ارشيف من :أخبار لبنانية
لتذكر ولا تنسى .. وعد بلفور 2 ـ 11 ـ 1917
صحيفة الدستور الأردنية
فؤاد دبور
تمر هذه الأيام ذكرى وعد بلفور المشؤوم الذي بموجبه تم وضع الأساس لقيام الكيان الصهيوني بدعم وإسناد من الدولة البريطانية المستعمرة لفلسطين وعدد من الأقطار العربية ، وقد جاء هذا الوعد المشؤوم اثر قيام الحركة الصهيونية ممثلة بـ"حاييم وايزمن" باتصالات مكثفة مع الحكومة البريطانية مستغلة الحرب العالمية الأولى ، واستجابت بريطانيا للصهاينة وأصدرت وعدا لاحق لها فيه ، فهي لا تملك فلسطين العربية ، لكنها ، قامت بذلك خدمة لمصالحها حيث رأت ان قيام كيان صهيوني في فلسطين سوف يحمي مصالحها في قناة السويس مثلما سيكون هذا الكيان عاملا حاسما في الإبقاء على تجزئة الوطن العربي وفق اتفاق وزير خارجية بريطانيا سايكس ، ووزير خارجية فرنسا بيكو الذي تم توقيعه عام 1916 ، والمسمى "سايكس بيكو" وقبل ذلك مؤتمر كامبل باترمان الذي انعقد ما بين 1905 - 1907 في أوروبا وكان باترمان آنذاك رئيسا لوزراء بريطانيا وقد صدر الوعد عبر رسالة وجهها وزير خارجية بريطانيا في ذلك الوقت ارثر بلفور إلى اللورد اليهودي روتشيلد وكان نصه "تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ، وسنبذل قصارى جهدنا لتسهيل تحقيق هذه الغاية ، على أن يفهم وبشكل واضح ، أن هذا لن يؤدي إلى عمل من شأنه الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف الأخرى غير اليهودية المقيمة في فلسطين وسأكون ممتنا إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني بهذا التصريح وهو بذلك اعتبر المسلمين والمسيحيين كأنهما اقليتان في فلسطين.
طبعا ، لم يلتزم الصهاينة بالنص الوارد في الوعد حيث انتهكوا الحقوق المدنية للشعب العربي الفلسطيني عبر الإقدام على طرد أبناء هذا الشعب أصحاب الأرض الشرعيين مثلما لم تحترم الحكومات البريطانية المتعاقبة نصوص الوعد وكذلك الحقوق الدينية للمسلمين ، فها هو المسجد الأقصى المبارك والمقدسات الأخرى في مدينة القدس وغيرها تدنس وتنتهك قدسيتها من الصهاينة وكذلك الحال مع المقدسات المسيحية التي تعرضت للنهب والسرقة والمضايقات للقائمين عليها ومصادرة الأراضي التابعة للعديد من الكنائس وخاصة في مدينة القدس التي تعمل سلطات الاحتلال الصهيوني على تهويدها بالكامل.
دخل الجيش البريطاني إلى مدينة القدس العربية بقيادة الجنرال "اللنبي" في 11 ـ 12 ـ م1917 وبدأت بانجاز إجراءات عملية لتسهيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين وارتفعت وتيرة هذه التسهيلات والإجراءات اثر صدور قرار عن عصبة الأمم ، التي أصبحت هيئة الأمم المتحدة فيما بعد ، أعطى بريطانيا حق الانتداب على فلسطين العربية وكان ذلك عام م1919 وأخذت حكومة الانتداب ، التي اعتمدت اليهودي البريطاني هربرت صموئيل كأول مندوب سام لفلسطين وذلك حتى يقوم فعلا بتسهيل مهمة تنفيذ وعد بلفور بشكل عملي مما أثار حفيظة الشعب الفلسطيني الذي اخذ يقاوم المؤامرة الصهيونية البريطانية على وطنه وأرضه وممتلكاته بكل ما يملك من مقومات المقاومة المحدودة خاصة في ظل سلطة بريطانية منحازة لليهود والصهاينة وقد تمثل ذلك بشكل واضح بعد أن أصبح ونستون تشرتشل وزيرا للمستعمرات البريطانية والذي عقد مؤتمرا في القاهرة عام 1920 للقائمين على المستعمرات البريطانية في المنطقة حيث صدرت عن هذا الاجتماع توصيات من أبرزها الاستمرار في تنفيذ وعد بلفور بذريعة أن بريطانيا ملزمة بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين العربية ، طبعا لسنا بحاجة لإثبات الظلم والعدوان وجبروت القوة للاستعمار البريطاني في مثل هذه القرارات والتوصيات.
وقد اشعل هذا الموقف البريطاني الغضب في نفوس الفلسطينيين الذين رفعوا وتيرة المقاومة والدفاع عن وطنهم عبر التظاهر الواسع وتداعت القيادات الفلسطينية الشعبية لعقد مؤتمر في مدينة حيفا الفلسطينية تمخضت عنه مجموعة من المطالب تم تقديمها إلى تشرتشل ومن أهمها وأبرزها ، المطالبة بتراجع بريطانيا عن وعدها بإقامة وطن لليهود في فلسطين العربية ووقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين والتوقف عن فتح أراض اميرية فلسطينية لليهود ، لكن تشرتشل قد رفض كل هذه المطالب وخاصة ما تعلق منها بإلغاء وعد بلفور الذي أصبح أمرا واقعا على حسب ادعائه ، وان بريطانيا ملتزمة بتنفيذه وصولا إلى تحقيق الوطن القومي اليهودي وكان من شأن هذا الرفض البريطاني ان يجعل المقاومة الفلسطينية تشتد لادراك الفلسطينيين أن الوطن والأرض وفلسطين كلها في خطر وان بريطانيا تعمل على إحلال اليهود والمهاجرين القادمين من الخارج مكانهم ، وتوالت المظاهرات والاعتصامات والثورات للدفاع عن ارض فلسطين العربية ، غير أن بريطانيا قد تصدت لهذه التحركات وواجهتها بالعنف من جهة وقامت بتقوية العصابات الصهيونية ودعمها ماديا وعسكريا وسياسيا من جهة أخرى كما اتخذت إجراءات تسهيل الهجرة اليهودية الى فلسطين وإقامة المشاريع الاستيطانية اليهودية في الأراضي الفلسطينية.
يمكننا القول ، أن الدولة البريطانية الاستعمارية قد دعمت وبكل الوسائل الحركة الصهيونية بتنفيذ قرارات مؤتمرها الأول المنعقد في مدينة بال السويسرية عام م1897 بإقامة كيان صهيوني في فلسطين حيث سهلت عملية إقامة هذا الكيان جغرافيا ، وسكانيا وسياسيا وبقيت تقدم الدعم حتى تم انضاج الظروف لقيام الكيان الصهيوني الغاصب. ثم غادرت فلسطين منهية الانتداب المشؤوم في الرابع عشر من أيار عام م1948 ، وبعد ذلك بيوم واحد ، في الخامس عشر من أيار عام م1948 ، قام الإرهابي دافيد بن غوريون بالإعلان عن قيام الكيان الصهيوني ، هذا الكيان العنصري الدموي الغاصب للأرض والحقوق في فلسطين وسورية ولبنان والذي الحق بالعرب خسائر مادية وبشرية وسياسية وما زال يرتكب الجرائم الدموية حتى اليوم كعدو استعماري توسعي إقصائي إحلالي ، وسيلته القوة والبطش والإرهاب والحصار والتجويع وارتكاب المجازر يمارس العدوان في ظل ظروف وأوضاع عربية متردية حيث يسود التخاذل ورضوخ أنظمة عربية لسياسات الدولة الأمريكية الامبريالية التي تولت دعم وإسناد الكيان الصهيوني وضمان أمنه وتشجيعه على ممارساته العدوانية الدموية ضد العرب بعد أن أنجزت بريطانيا دورها في إقامة الكيان الصهيوني ، وقد تولت الإدارات الأمريكية إصدار الوعود بالحفاظ على امن الكيان الصهيوني وحمايته ومن أبرزها وعد بلفور الأمريكي الذي أصدره الرئيس جورج بوش الابن في الرابع من حزيران عام م2004 حيث تبنى فيه رؤية الصهاينة في استيطان الأرض العربية في فلسطين المحتلة اثر عدوان الخامس من حزيران عام م1967 بعامة وفي مدينة القدس العربية وحولها بخاصة ، وكذلك فيما يتعلق بتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين المتمثل برفض الاعتراف بهم وبعودتهم إلى وطنهم وأرضهم وممتلكاتهم ألتي أكدت عليها الجمعية العمومية للام المتحدة بالقرار رقم 194 لعام 1948م. وكذلك الالتزام الولايات المتحدة الأمريكية بالدفاع عن الكيان الصهيوني في مواجهة أي خطر قد تتعرض له ، وهذا ما يعبر عنه هذه الأيام الرئيس الحالي اوباما ، حيث تشترك قواته البحرية في اكبر المناورات الصاروخية مع الجيش الصهيوني بذريعة الدفاع عن هذا الكيان من صواريخ معادية ، وهم يعرفون جميعا ، مثلما يعرف العالم أن العدو المعتدي دائما يتمثل في الصهاينة وجيشهم.
طبعا ، وما دمنا نقوم بعملية تذكير ، فلا بد لنا وان نتوقف عند أطماع الصهاينة واليهود التي ما زالت قائمة والمتمثلة في بذل الجهود بعد صدور وعد بلفور مع الحكومتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا لتوسيع حدود فلسطين لتشمل منابع المياه في جنوب لبنان وسورية ونهر الأردن مثلما تشمل أيضا سهل حوران العربي السوري ، وقد نفذت باستخدام القوة احتلال بعض هذه المنابع واستولت على منابع مياه عربية ما زالت تستغلها لصالحها حتى اليوم.
إننا نؤكد دائما ، على ضرورة مواجهة هذا العدو السرطاني الذي يهدد امتنا في حاضرها ومستقبلها بالطريق الوحيد وهو المقاومة والتي يجب أن تكون مستندة إلى كل أشكال الدعم من كل العرب المخلصين لامتهم ومستقبل أجيالهم.