ارشيف من :أخبار لبنانية
تجسس علني!
زهير ماجد
نعرف أن الجاسوسية تمخر بلدان العالم وخاصة تلك المؤثرة، اما ما تفعله فيظل طي الكتمان، الجاسوسية عمل في منتهى السرية، ومن يتعاطى هذا الشأن غير معروف إلا لاصحاب العلاقة. تقدم لنا كتب الجاسوسية مفاجآت وأسماء لم تكن متوقعة، هي بحر من المعلومات لمن يستلذ قراءة هذا النوع الذي تعززه الدول الكبرى وبعض من تملك قدرة على صرف الأموال بهذا الاتجاه لانه يحتاج لميزانيات مالية عالية.
ولأنها من الاعمال الخوارق في بعض الاحيان، وتتمتع بكفاءة عالية وبقدرة تتجاوز حدود المنطق، فإن العاملين تحت لوائها يقدمون الخدمات المدفوعة تحت رغبة الاستزادة منها. لكننا حتى الآن لم نسمع بلدا في هذا العالم يعترف جهارا نهارا بالتجسس على بلد ويسميه باسمه دون نازع او وازع، تماما كما يعلن الاسرائيلي على لسان نائب رئيس الوزراء موشي يعلون بان اسرائيل ستظل تتجسس على لبنان، ولسوف تطلق جاسوسيتها بقوة فيه طالما ان السلاح لا يزال بيد حزب الله.
إعلان سافر بهذه الطريقة يستنفر لبنان بالمقابل بكل قواه الاستخبارية، سواء تلك الخاضعة للدولة مباشرة او تلك التي تتولاها أجهزة غير رسمية، ومن ثم بعضها غير لبناني. ويصبح الكل هنا يتجسس على الكل، والجميع يطارد الجميع وراء المعلومة ووراء الاشخاص المتعاملين ويبحث عن اسمائهم وعن أدوارهم ويتابعهم حتى اللحظة التي يصبحون فيها بيد العدالة. ولئن كشف المسؤول الاسرائيلي الاهتمام الاسرائيلي المطلق بالواقع اللبناني، فلأن عشرات من خلاياه الاستخبارية الموظفة في لبنان للتجسس على حزب الله قد تم ضبطها، وبدل ان تلملم اسرائيل ابعاد اختراقها للبنان، عمدت الى الاعتراف العلني بما تفعله وبما ستفعله وبعدم امتناعها عن ممارسة هذا الدور واضعة لبنان الرقم الأول في متابعاتها، وربما رصدت له المبالغ الاضافية ورفعت ميزانياتها من أجل الحصول على مبتغاها الاستخباراتي وأعادت برمجة تقنياتها الجديدة بعدما تم كشفها تماما.
قبل الاعلان الاسرائيلي العلني تعمل الاجهزة اللبنانية وغيرها من أصحاب العلاقة المباشرة وخاصة حزب الله على تسخير قواها من أجل ضبط المتورطين بالتجسس لصالح اسرائيل، ومن المؤكد انه بعد اعلان يعلون ستزداد الحاجة للسهر الاضافي والتنبه المطلق والازادة في قوة المتابعة والملاحقة، فنكون بالتالي أمام حرب جواسيس فوق مساحة صغيرة قد تبدأ بجنوب لبنان ولا تنتهي في الضاحية الجنوبية من بيروت حيث معقل حزب الله. تلك الحرب التي بدأت منذ زمن بعيد انما هي التأسيس الفعلي للحرب العسكرية التي تضمرها اسرائيل ويسعى حزب الله الى منعها من الوصول الى المعلومات الشافية التي تسعى وراءها. ان جميع الحروب المعروفة في تاريخنا المعاصر تبدأ على هذا المنوال، وقبل ان تتحرك طائرة حربية او تتحرك آلية او عسكري لملاقاة عدوه، تكون المعلومات قد استوفيت لدى الطرف المهاجم.
وبالتقدير الممكن فان اسرائيل التي تعيش هاجس الحرب ضد لبنان ما زالت على ما يبدو غير واثقة من امتلاكها المعلومات الكافية والوافية التي تتيح لها شن الحرب والعدوان. فما قادها الى المعارك الخاسرة في الحرب الماضية لن تكرره، ولهذا السبب يرمي الاسرائيلي ملايين الدولارات وأكثر لتجييش من يستطيع تقديم الخدمات المعلوماتية لها، ومجرد اعلانها على الملأ بما تقوم به قد يكون دعوة لمن يرى من اللبنانيين امكانية توظيف نفسه في خدمة هذا الهدف.
صحيفة الوطن العمانية