ارشيف من :أخبار عالمية
مجزرة فورت هود : مؤشر على انهيار الجيش الأميركي!
عقيل الشيخ حسين
أن نسمع بين يوم وآخر بمقتل عدد من الجنود أو المدنيين الأميركيين في العراق أو أفغانستان، أو أي مكان آخر من الأمكنة التي تنتشر فيها حروب أميركا وقواعدها العسكرية وسفاراتها وشركاتها، على يد جهات معادية ... ذلك أمر عادي. وأن يكون الخبر عن مقتل 13 جندياً أميركياً وجرح 38 آخرين، على يد جندي أو ضابط أميركي فذلك يظل أمراً عادياً أيضاً لأن أعمالاً مشابهة تسجل بين حين وآخر. تكفي الإشارة، بين إشارات كثيرة، أخرى إلى أن جندياً أميركيا أقدم على قتل خمسة من زملائه في العراق في شهر أيار/ مايو الماضي.
وخارج إطار الجيش الأميركي الذي يشهد أيضاً تصاعد ظواهر الانتحار والاغتصاب وانتشار الأمراض الجسدية والنفسية بين الجنود، باتت حوادث من نوع قيام شخص بالغ أو طفل أو امرأة بامتشاق سلاحه الحربي وإطلاق النار على المحيطين به، أو حتى على أفراد أسرته، من الأمور المتواترة الحدوث، في أميركا وغيرها من بلدان الغرب المتقدم. على سبيل المثال، أقدم شخص على الانتحار بعد أن قتل 13 شخصاً في شهر نيسان / أبريل الماضي في مركز لإيواء المهاجرين في ولاية نيويورك. وفي أيلول / سبتمبر الماضي، عثر على جثث ثمانية أشخاص قتلوا في مركز لتجمع البيوت المتنقلة بولاية جورجيا الأميركية. وبعد يوم واحد من مجزرة القاعدة الأميركية، قام مسلح بإطلاق النار داخل مبنى في فلوريدا أسفر عن مقتل شخصين وجرح آخرين.
لكن غير الاعتيادي هو حدوث المجزرة في مكان هو أكبر قاعدة أميركية على أراضي الولايات المتحدة، وفي الخارج. غير اعتيادي إلى درجة أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، المنشغل بإعداد استراتيجيته الجديدة حول الحرب في أفغانستان، والذي كان قد عاد لتوه من حفل تأبين ثمانية عشر جندياً عادوا ملفوفين بالعلم الأميركي من تلك الحرب، توقف مطولاً أمام مسألة المكان هذه، معتبراً أن وجود الجنود فيه يفترض به أن يمنحهم الشعور بأنهم الأكثر أماناً. إضافة إلى اهتمامه غير العادي بهذه "المذبحة" التي جعلته ينكس الأعلام الأميركية ويرجئ سفره إلى شرق آسيا ليوم واحد، للقيام بواجبات العزاء، وليخطب في محاولة لترميم الثقة المتصدعة مركزاً على "بطولة" المسعفين التي تجعل من "الجيش الأميركي أفضل جيش في العالم". كلام أقل ما يقال فيه انه غير مطابق لواقع الحال.
جزء كبير من الضجيج الذي أحاط بالمجزرة نجم عن هوية مطلق النار. ضابط أميركي برتبة ميجور، وطبيب نفسي يعالج الجنود العائدين من حروب أميركا حاملين معهم أمراضاً ومشكلات نفسية باتت تشكل واحداً من هموم أميركا الأساسية. لكن اللافت هو اسم مطلق النار، مالك نضال حسن، من أصل فلسطيني ومن قرية واقعة بجوار القدس. ضجيج حول الاسم تجاوز الضجيج الذي أحاط باكتشاف الأميركيين للاسم الكامل للشخص الذي كان مرشحاً ثم أصبح رئيساً للولايات المتحدة. باراك حسين أوباما.
فأميركا التي كانت، في ظل المحافظين الجدد، بحاجة إلى حدث من وزن الهجمات على نيويورك وواشنطن في أيلول / سبتمبر 2001، لتشن حرب امبراطوريتها العالمية تحت ستار مكافحة ما يسمى بالإرهاب، والتي لم تضيع لحظة أو فرصة من دون إرهاب الأميركيين بالخطر الوشيك المحدق بالولايات المتحدة، من دون أن يأتي ذلك الحدث، وجدت تلك الفرصة الثمينة، في ظل أوباما. بسرعة فائقة، أحاطت وسائل الإعلام الأميركية العالم علماً بأن مالك نضال حسن هو مسلم متدين، وبأنه كان يتفوه بكلام يعكس معارضته للحرب الأميركية في العراق وأفغانستان. وبأنه أعطى لجيرانه، قبيل الحادث، أغراضاً بينها نسخة من القرآن الكريم. وبأنه كان يتعرض لإجراءات تمييزية أثناء خدمته في صفوف الجيش الأميركي. وكل ذلك يذهب باتجاه فرضية الأسباب السياسية والإيديولوجية لعمل يندرج في إطار التطرف والإرهاب القادر على أن يضرب فوق التراب الأميركي، وليس فقط، في منطقة تجارية في منهاتن، بل في أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الولايات المتحدة والعالم.
بعض المحللين تحدث عن معاناة ممكنة ربما تكون قد استفحلت عند مالك نضال حسن جراء احتكاكه اليومي بالجنود الذين يتعرضون للدمار النفسي نتيجة لتجاربهم ومشاهداتهم لفظائع الحروب الأميركية في العالم. وبعضهم الآخر تقاطع مع القائلين بفرضية العمل الإرهابي عندما ركز على وقائع، فعلية أو غير فعلية، تذهب باتجاه الإيحاء بأن العمل كان مقصوداً وبأنه نفذ عن سابق إصرار وتصميم: تسريب السلاح إلى داخل القاعدة، وتصرف الرجل بطريقة يشتم منها أنه لن يعود إلى منزله. وصولاً إلى طرح إشكاليات حول وجود 15 ألف جندي مسلم في صفوف الجيش الأميركي. وشبح تكثيف حملات التضييق على المسلمين في الولايات المتحدة الأميركية.
ربما يكون هذا الحادث، وما يحاط به من تفسيرات، صالحاً لخدمة الرهان على دفع الأميركيين إلى تأييد فكرة تصعيد الحرب في أفغانستان، في وقت يهبط فيه هذا التأييد إلى مستويات متدنية جداً في ظل تصاعد المقاومة الأفغانية وتزايد نسبة القتلى في صفوف الأميركيين وحلفائهم. وقد يساعد في اعتماد التوجه الداعي إلى إرسال 40 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان. لكن كل ذلك قد لا يفعل غير تعميق مشكلة أميركا، وجيشها خصوصاً، في الحرب الأفغانية. وخصوصاً أن جهات رصينة، من عيار نيوزويك الأميركية، رأت في حادثة القاعدة الأميركية مؤشراً على انهيار الجيش الأميركي. ونضيف: المجتمع الأميركي. والغطرسة الأميركية وغير الأميركية.