجية من المياه المحلاة إلى 10.7 مليون متر مكعب وذلك لتلبية الطلب المتوقع بحلول العام 2020.
أضف إلى ذلك أن الدراسات الحديثة تؤكد أن تغير المناخ العالمي سيؤثر على طلب المياه في ثلاث قطاعات رئيسة: المدنية والصناعية كما الزراعية أيضاً. فقد دلت نتائج الدراسات أن ارتفاع درجة الحرارة في المملكة سيرفع من معدلات عمليتي التبخر والنتح، وهذا يعني بالضرورة أن معدلات الاحتياجات الزراعية من مياه الري سترتفع. وعلى سبيل المثال فإن محصول القمح سيحتاج إلى 3% زيادة في معدلات الري عام 2020م بينما عام 2080م قد تصل بالمتوسط إلى 11%، وهذا يعني أن ارتفاع درجة الحرارة درجة مئوية واحدة فقط سينتج عنه زيادة في مياه الري لمحصول القمح بمعدل 103 متر مكعب لكل هكتار في الموسم! أي بزيادة 46.4 مليون متر مكعب وفقاً لمساحة زراعة القمح في المملكة لعام 2007م.
حلول واقتراحات
يلزم للتقليل من أزمة المياه في المملكة والسير في الطريق السليم لترشيد المياه استخدام بعض التقنيات التي قد تساعد في ذلك منها على سبيل المثال:
استخدام تقنيات حديثة للتقليل من تسرب المياه من شبكة الأنابيب في المدن، وتقنيات استهلاك المياه داخل المنازل
إعادة تدوير المياه المعالجة داخل المجمعات السكنية وبرمجة نظم مياه الري بالرش أو بالتنقيط، واستخدام المياه المتوسطة والعالية الملوحة في زراعة النباتات التي تتحملها، وإعادة تدوير مياه الصرف الزراعي والمياه المهدورة والمعالجة لأغراض الري، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي في القطاعات التجارية والصناعية وعدم الاقتصار فقط على استخدامها في سقي الحدائق العامة والمنتزهات.
السماح للقطاع الخاص بالاستثمار في مشاريع تحلية المياه واستغلالها وتشغيلها بشكل موسع عما هي عليه الآن.
فتح المجال أمام المستثمرين الراغبين في الاستثمار للاستفادة من مياه الأمطار، بإنشاء سدود صغيرة ومجمعات للمياه في مواقع مختلفة في الأماكن التي تسقط عليها أمطار غزيرة، ثم يُستفاد منها بعد تجميعها في أعمال الإنشاءات والبناء. ويمكن معالجتها وتحليتها للاستفادة منها في الزراعة وفي الشرب.
جمع مياه الأمطار من الطرق والشوارع للاستفادة منها على النحو المتقدم، مما يؤدي إلى التقليل من خطر بقائها فترة طويلة وتعرضها للأسن والتبخر. ولا شك أن معالجة هذه المياه والاستفادة منها سيكون أقل تكلفة من عمليات تحلية مياه البحر التي تتكلف مبالغ طائلة، كما ستخفف الأعباء عن الجهات الحكومية المسؤولة عن تصريف المياه في المدن، وستحقق أرباحاً مادية للقطاع الخاص.