ارشيف من :أخبار عالمية

موسم انسداد استراتيجيات الغرب في الحرب الأفغانية

موسم انسداد استراتيجيات الغرب في الحرب الأفغانية
أميركا في أفغانستان : لا مفر من الهزيمة ! 

عقيل الشيخ حسين
ستة عشر أميركياً، أكثرهم من الجنود، قتلوا في أفغانستان في يوم واحد هو يوم الإثنين الماضي. وزيادة في النكاية، وقع ذلك في حوادث تحطم ثلات مروحيات عسكرية قيل أن اثنتين منهما اصطدمتا الواحدة بالأخرى، فيما بقي الكلام عن تحطم الثالثة أكثر غموضاً. وزيادة في النكاية أيضاً، وقع ذلك بالتزامن مع ورشتين غربيتين كبريين حول الشأن الأفغاني. الأولى هي  اجتماع وزراء دفاع بلدان الأطلسي في براتيسلافا (سلوفاكيا) المخصص للبحث عن صيغة جديدة لاستراتيجية مكافحة ما يسمونه بـ "التمرد" في أفغانستان. والثانية هي المشاورات المكثفة التي يجريها الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مع مستشاريه وكبار القادة العسكريين بشأن الخيارات الممكنة تجاه أفغانستان. 
والاجتماعان يأتيان في ظل أزمة الانتخابات التشريعية والرئاسية الأفغانية التي تأخر ظهور نتائجها لأكثر من أربعين يوماً انتهت باتفاق صعب على إعادة إجرائها، تحت اسم دورة ثانية، لكثرة ما شابها من خروقات وأعمال تزوير. وهي أيضاً الانتخابات التي قد يصعب إجراؤها (الموعد المحدد هو يوم السابع من تشرين الثاني / نوفمبر) بسبب حلول موسم الأمطار، على ما يقولون، وهو سبب يعزز الأسباب الأمنية المتمثلة بتصميم طالبان على منع إجرائها أو عرقلتها لأنها انتخابات غير شرعية تجري في ظل الاحتلال. 
والملاحظ أن التطورات الأخيرة تعكس، كل على طريقتها، ما يجمع المراقبون على اعتباره ارتباكاً واضحاً في مواقف الأطراف المتحالفة في الحرب الأفغانية. 
فوزراء دفاع الأطلسي لم يخرجوا من اجتماعهم بنتيجة واضحة لأن القرار الأميركي كان ما يزال رهين المشاورات المكثفة بين أوباما وكل من مستشاريه وقادته العسكريين. لا بل يمكن القول بأن الاجتماع قد خرج بنتيجة مرتبكة : الإنسحاب من الحرب أو الاستمرار حتى تحقيق الهدف. والخياران نفسهما هما المطروحان على مائدة مشاورات أوباما. 
الانسحاب المطروح هو ما تقتضيه الهزيمة المتمثلة عن العجز في تحقيق الهدف المنصوب الذي تقاتل من أجل تحقيقه جيوش من أكثر من ثلاثين بلداً بينها جيوش كبريات الدول الغربية، وعلى راسها الولايات المتحدة. وذلك منذ أكثر من ثماني سنوات، في بلد هو مثال صارخ للفقر وتدني الإمكانيات على جميع الصعد المتعارفة. لكنه في الوقت نفسه يحمل اسماً معبراً : مقبرة الأمبراطوريات. لكنهم يريدونه، بدل التعبير عن الهزيمة، انسحاباً مشرفاً يشتمل على تحقيق الهدف. بمعنى أن يتم عبر تسليم دفة الحرب بالتدريج للجيش الأفغاني، وبالشكل الذي يسمح لقوى الغزو بان تقول بأنها نجحت في تحويل أفغانستان إلى بلد ديموقراطي. 
لكن دون ذلك خرط القتاد. فمنذ مدة غير قصيرة يقارن الاستراتيجيون الأميركيون بين التكلفة المالية العالية لحرب يخوضها الجيش الأميركي، وبين حرب بتكلفة زهيدة يقوم بها جيش أفغاني من شأنه أن يستيسل في القتال وأن يستميل إلى نفسه مقاتلي طالبان لقاء مرتب لا يزيد عن مئة دولار شهرياً للمقاتل. وهم ينشطون على قدم وساق، منذ بداية الحرب، في مجال إعداد وتدريب ذلك الجيش الذي لم يملأ الفراغ ولا يبدو أنه سيكون قادراً على ملئه لأسباب منها طبيعة الحكم الذي اصطنعه الغزاة في أفغانستان والذي لا يبرع في شيء، على ما يبدو، سوى الفساد ونهب المال العام. 
والأميركيون وحلفاؤهم هم أدرى الناس باستحالة تفويض الأمر إلى جيش أفغاني عتيد. بدليل أن استراتيجياتهم الجديدة لا قوام لها غير التركيز على إرسال المزيد من الجنود. ثلاثون ألف جندي أرسلوا إلى أفغانستان بمقتضى استراتيجية أوباما التي اعتمدت في آذار مارس الماضي بناء على وعود قاطعة بتحقيق الهدف (كان الرئيس بوش لا يتردد في تسمية الهدف بالنصر). وها هم القادة الميدانيون يطالبون اليوم بإرسال 40 ألف جندي إضافي كشرط لضمان القدرة على مواصلة الحرب. واستباقياً، هنالك استراتيجيون غربيون يقولون بأن تحقيق الهدف ممكن لكنه يتطلب إرسال ما لا يقل عن 500 ألف جندي. 
أمر مربك ومحبط حقاً بالنسبة لرجل مثل أوباما الذي وصل إلى البيت الأبيض على أجنحة الوعود بالتغيير الذي يحمل السلام إلى العالم. إحباط وارتباك استغلتهما وزيرة الخارجية السابقة، كوندوليسا رايس، عندما صرحت مؤخراً بأن أوباما لا يمكنه إحراز تقدم في أفغانستان إلا بالعودة إلى تهج بوش. وبالفعل، فإن نهج بوش هو الأقرب إلى خيارات أوباما بدليل أن الجمهوريين، لا الديموقراطيين، هم من سيدعمونه فيما لو قرر إرسال المزيد من الجيوش. 
لكن إرسال المزيد من الجيوش هو الأمر الذي وضع الحلف الأطلسي على شفا التفكك. وإذا كان الأطلسيون شبه مجمعين اليوم على العمل المشترك من أجل تحقيق الهدف، فلأنهم يتوسمون، فيما يبدو، عجزاً أميركياً عن إرسال المزيد من الجيوش من شأنه أن يسمح لهم أن يعودوا مجدداً إلى الإعراب، بالفم الملآن، عن رغبتهم في سحب ما لهم من جيوش في أفغانستان. بفعل الهزائم المتلاحقة، وبفعل مواقف الشارع الغربي الذي بات بغالبيته غير مؤيد لهذه الحرب الطويلة المنهكة والتي لا تسفر عن النتيجة المتوخاة. 
لكن أوباما يصر على أن الحرب في أفغانستان ليست أميركية فقط، بل إنها حرب جميع بلدان الأطلسي... ما يعني أن على الجميع أن يرسلوا المزيد من الجيوش، وذلك هو بالضبط ما تجمع بلدان الأطلسي على التملص منه. 
نحن إذن في موسم انسداد استراتيجيات الغرب في الحرب الأفغانية، وفي موسم تصاعد الضربات اليومية التي يتعرض لها جنود الاحتلال، وفي موسم تمزق الحكم الأفغاني المصطنع والعاجز عن إجراء انتخابات ولو شكلية. ويريدون مع ذلك تحقيق الهدف في مسار يبدو متجهاً يشكل حثيث نحو هزيمة على النمط الفييتنامي، أو على الطريقة التي يعبر عنها المثل العربي القائل : "أنج سعد، فقد هلك سعيد !".  
2009-10-27