ارشيف من :أخبار عالمية

أفغانستان في الجيوبوليتيكا الدولية لأميركا

أفغانستان في الجيوبوليتيكا الدولية لأميركا
سيطرة الاحتكارات الاميركية على تجارة المخدرات لتغطية القسم الاكبر من النفقات العسكرية

صوفيا ـ جورج حداد
من اهم نشاطات الرئيس الاميركي الجديد باراك اوباما بعد انتخابه هو الزيارة التي قام بها الى روسيا في 6 و 7 تموز/ يوليو 2009، حيث التقى الرئيس الروسي دميتري ميدفيدييف، ولم يفته طبعا ان يجتمع ايضا الى رئيس الوزراء القوي فلاديمير بوتين، الذي يتوقع كثير من المراقبين ان يكون هو سيد الكرملين في 2012.
وقد حمل الرئيس الاميركي معه كل الملفات ذات العلاقة المشتركة مع روسيا، والتي تتعلق بالشؤون الدولية الرئيسية، بشكل يتجاوز مرحلة القطب الدولي الواحد، ويذكر بشدة بمرحلة القطبين الدوليين.
ومع كل اهمية جميع الملفات التي حملها اوباما، كالتسلح النووي والصاروخي، والملفات الكوري والفلسطيني والايراني، كان من الواضح ان عين الرئيس الاميركي كانت تتركز بشكل خاص على الملف الافغاني. وتشير المعطيات ان اهم ما توصل اليه لقاء القمة الروسي ـ الاميركي الاول لاوباما، في اجواء بعيدة عن اجواء "الحرب الباردة"، هو الاتفاق الذي تم في الملف الافغاني.
فالملاحظ ان الجانب الاميركي، في العهد الجديد لاوباما، ينتهج سياسة تهدئة ومناورة وحتى تراجع في العديد من الملفات، الا في الملف الافغاني. ومن الامثلة "الصارخة" على ذلك هو تخفيض اعداد القوات الاميركية في العراق لزيادة اعدادها في افغانستان.
وقد استطاع باراك اوباما الحصول على موافقة الكرملين على منح اميركا ممرا جويا استراتيجيا الى افغانستان. وتشير المعطيات الصحفية الى ان اميركا هي في صدد اجراء اتفاقات مماثلة مع عدد من الدول الاخرى، الاوروبية والاسيوية، لا سيما بعد الصعوبات التي اخذ يعانيها التعاون الاميركي ـ الباكستاني، في الحرب الاميركية في افغانستان. وبعد رفض كازاخستان تقديم التسهيلات المطلوبة لاميركا.
وهنا يبرز سؤال رئيسي هو: لماذا كل هذا الاهتمام الاميركي بافغانستان، التي اعتبرها اوباما ذاته انها "الجبهة المركزية" للحرب الاميركية على الارهاب (!!!)؟
في رأينا المتواضع انه يمكن مقاربة الجواب عن هذا السؤال من خلال النقاط التالية:
1ـ ان شعار "مكافحة الارهاب" هو كذبة كبيرة، واسطوانة مشروخة تماما، سواء بنسختها "البوشية" الصاخبة او بنسختها "الاوبامية" الناعمة! والادارة الاميركية تستخدم هذا الشعار كحجة فقط للهيمنة على افغانستان هيمنة مطلقة، مستفيدة من العزلة الدولية التي فرضت على الشعب الافغاني المظلوم، عن طريق تكريس صبغه بالصبغة المتخلفة والمكروهة (طالبان، القاعدة، منع التعليم، اضطهاد المرأة، نسف الاثار التاريخية والحضارية: وكل ذلك تم ويتم على ايدي "الاسلاميين!!!" المزيفين الذين هم صناعة مخابراتية اميركية بامتياز).
وتعمل الادارة الاميركية لتحويل افغانستان ليس الى قاعدة اميركية وحسب، بل والى قاعدة اطلسية ـ غربية بشكل عام. ويوجد سببان جوهريان لهذا الاهتمام بافغانستان، الاول يتعلق بالسياسة الداخلية الاميركية، وتحديدا بالاقتصاد الاميركي، والثاني يتعلق بالسياسة الخارجية الاميركية، وتحديدا بالجيوبوليتكيا العامة او الستراتيجية الدولية لاميركا. ونأتي الى القاء نظرة سريعة على هذين السببين فيما يلي:
2ـ السبب الاقتصادي: ان اميركا، زعيمة العالم الرأسمالي ـ الامبريالي، تتحرك بالدرجة الاولى بدافع الحوافز الاقتصادية. ومنذ سنوات واميركا تمر في حالة ركود وازمة اقتصادية، مالية ـ تسويقية ـ الخ. والاقتصاد الاميركي لم يعد منذ زمن بعيد يقتصر على عمليات وقطاعات الانتاج والتسويق المشروعة. بل نشأ وتضخم فيها بشكل مروع ما يسمى "اقتصاد الظل": المخدرات، التزوير، التهريب، القتل المأجور، الدعارة، القمار الخ. واصبحت كتلة "الاموال القذرة" تشكل اكبر "كتلة مميزة" في الاقتصاد الدولي برمته، اي انها اكبر من الكتلة المتشكلة من اموال النفط او الغاز او الذهب او تجارة الاسلحة المشروعة، ناهيك عن الصناعات والتجارات الاخرى كصناعة السيارات او الالكترونيات والفندقية والسياحة الخ. واميركا اليوم هي اكبر آلة غسيل "اموال قذرة" في العالم. والاقتصاد الاميركي يصبح اكثر فأكثر "اقتصاد ظل" اي "اقتصادا مشبوها": اقتصاد جريمة منظمة ودعارة وقمار ومخدرات الخ. ومهما يكن هذا الرأي صادما للكثيرين، فإن على الجميع النظر بموضوعية الى الامور المصيرية.
وتأتي اهمية افغانستان، بالنسبة للاستراتيجية الدولية الاميركية برمتها اولا من الاهمية الاقتصادية الاستثنائية لهذا البلد الفقير جدا، ونقصد تحديدا: "اقتصاد" تجارة المخدرات. فافغانستان هي اكبر مزرعة ومصنع للمخدرات في العالم. واميركا اصبحت اكبر تاجر مخدرات في العالم. والاقتصاد الاميركي كله اصبح مرتهنا بـ"الاقتصاد" المخدراتي ومرتكزه الرئيسي افغانستان. ولذلك فإن السيطرة المباشرة على افغانستان تصبح قضية حياة او موت بالنسبة للنظام الاقتصادي ـ الاجتماعي ـ السياسي ـ الامني ـ العسكري الاميركي برمته. ولا نغالي اذا قلنا ان افغانستان اليوم هي اهم لاميركا من نيويورك ومن واشنطن نفسها، على الصعيد الاقتصادي المفصلي بالنسبة لجميع مناحي وجوانب النظام الاميركي و"نمط الحياة الاميركي" ووجود الدولة الاميركية والشعب الاميركي، من الرئيس حتى آخر خادم في آخر ماخورة اميركية.
3 ـ السبب الجيوبوليتيكي: في ما مضى، وبعد ان استولى العثمانيون على القسطنطينية بنوا فيها الف جامع، ولكن هذا لم يمنحهم اي دور رسالي اسلامي، بل كرسهم كمشوهين ومستغلين للدين الاسلامي من اجل التسلط والاستعمار والنهب والسلب والسبي؛ وبالمثل فإن اميركا اليوم تمتلك آلة "بروباغندا" هائلة لم يشهد التاريخ مثيلا لها، ولكن هذه الآلة لا تعطي اميركا اي ميزة حضارية او ثقافية او انسانية، رسالية، بل تكرس كذبها على شعوب ودول العالم بأسرها، لاجل مصالحها الشوفينية، التسلطية والاحتكارية والاستعمارية. واذا استثنينا اسرائيل والصهيونية العالمية، فليس للامبريالية الاميركية اي "صديق عضوي" يلتزم بها التزاما تاما. فكل "اصدقاء" اميركا، في الحلف الاطلسي وخارجه، هم "اصدقاء مصلحة" موقتين، او "اصدقاء" بالقوة (قوة الاملاء الاقتصادي والسياسي والامني ـ المخابراتي والعسكري، الاحتلالي او شبه الاحتلالي). ولذلك، وباستثناء "اسرائيل"، فإن جميع "اصدقاء" اميركا اليوم، هم اعداء محتملين غدا. والمسألة مسألة وقت ليس اكثر. وقد ملكت الادارات الاميركية المتعاقبة من العنجهية والغباء المركّبين انها جعلت التوجه الطبيعي لكل دولة الى التطور والتقدم مرهونا بالصراع الضمني او المكشوف للتحرر من ربقة السيطرة الاميركية. وبكلمات اخرى، فإن كل دولة تريد ان تتطور او تتقدم، تضع نفسها في تناقض موضوعي او مباشر مع اميركا؛ اي ان كل دولة طموحة هي مشروع عدو لاميركا، وان كانت مرحليا تبدو من اقرب اصدقائها. وقبل انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة "السوفياتية" السابقة، وتحرر مختلف الدول الصديقة لاميركا من عقدة الخوف من "بعبع الشيوعية"، فإن خط التوجه العالمي للتحرر من الربقة الاميركية ازداد شدة واتساعا. الان، وبالاضافة الى العدو التاريخي الدائم: روسيا، فإن "العالم الاصفر": اليابان والصين والهند الصينية وكوريا، هو مجموعة اعداء محتملين لاميركا، واذا وجد "العالم الاصفر" طريقه الى توحيد دوله على طريقة "الاتحاد الاوروبي" او ما يشبهها، فهل ستستطيع اميركا حينذاك ان تحتفظ بالوقاحة التي عبر عنها الرئيس الاميركي الاسبق بيل كلينتون في الذكرى الخمسين للحرب العالمية الثانية حينما قال بكل وقاحة الجلاد انه "ليس لاميركا ما تعتذر عنه بالنسبة لالقاء القنبلة الذرية على اليابان". كما ان شعوب وبلدان شبه القارة الهندية ( الهند وباكستان وبنغلادش) تتحفز، مجتمعة ومنفردة، من خلال اوضاعها، للتقدم، والاضطلاع بدور اكبر على الساحة الدولية، دور يتماشى مع حجمها وكونها أمما شابة متحفزة. وجميع شعوب وبلدان شبه القارة الهندية لا تمتلك اية ذكريات طيبة لا عن الاستعمار البريطاني ولا عن وريثته الشرعية الامبريالية الاميركية. واخيرا لا آخرا هناك العالم الاسلامي الكبير، المترامي الاطراف، والغني بالثروات الطبيعية (وما نتج عنها من ارصدة ضخمة في البنوك الاميركية والاوروبية)، والذي يمتلك علاقات وثيقة لا انفكاك فيها بين مختلف اعضائه (بالرغم من التناقضات العارضة من وجهة النظر التاريخية) وبينه وبين روسيا (من خلال عشرات ملايين المسلمين في دول الاتحاد السوفياتي السابق وفي روسيا ذاتها، وبالمقابل عبر ملايين المسيحيين الشرقيين العرب) وبينه وبين شعوب وبلدان شبه القارة الهندية (عبر باكستان وبنغلادش و250 مليون مسلم في الهند ذاتها) وبينه وبين شعوب القارة الافريقية (عبر جميع حالات ومقتضيات: الجوار والمعايشة والاختلاط). ولعشرات السنين، سارت غالبية الفئات الحاكمة في الدول العربية والاسلامية في ركاب السياسة الغربية عامة والاميركية خاصة؛ ولكنها بالمقابل نالت ما نالته من التهميش والاذلال على يد السياسة الاميركية التي فضلت اسرائيل على العالم العربي والاسلامي بأسره، بما في ذلك او بالاخص على "اصدقاء" اميركا انفسهم. حيال ذلك صار من المنطقي ان يجد خط التوجه الى التحرر من ربقة الهيمنة الاميركية انصاره في صفوف الحكام العرب والمسلمين انفسهم. وهذا وحده يشكل خطرا مصيريا على النفوذ والمصالح الاميركية في المنطقة وفي العالم وفي داخل اميركا بالذات.
في السابق كانت السياسة الخارجية الاميركية تتمحور على ما كان يسمى "العداء للسوفيات" والحرب الباردة والمواجهة بين القطبين الغربي بقيادة اميركا والشرقي بقيادة روسيا. اليوم تشعر اميركا اكثر فأكثر انها محاصرة ومطوقة بمجموعة اعداء فعليين ومحتملين، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، بشخص روسيا والصين والهند وباكستان واليابان وايران والسعودية ومصر وفلسطين ولبنان وغيرها وغيرها من دول العوالم الروسي ـ السلافي والصيني ـ الياباني والهندي ـ الباكستاني والعربي ـ الاسلامي.
واميركا هي، جغرافيا، بعيدة آلاف وآلاف الكيلومترات عن هذه العوالم، وكانت تفرض حضورها الاستراتيجي الدولي من خلال اسرائيل اولا، والقواعد والاساطيل الحربية الاميركية، ثانيا. ولكن الفشل الذريع لـ"اسرائيل" بمواجهة المقاومة والشعب الفلسطينيين، وبمواجهة المقاومة الاسلامية بقيادة حزب الله في لبنان، وفشل تجربة الاحتلال الاميركي للعراق، وضع في مهب الريح كل الحضور الستراتيجي الاميركي، وبالتالي امكانية لجم اي عدو محتمل في المستقبل القريب والمتوسط والبعيد.
من هنا تتأتى الاهمية الاستراتيجية الدولية الاستثنائية لافغانستان، التي تقع في وسط العوالم الروسي والصيني والهندي والعربي ـ الاسلامي. وفي السابق كانت روسيا القيصرية، فالسوفياتية، تلتزم سياسة حسن الجوار مع افغانستان، مقابل احتفاظ البلاد (بصرف النظر عن نظامها الاجتماعي الملكي ـ العشائري المتخلف) باستقلال فعال في ما بين روسيا والدول الغربية. وفي 1974 اطاحت القوى الدمقراطية الافغانية بالحكم الملكي. ولم تستطع القيادة السوفياتية ان تجد لغة مشتركة مع تلك القوى. واياً كانت اعتبارات وحسابات القيادة السوفياتية حينذاك، فقد تدخلت في افغانستان في 1979 وهي تحسب انها تمنع وقوع البلاد في قبضة الدول الغربية. ولكن عمليا فإن التدخل السوفياتي ادى الى سحق القوى الديمقراطية المستقلة الافغانية، على ايدي البيروقراطية التسلطية السوفياتية، من جهة، والقوى "الاسلامية!!!" الظلامية العميلة او المتحالفة مع الامبريالية الاميركية من جهة ثانية. ونتج عن ذلك هيمنة القوى الظلامية "الاسلامية!!!" المتحالفة مع اميركا، وفي النتيجة وقوع افغانستان في قبضة الامبريالية الاميركية والحلف الاطلسي، وسيطرة طالبان شكليا، قبل وقوع النزاع بينها وبين اميركا، لاسباب تستوجب وقفة خاصة.
ومثلما استوعب الغزاة الاستعماريون الانغلو ساكسون بالتدريج، اهمية اكتشاف كريستوفر كولومبوس لاميركا فيما مضى؛ فإن الغزاة الاستعماريين الاميركيين اخذوا بالتدريج يكتشفون الاهمية الاستثنائية لافغانستان بعد احتلالها مباشرة في اعقاب احداث 11 ايلول 2001 بحجة "مكافحة الارهاب".
والان، وفي ظل الشعارات الكاذبة حول مكافحة الارهاب، تعمل القيادات العسكرية الاميركية لتحويل افغانستان الى اضخم واكبر مجمع عسكري استعماري في التاريخ البشري، حيث ستحتشد، وبمختلف الحجج وتحت مختلف التغطيات، الغالبية الساحقة من القوات الاميركية: المشاة، والمدفعية، والسلاح الصاروخي، والمدرعات، والطيران، والاسلحة غير التقليدية (النووية، الجرثومية، الكيماوية وغيرها)، اي كل الاسلحة باستثناء الاسلحة البحرية التي ستتكدس كالسردين في المحيط القريب لافغانستان، من البحر الابيض المتوسط الى بحر العرب الى بحر الصين الى البحر الاسود. وتعمل القيادات الاميركية لاشراك الحلف الاطلسي في هذا المخطط، كديكور سياسي ليس اكثر، من جهة، ولتطمين الحلفاء الاوروبيين، من جهة ثانية، بأنهم ليسوا هم المستهدفين، وانهم لا يزالون "حلفاء" و" شركاء" لاميركا. وفي الوقت الذي سيكون فيه للاحتلال الاميركي الكاسح والواسع النطاق لافغانستان دوره الحاسم في تكريس تحويل افغانستان نهائيا الى اكبر مزرعة مخدرات في العالم، فإن سيطرة الاحتكارات الاميركية على تجارة المخدرات ستمكن من تغطية قسم كبير او القسم الاكبر من النفقات العسكرية الاميركية في افغانستان. وهكذا فإن احتلال افغانستان، مربوطا بزراعة وصناعة وتجارة المخدرات، سيتحول هو ايضا الى "مشروع تجاري"، وسيستطيع الرئيس الاميركي، اوباما او غيره، ان يتباهى على شاشات التلفزيون الملونة، انه يؤمن "فرص العمل" لملايين وعشرات ملايين الاميركيين، كضباط وجنود ومهندسين وعاملين آخرين في القوات المسلحة الاميركية، وكمهندسين وعمال وعاملين آخرين في الصناعات الحربية الاميركية والصناعات المرتبطة بها، وكعاملين في الصناعات الخفيفة والخدمات (المأكولات والمشروبات والالبسة وخدمات الترفيه والدعارة) في خدمة القوات المسلحة الاميركية "المغتربة"، هذا عدا عن العاملين في اطار صناعة وتجارة وتوزيع المخدرات في اميركا واوروبا وكافة انحاء العالم، ما سيدر على الاحتكارات الاميركية الوف مليارات الدولارات (اي اكثر حتى من النفط والغاز). وسيقتضي هذا المخطط ان يتحول بناء البنتاغون نفسه الى "صورة رمزية" لا اكثر، اما المقر الفعلي للقيادة العسكرية العليا، والقيادة المخابراتية العليا، لاميركا، فسينتقلان الى افغانستان، جنبا الى جنب "القيادة المالية" ايضا.
والهدف الجيوبوليتيكي المركزي لهذا المخطط الاميركي الضخم هو، وبالاضافة الى كونه "مشروعا تجاريا" هائلا: تعزيز الهيمنة الاميركية ـ الصهيونية على العالم، والتهديد الضمني والمباشر لكل دولة او مجموعة دول تتجرأ على رفع رأسها لتحدي هذه الهيمنة.
وبكلمات اخرى، فإن الهدف الستراتيجي الجيوبوليتيكي للحشد العسكري الاستثنائي لاميركا في افغانستان، ليس مواجهة فلول طالبان، كما تدعي آلة البروباغاندا الكاذبة الاميركية، بل هو مواجهة الاعداء الحاليين، المفترضين والمحتملين، لاميركا: ايران وروسيا وباكستان والسعودية وكوريا والصين والهند واليابان وغيرها من الشعوب والبلدان المحيطة بافغانستان والقريبة منها.
ولكن آلة الحرب الاستعمارية ـ المافياوية المخدراتية، الاميركية، عليها اولا ان تجتاز امتحانا عسيرا، وهو ان تثبت قدرتها على سحق مقاومة الشعب الافغاني، الذي هو شعب أبي تضرب جذوره في عمق التاريخ الشرقي العريق، وتشده روابط وثقى الى الحضارة والشعوب الاسلامية المناضلة، ولا يمكن بأية حال ان يرضى بالاستيلاء على ارضه، وتدمير مجتمعه الاصيل، ومحو هويته وشخصيته التاريخية، وتحويله (بحجة محاربة طالبان، او بالاتفاق معهم) الى شراذم من اشباه البشر، يقتصر دورهم على زراعة وصناعة المخدرات، وعلى تنظيف المراحيض وما في هذا المستوى من الخدمات "الضرورية" للمحتلين وثكناتهم وتجمعاتهم واداراتهم ونواديهم.
والى ان تجتاز قوات الاحتلال الاميركية "العقبة الصغيرة" المتمثلة في المقاومة الافغانية، لكل حادث حديث.
2009-11-03