ارشيف من :أخبار عالمية

أسهم شركات الأدوية ترتفع في البورصات برغم الأزمة المالية

أسهم شركات الأدوية ترتفع في البورصات برغم الأزمة المالية
انفلونزا الخنازير... الحرية على المحك!


عقيل الشيخ حسين

قديماً هدد أحد الحكام شعبه بأنه سيجعل لكل إنسان "شغلاً في جسده"... ليمنعه بذلك من الشغل ... بالقضايا الكبرى أي بالسياسة، في نهاية المطاف. والإنسان، له في نهاية المطاف جسد، وهو نفسه يهتم على الشغل به، سواء أجبر على ذلك أم ترك له الخيار. فقصة المظهر والزي وما إلى ذلك من أمور على صلة بالشكل الخارجي للجسم، قديمة قدم الإنسان. لكنها، مع تشعبات تطور الموضة، وتطور الأساليب في تغيير شكل الجسم عن طريق التدخل الطبي، تأخذ في أيامنا هذه حيزاً من الاهتمام يتجاوز الحدود ويدعو إلى النظر والدراسة.

والخطير، أن الإنسان الذي كان قد امتلك القدرة شبه المطلقة على حماية جسده من خطر الحيوانات المفترسة، قد أسقط في يده فعلاً واصابه الهلع مع اكتشاف الجراثيم، تلك الحيوانات غير المرئية والهائلة العدد التي تجتاح الجسم وتفتك به. وإذا كان قد تنفس الصعداء بعض الشيء مع اكتشاف اللقاحات والطعوم، فإن رياحاً من الشكوك باتت تعصف اليوم بالكثير من الممارسات الطبية وفي جملتها الأدوية والطعوم لاعتبارات من نوع دورها المفترض في التسبب بنقص المناعة أو بظهور أعراض جانبية خطيرة أو حتى بظهور أمراض جديدة غير متوقعة. ربما لأن شيئاً يجري وظيفته دفع الإنسان، بالتوازي مع التقدم في مسيرته العلمية والحضارية، نحو الانتقال كلما تخلص من قلق إلى الوقوع في براثن قلق أكبر.

والملاحظ في السنوات الأخيرة، وبغض النظر عن الإرهاب المتعارف والموظف في معترك السياسة الدولية، أن البشرية باتت تعاني من إرهاب أشد وطأة من هذا الإرهاب المتعارف. هنالك إنجازات كبرى في مجال القضاء على الأمراض. لكن الحديث اليومي المعمم عن أمراض تقليدية كالسرطانات والجلطات يسهم، برغم نجاحات الطب، في تعميم إرهاب يشمل الجميع، بالمقارنة مع الإرهاب المتعارف الذي يظل أقل قدرة بكثير على التسبب بالموت من حوادث السيارات مثلاً.

واللافت، وبالتوازي مع الكلام عن أسلحة الدمار الشامل، أن السنوات الأخيرة قد شهدت ظهور سلسلة متعاقبة من الأمراض التي وصفت بأنها ذات قدرة، من خلال العدوى، على القتل الشامل. إيدز، جنون البقر، جمرة خبيثة، انفلونزا الطيور، وأخيراً انفلونزا الخنازير، وليس آخراً فيما يبدو.

واللافت أيضاً أن الضجيج الذي كان يكتسح العالم خلال موسم الحديث عن كل واحد من هذه الأمراض، كان لا يلبث أن ينطفئ، وكأن شيئاً لم يكن، لفترة انتقالية يعقبها الإعلان عن ظهور وباء جديد. وفي جميع الحالات، كان يحتدم الجدل، حول العلاج والوقاية وناجعية هذا أو ذاك من الأدوية. وفي جميع الحالات، كانت المصالح السياسية أو الاقتصادية تطل برأسها ليتبين أن لها ضلعاً في الموضوع. جنون البقر تسبب بأزمات فعلية بين أوروبا وأميركا محورها تصدير اللحوم واستيرادها. الإيدز أثار، وما يزال، حروباً عالمية بين معسكرات من الشركات والدول حول الملكية الفكرية لحقوق إنتاج الأدوية المضادة، لأن العلاجات تدر الكثير والكثير من المليارات.

واليوم، جاءت انفلونزا الخنازير لتفتح الباب واسعاً أمام شتى أنواع الاستخدامات. استخدام له علاقة خفية بحرب الغذاء وقابلية خاصة للشحن الجماعوي المتلفع بالدين لدرجة أن دولاً وجدت سبلاً لتحقيق ذواتها المتلاشية عبر إبادة الخنازير. ودولاً أخرى، تعد بمئات الملايين وحتى بالمليارات، بات عليها أن تغير نظم حياتها وغذائها. واستخدام له علاقة بحرب الدواء. جميع الدول دخلت في حروب استباقية للفوز بحصص من الطعوم، مع ما يعنيه ذلك من تعويم صناديق بعض الشركات والدول العابرة للقارات. واستخدام له علاقة بتأمين المشروعية في الحكم. دول كثيرة تتباهى بتأمين طعوم بأثمان لا يستهان بها لشعوب كانت وما تزال تنخرط في ثورات الخبز أو المحروقات. واستخدامات أخرى ينبغي لبعض العلوم الإنسانية أن تعمل على كشف أغوارها وأبعادها. منها، خصوصاً ذلك الاستخدام الذي يجعل من الإنسان، بكل ما له من حقوق، نهبة للحيرة وللخوف المستديم. يستعمل الطعم أم لا يستعمل الطعم؟ المجاميع العلمية والأوساط الطبية والجماهير الشعبية مختلفة في الإجابة عن هذا السؤال. أكثر من نصف سكان أميركا الشمالية وأوروبا لا يريدون استخدام الطعم. فالكلام كثير عن أخطاره الجانبية، وهنالك من يقول بأننا في وضع يسمح بالقول بأن الداء يظل أكثر رحمة من الدواء. وهنالك بالطبع من يقول بناجعية الدواء. فإلى أي المعسكرين ينضم "المواطن" المسكين في هذه الإشكالية التي تتجاوز التعبير عن الرأي في استطلاع من الاستطلاعات ليشعر الإنسان فيها بأن حياته وحياة أولاده في الميزان؟ لا أحد يمكنه أن يقدم الإجابة، والإنسان الفرد مدعو رغماً عنه، وأكثر من أي وقت مضى، إلى أن يمارس الحرية: حرية الاختيار! ولكن من دون أن يمتلك أية قدرة على استعمال العقل، ما دام أن المجاميع العلمية والطبية نفسها لم يعد لها عقل مرجعي واحد! نحن فعلاً، وفي زمن ازدهاء العلم بانتصاراته، أمام وضع "ميتافيزيقي" مغلق من النوع الذي تحل الأديان أزمته من خلال وسائل كالاستخارة والتوكل والتسليم. فما الذي ينصحنا به العلم والطب في مأزق انفلونزا الخنازير... غير التناقض؟

على أي حال، من المؤكد أن هذه الانفلونزا مربحة مالياً. وأسهم شركات الأدوية ترتفع في البورصات برغم الأزمة المالية. لذا، فإن سوء الظن قد يكون في هذا الظرف من حسن الفطن. أليس أن حسن الظن قد يكون في بعض الظروف إثماً؟ وكيف يحسن الظن في وقت بات من المعروف فيه أن فيروس الخنازير قد تم تركيبه في المختبرات ومن قبل المافيات؟ وكيف يحسن الظن ونحن نسمع مسؤولين أميركيين، من ماكنمارا إلى كيسنجر ورامسفيلد... يقولون جهاراً نهاراً بأن إبادة مليارين أو أكثر من البشر شرط لبقاء الولايات المتحدة على قيد الحياة؟ نحن في وقت مطلوب فيه من كل فرد أن يمارس الحرية في الاختيار. أليس أن طريق الحرية محفوف بالأشواك؟
الانتقاد/ العدد 1370 ـ 30 تشرين الاول/ اكتوبر 2009

2009-10-29