ارشيف من :ترجمات ودراسات

الاستراتيجية الأميركية لتغيير التوازن العسكري في الخليج

الاستراتيجية الأميركية لتغيير التوازن العسكري في الخليج
إعداد: علي شهاب
لا ينتهي التخطيط الأميركي لمواجهة إيران عند حدود العقوبات أو الضغط الإقتصادي. فمحاولة تحقيق توازن عسكري من خلال دعم الدول المجاورة للجمهورية الإسلامية هو أحد البنود الرئيسية في قائمة الاجراءات البعيدة المدى التي تطبقها واشنطن منذ سنوات.
في هذا السياق، أصدر معهد "ليفر" الدولي، ومقره في بوسطن، تقريرا وضعه الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية مايكل نايتس بحث فيه "التوازن الجديد الذي يبرز ببطء في الخليج العربي" في مواجهة طهران، وهنا ترجمة لما ورد فيه:
"هناك ثلاثة عوامل دفعت القدرات العسكرية المحسنة قدماً لدول مجلس التعاون الخليجي منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي.
العامل الأول كان تطوير عمليات الشراء المحسنة، مع التركيز بصورة أكبر على النظم المناسبة التي تلبي بصورة أفضل احتياجات هذه الدول. إن دول مجلس التعاون الخليجي، التي هي من بين أكثر الدول إنفاقاً في الشؤون الدفاعية في الشرق الأوسط، قد وظفت نفقاتها الدفاعية وفقاً لعمليات التخطيط الشرائية القائمة على التهديد التي تتعرض له، وعلى المساومة الفعالة التي تضمن تلقيها أحدث التقنيات بأفضل الأسعار.
أما العامل الثاني فقد كان الاعتماد على نهج متوازن بصورة أكثر تجاه التنمية العسكرية التي ركزت على التعليم العسكري، والتدريب، وقدرات الصيانة. إن دولة الامارات هي الرائدة في هذا الجهد، حيث تسعى لتطوير توافقية تقنية بين القوات العسكرية الأمريكية وأجيال المستقبل من الأفراد العسكريين في دولة الإمارات. فعلى سبيل المثال، يجب على المجندين العسكريين في دولة الإمارات، نيل "رخصة قيادة الحاسوب الدولية" قبل تجندهم؛ وتوفر "مدرسة القوات الجوية الإماراتية" و "كلية خليفة بن زايد الجوية" مجندين ذوو تأهيل تعليمي عالي إلى "القوات الجوية الإماراتية" و "معهد الدفاع الجوي".
وهناك عامل ثالث كان قد شكل تغير كبير في طبيعة التهديدات التي تتعرض لها دول مجلس التعاون الخليجي. ففي وقت مبكر من التسعينيات من القرن الماضي، كان التركيز ينصب على إمكانية قيام غزو عراقي بري، وكان ذلك يعني بأن دول شمال الخليج (السعودية والكويت والبحرين) هي دول مواجهة، وأن القوات الحربية البرية (قوات مؤللة، ومروحيات مضادة للدبابات، ومدفعية) كانت تحظى بالأولوية. ولكن مع كسوف عراق صدام حسين كقوة عسكرية كبيرة، وإسقاط نظامه البعثي في وقت لاحق، تحول التركيز ثانية على إيران باعتبارها تشكل تهديداً رئيسياً على دول مجلس التعاون الخليجي. وقد وسع هذا النهج عدد دول المواجهة ـ بحيث زاد من أهمية الإمارات وسلطنة عمان وقطر ـ وحوّل تركيز المشتريات إلى الأسلحة المتعلقة بالدفاع الجوي والصاروخي والدوريات البحرية. وقد أصبحت مجموعة أوسع من دول مجلس التعاون الخليجي قادرة الآن على تركيز جهودها على نطاق ضيق من المهمات العسكرية.
المهمات العسكرية الرئيسية لدول مجلس التعاون الخليجي
شهدت استراتيجية إيران العسكرية وتخطيطها العملي عدة تغييرات كبيرة منذ آخر مرة تبادلت فيها دول مجلس التعاون الخليجي وإيران الضربات، ـ أثناء حرب الناقلات في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي ـ. وعلى هذا النحو، تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى الدفاع عن نفسها أو أن تردع إيران في مجالين رئيسيين:
"البنية التحتية في المياه الدولية والممرات البحرية الساحلية". في عامي 1986 و 1987، شنت إيران أو خططت للقيام بهجمات على منشآت النفط والغاز البحرية لدولة الإمارات والسعودية، فضلاً عن منشآت خفر السواحل السعودية.
وفي أواخر التسعينيات من القرن الماضي، شرعت زوارق حربية إيرانية بإطلاق نار الرشاشات بصورة دورية على منصات الغاز غير المأهولة في "المناطق الاقتصادية الخالصة" في المياه البحرية التابعة لقطر.
"المجال الجوي لدول مجلس التعاون الخليجي". خلال الحرب العراقية الإيرانية، كانت المملكة العربية السعودية والكويت تخضع لغارات جوية وهجمات صاروخية، على التوالي، وفي عامي 1991 و 2003، هوجمت الدول الشمالية الثلاث في مجلس التعاون الخليجي (المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين) من قبل صواريخ كروز وصواريخ باليستية عراقية. وقد أعلنت طهران منذ عام 2003، بأن القواعد العسكرية وموانئ دول مجلس التعاون الخليجي يمكن أن تكون عرضة لهجمات في حال وقوع مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران.
التفوق الجوي فوق الخليج
هناك بوادر مشجعة تشير إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي سوف تكون قادرة على الحفاظ على تفوق جوي محلي على أراضيها الوطنية وعلى "المناطق الاقتصادية الخالصة" في غضون نصف عقد من الزمن، على الرغم من أن العديد من الصواريخ التكتيكية الإيرانية البعيدة المدى تمثل تحدياً أكثر صعوبة. وسوف تكون دولة الإمارات قادرة على بناء مظلة جوية قوية جداً، تتكون من ثمانين طائرة من نوع "إف 16 بلوك 60" من صناعة شركة لوكهيد مارتن، و "أنظمة باتريوت الصاروخية ذات القدرات المتطورة" (باك 3) التي هي صواريخ أرض جو بقيمة 3.3 مليار دولار، ويحتمل أيضاً "نظام «ثاد» للدفاع الصاروخي عن مسرح العمليات". ولدى القوات الجوية الملكية السعودية اثنين وسبعين طائرة من طراز "يوروفايتر تايفون"، في حين لدى سلطنة عمان اثنتي عشرة طائرة جديدة من نوع "F-16C/D بلوك 50/52".
إن وفرة الطائرات الضاربة بعيدة المدى تزيد أيضاً من قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على التهديد بشن هجمات دقيقة على أهداف اقتصادية وسياسية إيرانية. وتستعد كل من المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات وسلطنة عمان لشراء أساطيل من الطائرات الضاربة بعيدة المدى لكي تضيفها إلى مخزونها الذي هو بالفعل مثير للإعجاب. إن دول مجلس التعاون الخليجي مصممة أيضاً على الاستثمار في أسلحة متطورة للهجوم البري، ونظم متقدمة للحماية الذاتية، وقدرات (جو ـ جو) دفاعية قوية.
القدرة البحرية
تقترب بعض دول الخليج العربية من مستوى رئيسي جديد في قدراتها البحرية. وإذا استمرت دولة الإمارات في مسارها الحالي، فسوف تقوم بنشر أقوى قوة بحرية من بين جميع دول الخليج بحلول منتصف العقد المقبل. وستكون "طرادات بينونة" الستة الفرنسية الصنع التي بحوزة الإمارات، فئة السفن الحربية الأكثر قدرة في الخليج، يدعمها أسطول مثير للإعجاب يتكون من أربعة وعشرين "سفينة هجومية برمائية" رئيسية وسبعين "مروحية هجوم ونقل" جديدة، والتي ستكون قادرة سوية على إنزال كتيبة معززة من المشاة المدرعة وقوات المشاة الخفيفة في الجزر والمناطق الساحلية. وبصورة مشابهة تستثمر سلطنة عمان فيما لا يقل عن ثلاث سفن في المياه الدولية، لكي تقوم بدوريات في المحيط الهندي والبحر الأحمر، والتي سوف تُدعم من قبل ستة وثلاثين "مروحية هجوم ونقل" بحرية. وفي أيار/مايو 2008، تولت البحرين قيادة "قوة المهام المشتركة 152" ـ الأسطول متعدد الجنسيات في منطقة الخليج ـ وستتسلم الإمارات قيادة هذه القوة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2009. وفي البحر الأحمر، تقود المملكة العربية السعودية اسطول بحري مكون من أحد عشر دولة عربية يضطلع بمهام مكافحة القرصنة.
على الرغم من أنه من المرجح أن تكون هناك حاجة دائمية بأن تقوم البحرية الأمريكية بالدفاع ضد الجهود الإيرانية الرئيسية لإغلاق مضيق هرمز، بدأت دول مجلس التعاون الخليجي تستعد بصورة متزايدة للدفاع عن "مناطقها الاقتصادية الخالصة". فمشروع "درع الأمن القومي القطري" هو عبارة عن شبكة من أجهزة رادار وأنظمة مراقبة ساحلية ترتبط بأسطول متنام من قوات الرد التي تشمل طائرات مقاتلة، ومروحيات، وزوارق دورية وحواجز واقية على "منصات بحرية غير مأهولة". وسيقوم "جهاز حماية المنشآت الحيوية" الجديد في الإمارات بشراء أربع وثلاثين "سفينة اعتراضية" سريعة للدفاع عن البنية التحتية البحرية والموانئ. كما ستقوم الرياض بشراء زوارق لحرس السواحل، وطائرات استطلاع، ومروحيات، وطائرات بدون طيار وشبكة اتصالات سلكية ولاسلكية، بقيمة 8 مليارات دولار كجزء من نظام أمن الحدود السعودية.
الآثار المترتبة على سياسة الولايات المتحدة
تحرز جيوش دول مجلس التعاون الخليجي، معززه بنظام "المساعدة على التخطيط الثنائي" من قبل الولايات المتحدة عبر حوار أمن الخليج، تقدماً سريعاً وربما قد تتفوق على القدرات الإيرانية في الخليج في غضون عشر سنوات. وبحلول عام 2015، على سبيل المثال، من المرجح أن تكون القوات المشتركة لجيش الإمارات قادرة على منع العمليات البحرية الإيرانية في المياه الإقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة التابعة لدولة الإمارات، وعلى استرداد الجزر التي تسيطر عليها إيران، واعتراض بعض الصواريخ والهجمات الجوية الإيرانية على الإمارات في حالة وقوع نزاع.
إذا كان لدى الإمارات العربية المتحدة أو غيرها من دول مجلس التعاون الخليجي النية أو العزم على مقاومة الضغوط الإيرانية فإن ذلك مسألة أخرى، بيد، أن بناء القدرة الدفاعية هو أداة مهمة في تعزيز الثقة بالنفس بين حلفاء واشنطن في المنطقة. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن العبرة هي أن تحافظ تركيزها على تنمية القدرة العسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي وأن تضمن استمرار حصول "مبادرات المساعدة الأمنية المستدامة والميسورة" على التمويل والاهتمام الذي تستحقه".
2009-10-17