ارشيف من :أخبار لبنانية
قرصنة اسرائيلية... و انتهاك خطير للقانون الدولي؟
القانون الدولي والاتفاقيات الموقعة "حبر على ورق" عندما يرتبط الامر بـ"اسرائيل" أو اميركا؟
ليلى نقولا الرحباني
في وقت تتصاعد فيه الاتهامات الدولية لـ"اسرائيل" بانتهاكات جسيمة للقانون الدولي، وفي ساعة دولية حرجة بالنسبة لـ"اسرائيل" وحلفائها في مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة، أقدمت اسرائيل على انتهاك آخر للقانون الدولي وبالتحديد لقانون البحار واتفاقية الامم المتحدة الموقعة عام 1982 والتي حددت المياه الاقليمية لكل دولة ساحلية وحددت أطر ونطاق ممارسة الدول لسيادتها على مياهها الاقليمية.
وبغض النظر عما كانت تحمله هذه السفينة، وان كانت تنقل اسلحة ايرانية لسوريا او لحزب الله كما تدّعي " اسرائيل"، او غير ذلك من السلع كما صرح المسؤولون الايرانيون والسوريون، فان هذا الموضوع ليس موضوعنا، ولن ندخل في النقاش حول حق الدول المحيطة بـ"اسرائيل" في الدفاع عن نفسها والتسلح لمواجهة اعتداءات وتهديدات اسرائيلية مستمرة ودائمة، تتصاعد يومًا بعد يوم، وهي، في الواقع والقانون، حقوق مشروعة لا نقاش فيها. إن السؤال الأساس الذي يجب ان يُطرح على بساط البحث: هل يحق لـ"اسرائيل" بموجب القانون الدولي اعتراض تلك السفينة على بعد على بعد نحو 100 ميل بحري من سواحلها كما كانت وزارة الحرب الاسرائيلية قد اعلنت في بيان لها؟
بعد الحرب العالمية الثانية بدأ التفكير جديًا في تطوير قواعد القانون الدولي العام وخاصة في مجال حقوق الانسان والقانون الدولي الجنائي وغيرها من القوانين الاخرى كقانون البحار، وقد عقدت الامم المتحدة لهذه الغاية مؤتمرات عالمية عدة للبحث في سبل كفيلة بالمسائل العالقة في موضوع البحار والمحيطات. تطور قانون البحار الدولي خلال العقود الثلاثة الاخيرة تطورًا مهمًا وأساسيًا، ولعل التطور الابرز فيه كان توقيع "اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار" عام 1982 والتي حددت أسس استخدام المياه البحرية وآليات وحقوق الاستفادة من الثروات الطبيعية في البحار، ومعالجة أهم القضايا الخلافية بين الدول هو تحديد "المياه الاقليمية" أي المساحة التي يحق للدول البحرية استخدامها وممارسة سيادتها عليها. وقد نصت الاتفاقية في مادتها الثالثة على ما يلي:
"لكل دولة الحق في أن تحدد عرض بحرها الإقليمي بمسافة لا تتجاوز 12 ميلاً بحرياً مقيسة من خطوط الأساس". تمارس الدولة سيادتها على "هذه المسافة البحرية وعلى الحيز الجوي فوق هذا البحر الاقليمي وبالاضافة الى قاعه وباطن أرضه... وتمارس هذه السيادة على البحر الإقليمي رهنًا بمراعاة أحكام هذه الاتفاقية وغيرها من قواعد القانون الدولي". (كما جاء في المادة 2 من الاتفاقية).
إذاً، بما أن القانون الدولي العام يعطي الحق للدول بممارسة السيادة المطلقة والولاية القضائية على أرضها فقط، وبما أن قانون البحار واتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار التي دخلت حيز التنفيذ عام 1994 واضحة وصريحة في مجال تحديد المساحة التي يحق للدول الساحلية اعتراض السفن وممارسة السيادة المطلقة على مياهها فيها، كيف يمكن لـ"اسرائيل" أن تقوم باعتراض سفن على بعد 100 ميل بحري وتتفاخر بهذا الامر بدون حسيب او رقيب، وبدون أن يثير الأمر تساؤلات من قبل الدول الموقعة على اتفاقية الامم المتحدة تلك؟. وهل يجب أن يبقى القانون الدولي والاتفاقيات الموقعة حبرًا على ورق عندما يرتبط الامر بـ"اسرائيل" أو اميركا؟
انها ليست المرة الاولى التي تخرق فيها "اسرائيل" القانون الدولي ولن تكون الاخيرة، فلطالما كانت فوق القانون الدولي، بل لعل تأسيس "اسرائيل" واعلانها كدولة هو بحد ذاته خرق لمعايير القانون الدولي العرفي التي تحظّر الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة.
اما لماذا يبدو ان خرق "اسرائيل" وانتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي الانساني وارتكابها ابشع الجرائم في فلسطين ولبنان بدءًا باربعينيات القرن الماضي وصولاً الى الابادة التي ارتكبتها في غزة، يبدو أمرًا طبيعيًا و"دفاعًا عن النفس" بالنسبة للكثير من الدول الاروربية والغرب واميركا؟.
الاجابة سهلة. ببساطة لأن السلوك العربي الرسمي لا يحافظ على حد أدنى من الكرامة، فمن يُتَّهم بجريمة حرب لا يجب أن يندفع موجهو التهمة لاعتباره شريك سلام بعد حرب لبنان، ومن يكلّف لجان التحقيق لاثبات جرائم الحرب، لا يندفع الى القبلات والمصافحات مع مَن يفترض بأنه سُيدان في التحقيق. ولان الدول العربية "المعتدلة" حين انتقلت إلى التسوية ومبادرات السلام، نشأ انطباع لدى حكامها بأن هناك تناقضا بين اتهام حكام إسرائيل بأنهم مجرمون وصنع السلام معهم.