ارشيف من :ترجمات ودراسات
لماذا فشلت "إسرائيل" في حرب غزة؟
بقلم: يحزقيل درور
"كانت رصاص مصهور العملية الأكثر تخطيطاً في حروب اسرائيل"، كما قرر الوف بن في في "هآرتس" 16/10. ولكن الويل من مثل هذا التخطيط الذي يتميز بالذكاء الفني، ولكنه يعاني من أحادية البعد.
المسؤولية عن هذا الاخفاق لا تقع على كاهل الجيش الاسرائيلي؛ ذلك أنه لا ينبغي تكليفه بالتفكير السياسي.
الفارق بين التخطيط العسكري، حتى لو كان فائقاً، وبين التفكير السياسي صيغ بشكل صائب في العنوان الرئيس للكتاب الكلاسيكي للمؤرخ الالماني غيرهارد ريتر: "فن السياسة وصنعة الحرب" الجيش الاسرائيلي مسؤول عن صنعة الحرب، عليه أن ينشغل في التخطيط العسكري ولكن فن السياسة مصيري وعليه، فان على رجال السياسة أن يتحكموا بالتخطيط العسكري، وأن يوجهوا الجيش وأن يشرفوا عليه.
دعلى التفكير السياسي أن يكون متعدد الابعاد عليه أن يوازن بين الحاجة للضرب الشديد للعدو وبين منع الضرر النابع من المس بالصورة بمستوى يفوق المنفعة النابعة من هذا المس. لم تلبّ حملة "الرصاص المصهور" هذا المطلب.
يتبين مرة أخرى أن توصيات مركزية في لجنة فينوغراد لم تطبق. درس مهم من حرب لبنان الثانية كان ضرورة وجود رؤية سياسية ــ أمنية متداخلة تكون فيها وزارة الخارجية شريكاً كاملاً في القرارات الامنية والعسكرية.
في هذا الشأن من الجدير فحص مسألتين: هل طلب من وزارة الخارجية فحص مخططات عملية "الرصاص المصهور" برؤية سياسية، بما فيها صورة الدولة.
إذا حصل هذا، فهل رأت وزارة الخارجية مسبقاً امكانية السيناريو المعقول المتمثل بتشكيل لجنة غولدستون او لجنة مشابهة، اذا كانت نسبة الاصابات بين الفلسطينيين والاصابات بين الاسرائيليين في الحملة ستبدو "غير معقولة"، اذا لم تُسأل وزارة الخارجية، فان المسؤولية تكون على رئيس الوزراء، واذا سُئلت وزارة الخارجية ولم تشدد على التخوف من المس الخطير بالصورة كنتيجة لكثرة القتلى الفلسطينيين، فالذنب يقع عليها.
في الرؤية السياسية، فان اعتبارات الصورة ليس لها بالضرورة مكانة حاسمة، هناك انجازات من أجلها من المجدي ل"اسرائيل" ان تتعرض لضربة شديدة في صورتها، اذا لم يكن هناك سبيل آخر.
لم يكن هذا على نحو ظاهر الوضع في "الرصاص المصهور"لو جاءت توصية من وزير االحرب بوقف العملية بعد ثلاثة ايام، لكان تحقق الردع من الصواريخ على الجنوب دون وقوع هذا العدد الكبير من المصابين الفلسطينيين ودون حدوث هذا الدمار.
وعلى سبيل البديل، كان هناك مجال لاحتلال معظم غزة في ظل تدمير قوة "حماس" ونقل السيطرة الى السلطة الفلسطينية
مثل هذا الانجاز الظاهر كان يستحق المس بصورة "إسرائيل".
فضلاً عن ذلك، فان نصراً بارزا يكون مجدياً من ناحية السلطة الفلسطينية والدول العربية المعتدلة كان سيخفف جداً الضرر الذي لحق بصورة "اسرائيل"، وذلك لان العالم يتصرف كعادته: يغفر للمنتصر بشكل بارز عن "خطاياه" ولكن "اسرائيل" لم تحطم بشكل بارز "قوة المقاومة" ولم تغير حكم "حماس" في غزة.
لا مفر من الاستنتاج الاليم في ان "الرصاص المصهور" كررت الاخطاء الجسيمة لحرب لبنان الثانية، والتي شددت عليها لجنة فينوغراد: "المراوحة في المكان". لم توقف "إسرائيل" العملية بعد بضعة أيام، ولم تستخدم المرحلة الاضافية لاحتلال أهم ما في غزة فكانت النتيجة انجازاً محدوداً بكلفة زائدة، أي خسارة صافية.
لا أدري من ناحية المنفعة، التي هي برأيي الاعتبار الحاسم، إذا كان تشكيل لجنة تحقيق قانونية خطوة مجدية. ولكن لا ريب أنه مطلوب عمل حازم لاخضاع صنعة الحرب، مع كل اهميتها والتقدير لقادتها، لفن السياسة. المسؤولية عن ذلك ملقاة على عاتق رئيس الوزراء ووزير الحرب، بالمساعدة المهنية من قيادة الأمن القومي.