ارشيف من :ترجمات ودراسات
قراءة في المناورات الاسرائيلية الأميركية واستهدافاتها الردعية
الادارة الاميركية وصلت الى قناعة ان ليس باستطاعة احد ايقاف الطموحات النووية الايرانية
جهاد حيدر
تتعدد قراءات المناورة الاسرائيلية الاميركية المشتركة، التي تجري هذه الايام، وهي الاضخم منذ عام 2001 كما تشير وسائل الاعلام الاسرائيلية. البعض يرى ان هذه المناورة وغيرها من الاستعدادات الاسرائيلية المتتابعة منذ ثلاث سنوات، اي منذ انتهاء حرب تموز على لبنان عام 2006، تأتي في سياق التحضير والجهوزية لشن عدوان اسرائيلي جديد على لبنان، او على قطاع غزة، بينما يرى بعض اخر ان الهدف الاساسي لهذه الاستعدادات هو ايران والبرنامج النووي الايراني، اذ لا تخفي اسرائيل، بين الحين والاخر، ان لديها النية الفعلية لتوجيه ضربة جوية الى الجمهورية الاسلامية، ما يستتبع منها استكمال جهوزية امتصاص اي ضربة ورد فعل ايراني مقابل، او تداعيات على جبهات اخرى مثل قطاع غزة او لبنان او سوريا، اي الجبهات التي لايران تأثير مباشر عليها، في حال تلقت ضربة اسرائيلية عدائية.
بالطبع، يشير حجم الاستعداد الاسرائيلي غير المسبوق، إن لجهة الاستعداد العسكري والتدريبات المكثفة او لجهة المناورات التي تحاكي سيناريوهات متطرفة جدا، اضافة الى استعدادات متواصلة تصل الى حد الهستيريا في الجبهة الداخلية الاسرائيلية، تشير الى ان وجهة النظر الثانية، اي توجيه ضربة الى ايران، هي اقرب الى الصحة من مواجهة محدودة نسبيا، في غزة او لبنان، قياسا على حرب واسعة ومهولة مع ايران في اعقاب اي مغامرة لسلاح الجو الاسرائيلي حيال ايران.
برغم ذلك، وسهولة فهم وجهة النظر الثانية، الا انه من الصعب ترجيح اي من النظرتين، بل يمكن ان لا تكون اي منهما صحيحة.
يرى بعض المراقبين للشأن الاسرائيلي، وعن حق، ان حروب اسرائيل الكبيرة قد انتهت والى غير رجعة، ولا تعود رؤيتهم هذه الى ان ليس لاسرائيل نيات عدائية او انها تنازلت عنها، بل لانها غير قادرة على تحقيق النتيجة المتوخاة منها، فاحدى اهم نتائج حرب تموز عام 2006، وهو ما ثبت بشكل قاطع في عدوان اسرائيل على قطاع غزة، اخيرا، ان ليس في نية الجيش الاسرائيلي خوض مواجهات ابتدائية او ردا على اعمال عدائية حياله، ما لم يكن متيقنا ان اليوم الذي يلي عدوانه يصب في مصلحة اسرائيل، ومن المؤكد ان لاسرائيل اليد العليا في تحديد وجهته.
من هنا، يرى هؤلاء المراقبون ان احد اهم الاسباب التي تدفع اسرائيل الى كف يدها عن لبنان، برغم وجود منسوب مرتفع جدا من الدافعية والحوافز، بل وايضا ما تعتقد انه جهوزية عسكرية نسبية لديها، هو اليوم الذي يلي عدوانها على لبنان، بمعنى عدم امكان توفير البضاعة المطلوبة.. والبضاعة المطلوبة في الحالة اللبنانية هي انهاء وجود حزب الله، او تقليص قدراته الى حد سيصعب عليه اعادة ترميمها بعد ان تعلو اليد الحليفة او التي تتقاطع في المصالح مع الدولة العبرية، في الساحة الداخلية اللبنانية. وهذا المطلب غير ممكن التحقق، في اي من السيناريوهات والخيارات العسكرية الاسرائيلية المتاحة.
في نفس المنحى، وبناءً على نفس الاسباب، يجب النظر الى امكانيات توجيه ضربة عسكرية اسرائيلية، يشاع انها ستكون جوية، الى المنشآت النووية الايرانية. وفي الحالة الايرانية تكون حسابات اسرائيل اكثر دقة واكثر حذرا وابتعادا عن المغامرة عما هي حيال لبنان وحزب الله، برغم الحذر في الحالة الثانية ايضا. فللضربة الجوية الاسرائيلية، إن كان بمقدور اسرائيل بالفعل توجيه مثل هذه الضربة من ناحية عملية، اهداف يجب ان تحدد مسبقا، فهل تريد اسرائيل انهاء المشروع النووي الايراني، او انها تريد تأخيره، ولكل من الهدفين حساباتهما الخاصة، لكن لكل منهما في نفس الوقت ثمنا قد يكون واحدا، وعلى اسرائيل ان تدفعه، وسيكون ثمنا باهظا، وهو ما يؤكده الايرانيون، ويؤكده ايضا الاسرائيليون انفسهم.
أن تستطيع اسرائيل ان تنهي المشروع النووي الايراني، هي قدرة لا تدعيها اسرائيل، وتعلم يقينا انها قاصرة عن تحقيق هذا الهدف، فكل الدراسات الاسرائيلية تشير الى ذلك، اذ ان التقنية النووية والخبرة والمعرفة الموجودة في ايران اكبر بكثير من امكانيات الضربة العسكرية، سواء أكانت اسرائيلية او حتى اميركية، وبالتالي ليس في نية اسرائيل لقصورها، الاقدام على مغامرة مشابهة تحقيقا لهذا الهدف.
يبقى نظريا هدف تأخير حيازة ايران التقنية النووية، وتأخيرها عن حيازة اول قنابلها النووية، التي تشكل خطرا وجوديا وحقيقيا على الدولة العبرية. وفي ذلك، ايضا مغامرة، على اسرائيل ان تكون حذرة لتداعياتها.. ولا يخفي عدد من الباحثين الاسرائيليين ان هذه الهدف النظري، اي تأخير القدرة النووية الايرانية من خلال هذه الضربة، التي يحلو لبعض الاسرائيليين تحديدها بعدة سنوات تكون كافية لمعالجة مختلفة للملف النووي الايراني، لا يخفي هؤلاء الباحثون ان الفرصة التي كانت مؤاتية في وقت ما في السابق، جرى تضييعها اسرائيليا واميركيا، ولم يعد بالامكان المراهنة عليها، فاضافة الى الثمن المتوقع ان تدفعه اسرائيل بنتيجة الرد العسكري والامني الايراني على توجيهها اي ضربة للمنشآت النووية الايرانية بهدف التأخير، فان التقدير ان تعمد ايران الى انهاء ارتباطها بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، وان تطرد مندوبيها من الاراضي الايرانية، وان تعكف بسرعة على تحقيق ما تخشاه اسرائيل دون رقابة، اي حيازة القدرة العسكرية النووية، وتشير دراسات اسرائيل الى ان الامكانيات الموجودة في ايران تستطيع بالفعل ان تنجز وتصل الى هذه القدرة بوتيرة ومدة زمنية اقصر بكثير مما يجري تداوله لدى الحديث عن "نقطة اللاعودة"، حتى بعد توجيه الضربة المشار اليها، وبالاخص ان القدرة الاميركية في المنطقة في تراجع وغير قادرة بالفعل، على ارهاب ايران.
انطلاقا مما ورد هنا، وبناءً عليه، يجب النظر الى مناورات اسرائيل المشتركة مع الاميركيين، الى انها نوع من التفاتة ترضية اميركية للاسرائيليين، بعد ان وصلت الادارة الاميركية الى قناعة ان ليس باستطاعة احد ايقاف الطموحات النووية الايرانية، وابتعدت عن الخيار العسكري، فالدفاع عن اسرائيل وتأمين ما يمكنها من ردع اعدائها، هو احد الاساليب والخيارات التي تحدث عنها الاميركيون في جولات الحوار الاستراتيجي بين البلدين، حتى في عهد الادارة الاميركية السابقة، اي ادارة الرئيس جورج بوش، بمعنى الاستعاضة عن الضربة لايران بمزيد من الردع، وافهام طهران ان اي مغامرة لضرب اسرائيل ستجر واشنطن الى المواجهة مع ايران، اضافة الى توفير مظلة دفاعية قادرة بالفعل على حماية اسرائيل.
لا يخفي معلقو الشؤون العسكرية في اسرائيل ان هذه الاهداف حاضرة لدى منظمي المناورات، اذ يقول مراسل القناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي، او هيلر، المعروف انه مقرب جدا من دوائر القرار العسكري في اسرائيل، ان الهدف هو ردع اعداء اسرائيل ومنعهم من الاضرار بها، فاشراك الاميركيين والتقنيات الاميركية في الدفاع عن الدولة العبرية هو رسالة واضحة لاعدائها، بانهم لا يستطعيون ان ينالوا منها.