ارشيف من :أخبار عالمية
السعودية وحرب اليمن ... لمصلحة من؟
عقيل الشيخ حسين
تصاعدت في الأيام القليلة الماضية اتهامات الحوثيين للسعودية بالتدخل المباشر في الحرب الدائرة بينهم وبين القوات الحكومية في منطقة صعدة المحاذية للسعودية. وهم يؤكدون في هذه الاتهامات أن طائرات سعودية من طراز إف 16 تشارك في العمليات، وأن السعودية سمحت للجيش اليمني باستخدام أراضيها لشن عمليات ضدهم.
وبالطبع تم نفي هذه الاتهامات من قبل كل من اليمن والسعودية. لكن جملة من الإشارات تسمح بالاعتقاد بأن السعودية تسهم بشكل أو بآخر في العراك الدائر في اليمن. من هذه الإشارات إقرار السعودية الصريح بأنها تدعم الحكومة اليمنية سياسياً واقتصادياً. وهذا الأمر ينسجم مع السياسات السعودية المعروفة بتقديم الدعم للأشقاء. لكنه يصبح مثيراً للغط، على الأقل، عندما تتحدث تقارير عديدة تتناقلها الصحافة ومواقع الانترنت عن مساعدات مالية كبيرة حصل عليها الجيش اليمني من السعودية في وقت يخوض فيه هذا الجيش حرباً طاحنة في الشمال ويتهدده شبه حرب أخرى تطل برأسها من الجنوب.
ومن الإشارات، هنالك الموقف السعودي المتمثل بإغلاق الحدود أمام المدنيين الفارين من مواجهات صعدة، وهو الموقف الذي أثار استنكار منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات الإنسانية وخصوصاً أن السعودية هي المنفذ الوحيد لهؤلاء الفارين.
ومنها تواتر الحديث عن دور سعودي في إفشال اتفاق الدوحة الذي تم التوصل إليه العام الماضي برعاية قطرية بين الحكومة اليمنية والحوثيين. وخصوصاً أن وقف العمل بالاتفاق جاء مباشرة بعد عودة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح من أغادير حيث التقى بالأمير سلطان بن عبد العزيز الموجود فيها لأغراض استشفائية. وبهذا الصدد، تقول بعض المصادر ان مسؤولين قطريين يصرحون في الكواليس بأن السعودية لا تقبل بتدخل أية جهة أخرى غيرها في حل الإشكال اليمني.
وبالطبع، لا يمكن لأحد أن ينكر على السعودية اهتمامها بالشأن اليمني. فهنالك علاقات الجوار والأخوة والتاريخ والانتماء والمصير. لكن كل ذلك يأخذ أبعاداً أخرى عندما ينظر إليه من زواية الاعتبارات الجيوسياسية. فالتاريخ الحديث جداً يشهد على أن العلاقة بين البلدين قد حفلت أيضاً بسلاسل من النزاعات والتدخلات. ففي العام 1934 وقع نزاع بين البلدين، وفي الستينات شهدت اليمن حرباً أهلية تدخلت فيها كل من مصر والسعودية، وفي التسعينات شهدت اليمن حرباً أهلية أخرى تدخلت فيها السعودية، وقامت طائراتها الحربية بقصف مقار الحزب الاشتراكي في عدن.
وكل ذلك يظل في إطار المعقول. لكن ما يبعث على الاستغراب هو تواتر الحديث عن تداخلات وتشابكات واتفاقات بين كل من "تنظيم القاعدة" والسعودية واليمن وبعض بلدان الخليج الأخرى. وصولاً إلى الحديث عن تحالفات مع هذا التنظيم في حرب اليمن وغيرها.
فالمتعارف عليه أن "تنظيم القاعدة" هو العدو اللدود للأمن والاستقرار العالمي، والذي كان في أساس إعلان الحرب على ما يسمى بالإرهاب في أفغانستان وغير أفغانستان. والمتعارف عليه أن السعودية واليمن هما في جملة البلدان المتحالفة ضد "القاعدة" في هذه الحرب. ولا يكاد يمر يوم دون أن يحمل فصولاً متجددة من المواجهات بين القاعدة وتنظيم "القاعدة" بالذات: اغتيالات، اعتقالات، كشف مخططات، تفكيك شبكات، عثور على مخابئ...
ولكن كيف تصل الأمور إلى حد التفاهم أو التحالف؟ كثيرون يذكرون بتجربة المجاهدين الذين أخرجوا السوفيات من أفغانستان بدعم وتوجيه وتسليح من الولايات المتحدة والسعودية ودول الخليج الأخرى وباكستان. وحتى اليوم، لا يزال الكثيرون يربطون بين تطورات الوضعين الأفغاني والباكستاني والعلاقات المميزة بين الجيش وأجهزة الاستخبارات الباكستانية وكل من طالبان و"القاعدة".
وفي إطار متصل، يتحدثون عن اليمن بوصفه أحد أهم البلدان المصدرة لمقاتلي "القاعدة". وعن علاقات لا تزال قائمة حتى اليوم بين زعماء "القاعدة" ونافذين في السلطة والجيش وقوى الأمن في اليمن. وقد ذكرت مجلة "لوبوان" الفرنسية في عددها الصادر في 2 أيلول/ سبتمبر الماضي أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يقوم بتجنيد عناصر من "القاعدة" في الحرب التي يخوضها ضد الحوثيين. وكل ذلك وسط كلام عن اتفاقات أسفرت عن إطلاق المئات من أعضاء "القاعدة" من السجون اليمنية.
كما تدور الأحاديث عن إطلاق مئات آخرين من سجون السعودية، بعد إخضاعهم لعمليات تأهيل، وعن الطلب إليهم عدم شن هجمات داخل الأراضي السعودية، أو على ما تقوله مصادر الحوثيين، بتقديم العون للحكومة اليمنية في حرب صعدة.
وحول الموضوع نفسه، تحدثت قناة "سي إن إن" الأميركية عما أسمته شبه اتفاق ضمني بين "القاعدة" وبلدان خليجية يشتمل على مقايضة أشكال من الدعم مقابل عدم قيام "القاعدة" بأنشطة تخريبية فوق أراضيها. كما أوردت وكالة "اسوشيتد برس" معلومات مشابهة.
وأخيراً لا يمكن لأحد أن ينكر على السعودية أو غيرها وقوفها إلى جانب طرف ضد طرف في حرب اليمن وغيرها من الحروب، تبعاً لما تقتضيه مصالحها. لكن المصالح، فيما يتعلق باليمن تحديداً (سبق للمصالح أن اقتضت استجلاب القواعد الأميركية والمشاركة في الحرب الأميركية على العراق)، تصبح مثيرة للتساؤلات عندما تتطابق مع مصالح الأميركيين التي عبر عنها مؤخراً، وخلال زيارته لليمن، رئيس قسم مكافحة الإرهاب في البنتاغون، عندما حمل رسالة من أوباما مفادها أن أمن اليمن حيوي لأمن الولايات المتحدة. أم أن هنالك، من الآن فصاعداً، من يصرون على مشاركة أميركا حتى في هزائمها الحالية والمقبلة والتي يبدو أن اليمن سيكون واحداً من مسارحها المجلجلة؟!