ارشيف من :ترجمات ودراسات
"إسرائيل" تسعى الى الحد من تفاعلات تقرير غولدستون على القادة العسكريين
جهاد حيدر
كما كان متوقعا، تهرّب المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر للشؤون الامنية والسياسية، وأحجم عن تشكيل لجنة تحقيق اسرائيلية خاصة، في "احداث" العدوان على قطاع غزة، برغم الدعوات الداخلية الاسرائيلية التي طالبت بذلك، بدءا من وزارة القضاء الاسرائيلية، مرورا برأي عام بدأ يتشكل بقوة في الكيان، وصولا الى جهات عديدة في وزارة الخارجية الاسرائيلية نفسها، وعلى رأسها وزير الخارجية افيغدور ليبرمان.. وبالتالي فان وزير الحرب الاسرائيلي ايهود باراك ومعه الجيش الاسرائيلي بصورة عامة، خرج منتصرا، إذ يرفض أي امكان لتشكيل لجنة تحقيق، باعتبار ان تشكيل اللجنة يشير الى اقرار اسرائيلي بالجرائم التي اقترفتها "إسرائيل" في غزة خلال عدوانها على القطاع.
برغم ذلك، خرجت الجلسة بسلسلة من القرارات ذات الصلة بتقرير غولدستون، اذ اصدر رئيس الحكومة الاسرائيلية بينامين نتنياهو توجيهات للمسؤولين الاسرائيليين بتشكيل هيئة خاصة للتعامل مع ما اسماه الهجمات الاعلامية والدبلوماسية التي تتعرض لها "اسرائيل" حول الحرب على غزة، على ان يكون من مهامها التعامل مع الدعاوى القضائية التي ترفع ضد ضباط من الجيش الاسرائيليين وضد مسؤولين في المؤسسة الامنية لـ "إسرائيل".
في ذلك يمكن الاشارة الى التالي:
من المبكر القول ان "إسرائيل" لن تعمد الى تشكيل لجنة تحقيق خاصة بها، ويعود ذلك الى انه خيار مطروح بقوة في ساحة النقاش الاسرائيلية كوسيلة فعالة لوقف اي تداعيات اضافية لتقرير غولدستون، اذ من شأن تشكيل هذه اللجنة ان يمنع وصول التقرير الى مجلس الامن والى جهات دولية اخرى، كالمحاكم الدولية ومحكمة لاهاي، هذا على صعيد المكسب المباشر، أما على صعيد المكسب غير المباشر فان من شأن تحقيق "إسرائيل" مع نفسها، برغم سخافة الطرح عمليا، ان توفر لمريدي "إسرائيل" في الساحة الدولية مادة للدفاع عنها، لان نتيجة التحقيق لن تكون على مستوى من مستويات تسمح بادانة "إسرائيل".
أحد الخيارات الاسرائيلية المطروحة على بساط البحث في "إسرائيل"، أن تكون لجنة التحقيق، في حال تشكيلها، لجنة تحقيق غير قادرة على تسمية أشخاص ارتكبوا جرائم حرب في غزة، هذا في حال توصلت بالفعل إلى أن "إسرائيل" ارتكبت جرائم مشابهة، بل لا يمكن لها أن تصدر توصيات تتيح مقاضاة أي من المسؤولين الاسرائيليين، بل تعمل على التعميم والحديث العام من دون الدخول في التفاصيل.
إلى ذلك، من المتوقع أن تتبنى الحكومة الاسرائيلية قراراً بتشكيل اللجنة، على النحو المذكور أعلاه، باعتبار ان فوائد التشكيل أفضل بكثير من أضرار عدم التشكيل.
من ناحية ثانية، تشير "أوامر" نتنياهو إلى الخشية الاسرائيلية الحقيقية من تقرير غولدستون، إذ أنه يتوقع بالفعل تقديم عدد من الضباط والمسؤولين الإسرائيليين الى المحاكمة في دول متعددة يتيح نظامها القضائي مقاضاة مجرمي حرب، حتى وإن لم تحصل هذه الجرائم ضد مواطنيها، أو في أرضها، والخشية الاسرائيلية كبيرة جدا إلى درجة تشكيل هيئة خاصة لملاحقة المسألة وتقديم العون القضائي لهؤلاء الضباط.
بعيداً عن التداعيات المباشرة لتقرير غولدستون، تسعى "إسرائيل" الى الحد، قدر الاستطاعة، من تفاعلاته على القادة العسكريين في الجيش الاسرائيلي، وخاصة أن "إسرائيل" تتوقع نشوب مواجهة مع أعدائها في أي لحظة، كما تشير وتؤكد مصادر عسكرية اسرائيلية في أكثر من مناسبة في الفترة الاخيرة، وبالتالي تسعى "إسرائيل" الى الحد من مفاعيل التقرير بلجم مسؤوليها وتكبيل أياديهم في المواجهات المقبلة، إذ لا يمكن ادارة اي حرب أو أي مواجهة، محدودة كانت أو واسعة النطاق، وشبح الملاحقة القضائية الدولية والتقارير المقبلة المقدر أن تصدر في أعقاب حروب "إسرائيل" المستقبلية، تخيّم فوق رؤوس الضباط الاسرائيليين.