ارشيف من :أخبار عالمية

تركيا وإيران: ولادة العالم الجديد!

تركيا وإيران: ولادة العالم الجديد!
تركيا وإيران: ولادة العالم الجديد!

"الخطر الواقعي على أمن واستقرار المنطقة هو إسرائيل وليس إيران" ـ رجب طيب أردوغان
باستطاعة طهران وأنقرة ان تملآ «الفراغ السياسي» العالمي الناتج عن خطايا الغرب ـ محمود أحمدي نجاد


عقيل الشيخ حسين
عندما اختار الرئيس الأميركي، باراك أوباما، تركيا ليخصها بأول زيارة يقوم بها إلى خارج بلاده، فلعلمه بأن تركيا قد دخلت في مجال صناعة التاريخ الإقليمي والدولي من بابه الواسع. يومها لم تكن تركيا قد دخلت بعد في مواجهة مكشوفة مع "إسرائيل"، ولكنها كانت قد فعلت، فيما يخص الحرب على العراق، ما يكفي لإثارة هموم أميركا وشجونها.

فتركيا، منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية التي شكلت طيلة قرون قوة عظمى رئيسية كادت في يوم ما تحكم قبضتها على كامل أوروبا، في الوقت الذي كانت فيه هذه الأخيرة بصدد إحكام قبضتها الاستعمارية على كامل العالم، تحولت إلى مجرد لاعب لاهث وراء العربة الأخيرة في قطار الغرب، دون أن تتمكن يوماً من الصعود إلى تلك القاطرة.

وتركيا التي قام الجنرالات بجرجرتها في أحلاف الغرب، من السنتو إلى الناتو، اكتفت طيلة عقود بلعب دور الهراوة الأميركية المصلتة على البلدان العربية وغير العربية السائرة في طريق التحرر الوطني. وفي هذه الأثناء، لم تحظ تركيا بأي شكل من أشكال الدعم الغربي للخروج من فقرها ودمار اقتصادها وتهالك بناها الاجتماعية والثقافية. ولا عجب، ففي الوقت الذي كانت تركيا تسدي فيه خدماتها للغرب، لم يكن الساسة وقادة الرأي في الغرب يوفرون فرصة دون التهويش عليها والعمل على المزيد والمزيد من زعزعتها.
والأكيد أن ذلك عائد كله إلى ما يتوجسونه في تركيا من مخزون تاريخي وحضاري يعلمون جيداً بأنه قادر، كالبركان، على زحزحة طبقات الصخر والانطلاق إلى الفضاء الواسع.
وبالفعل، تمكنت تركيا، في ظل حزب العدالة والتنمية من تحقيق معجزة اقتصادية حقيقية. وبالتوازي مع ذلك، تتصدى اليوم لاستكمال هذه المعجزة على المستوى السياسي والعلاقات الدولية.

علاقات جيدة مع روسيا بعد أن كانت تركيا خنجراً حقيقياً بيد الغرب في خاصرة الاتحاد السوفياتي الرخوة. واختراقة تاريخية لافتة في المصالحة مع إرمينيا. ويد ممدودة إلى الجار/ العدو التقليدي في اليونان، وإلى بلدان البلقان، من دون التخلي عن الانفتاح على سائر اوروبا إن بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو بدونه.
والأهم من ذلك، هو الاهتمام الخاص الذي توليه تركيا للعلاقات ببلدان العالم الإسلامي، فمن القفقاس وآسيا الوسطى وباكستان، إلى العالم العربي، لم يمر يوم، في الآونة الأخيرة، من دون أن تسجل تركيا مزيداً من النجاحات على مستوى توطيد العلاقات مع هذه البلدان.
لكن ما يستدعى الوقفة الطويلة هو القفزة التي تحققت مؤخراً على مستوى العلاقات بين تركيا وسوريا. تكفي الإشارة إلى مئات العقود التي وقعت بين البلدين في مجالات التعاون التجاري والثقافي والأمني. والأكيد أن وقف العمل بتأشيرات الدخول وإزالة نقاط الحدود بين البلدين أمر في غاية الأهمية، خصوصاً عندما نقارن ذلك بضخامة الحواجز التي تقيمها البلدان العربية بين بعضها البعض. مع التنويه بمنع الإسرائيليين من المشاركة في مناورات الأطلسي الأخيرة في تركيا، والاتفاق مع السوريين لإجراء مناورات عسكرية مشتركة في الشتاء القادم.

أما ما يستدعي الوقفة الأطول، فهو القفزة التي تحققت اليوم على مستوى العلاقات بين تركيا وإيران. ففي الوقت الذي جعل فيه الغرب من مقاطعة إيران وعزلها ومعاداتها نهجاً إجبارياً لكل بلد طامح إلى الحظوة، نرى رئيس الوزراء التركي، وقبله وزير خارجيته، يزور طهران ويلتقي بكبار المسؤولين الإيرانيين، وخصوصاً، يلتقي معهم حول الكثير والكثير من المسائل في مختلف المجالات.

تأييد تركي لحق إيران في امتلاك الطاقة النووية السلمية، مع التركيز على المواقف الغربية المجحفة بحق إيران. فمن يتغنون بنزع السلاح النووي العالمي، عليهم أن يباشروا أولاً بنزع أسلحتهم النووية. هكذا تكلم طيب رجب اردوغان من طهران. وهنالك بالطبع، الرفض التركي الحاسم لأي عمل عسكري ضد إيران. وتوقيع اتفاقيات عديدة معها في مجالات الطاقة والتبادل التجاري... برغم العقوبات المفروضة.

والأهم من كل ذلك، بالنظر إلى مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للعالم الإسلامي، بعد أن تحولت في ظروف التخاذل والانبطاح الاعتداليين، إلى صراع فلسطيني/ إسرائيلي، ثم إلى صراع حماسوي/ إسرائيلي، هو تطابق وجهات النظر الإيرانية والتركية بخصوص "إسرائيل" والعدوان الإسرائيلي. يكفي تأكيد أردوغان على أن الخطر الحقيقي على المنطقة تمثله "إسرائيل" لا إيران.

إن التطورات السريعة التي تشهدها تركيا العائدة إلى السرب الذي طالما حلقت بعيداً عنه ينبئ ليس فقط بولادة شرق جديد، بل أيضاً بولادة عالم جديد. ذلك ما أشار إليه الرئيس أحمدي نجاد عندما لفت إلى أن بإمكان تركيا وإيران ملء الفراغ "العالمي" الناجم عن إخفاقات الغرب. ولادة لن تقف في وجهها أية قوة خصوصاً مع عودة كافة الطيور العربية إلى التحليق داخل سربها الحقيقي.
الانتقاد/ العدد 1370 ـ 30 تشرين الاول/ اكتوبر 2009

2009-10-29