ارشيف من :أخبار عالمية
أوباما وموسم الهروب إلى آسيا!
عقيل الشيخ حسين
يسود الاعتقاد في أميركا بأن رئيسها باراك أوباما يتمتع بشعبية كاسحة... خارج أميركا، وخصوصاً في إفريقيا وآسيا. لأسباب تهويمية تتعلق بأصله الإفريقي، وقضائه شطراً من حياته في إندونيسا وهاواي. ولأسباب أكثر واقعية كحيويته وجاذبيته الشخصية وفصاحته. كما أن أميركيين كثراً يبدون افتخارهم بالطريقة التي يمثلهم أوباما من خلالها في الخارج.
ويبدو أن أوباما نفسه مقتنع بكل ذلك. فقد ذهب إلى الخارج لمرات عدة منذ توليه منصبه قبل ثمانية أشهر. وقد بلغ به الأمر حد تخصيص تسعة أيام كاملة لجولته التي يقوم بها حالياً في آسيا. جولة يقر المراقبون بأنها لن تفضي إلى أية اتفاقات ملموسة، وبأن هدفها الفعلي هو في تهيئة الأجواء لتعاون مستقبلي أفضل مع البلدان التي شملتها الزيارة.
جميع هذه البلدان أعضاء في منتدى التعاون الاقتصادي في آسيا الباسيفيكي. وقد حرص أوباما الذي عرج على سنغافورة لحضور قمة المنتدى، على التأكيد بأن أميركا هي بلد باسيفيكي، يعترف بأهمية آسيا ويسعى إلى توطيد التعاون معها من أجل ضمان الازدهار والأمن. تواضع ملحوظ بالقياس إلى الفترات القريبة السابقة حيث كانت أميركا تعتبر نفسها زعيمة العالم ولا تتردد في إبراز نوازعها الإمبراطورية.
لكنه أيضاً، ومن زاوية الخارج كمصدر للإحساس بالوجود، مؤشر على الهروب. فالحقيقة أن أوباما المتنقل بين بلدان آسيا مثقل بالهموم الأميركية الداخلية.
فالكونغرس لا يزال يضع العصي في دواليب ملف الإصلاح الصحي الذي يعول عليه أوباما من أجل الوفاء بالحد الأدنى من وعوده الانتخابية التغييرية.
وجماعات الضغط، وخصوصاً في أوساط المترسملين تبدي وجلها من عقد اتفاقيات إضافية للتبادل الحر مع بلدان قادرة على إغراق السوق الأميركية بالسلع القادرة على المنافسة، كالصين واليابان وكوريا الجنوبية وحتى الهند. ولا تخفي استياءها إزاء ما تعتبره تدنياً عدوانيا في أسعار العملة الصينية، وإزاء أية تفاهمات حول مشكلة المناخ من شأنها أن تلحق الضرر بالاقتصاد الأميركي.
وإلى هذه الهموم، تضاف همومه ذات الصلة بالسياسة الخارجية الأميركية. انسداد آفاق الحل في الشرق الأوسط. ثبات الموقف الإيراني في الملف النووي. تعمق التورط في أفغانستان وباكستان وحرج أوباما الشديد العالق بين مطرقة العسكريين الذين يطالبون بإرسال المزيد من الجنود، وسندان الخوف من التعرض للمزيد من الخسائر البشرية والهزائم.
هموم يبدو أن الجولة الآسيوية لن تبدد شيئاً منها، خصوصاً وأن كل ما أسفر عنها حتى الآن لا يتجاوز استعراض المشكلات الإقليمية والدولية وسط عبارات التفاؤل والتشديد على ضرورة الحوار والانفتاح والتعاون. علماً أنها هي نفسها تنطوي على هموم غير هامشية. ففي اليابان، كان أوباما مجبراً على الإصغاء إلى الرسميين المصرين على سحب قواتهم قريباً من أفغانستان، وعلى إعادة النظر في وجود القواعد العسكرية الأميركية فوق الأراضي اليابانية، في وقت تتصاعد فيه تحركات الشارع ضد هذا الوجود، ناهيكم عن الخطر القريب المتمثل بكوريا الشمالية وصواريخها ذات الرؤوس النووية.
وفي الصين، حيث يأمل أوباما بجني أكبر الثمار على مستوى العلاقة مع الشريك الكبير والمنافس الكبير وأكبر مالك للاحتياطات بالعملة الأميركية، كانت "المثل العليا" الأميركية والإعلام الأميركي المتربص تسمم أجواء اللقاءات بالزعماء الصينيين، لأنه لم يكن من الممكن لأوباما إلا أن يعرج على ذكر تايوان والدالايلاما وسينكيانغ وحقوق الإنسان وحرية التعبير، معرضاً بذلك أهداف زيارته لخطر أكيد. خصوصاً وأن وسائل الإعلام الأميركية والغربية أخذت كل حريتها في التشنيع على الصين. امبراطورية الحزب الواحد. قساوسة الحزب. الطلاب الصينيون الشبيهون لجديتهم بالباوات... غيض من فيض تلك التشنيعات. إضافة، بالطبع، إلى سور الصين العظيم.
ليس المقصود ذلك السور الذي أقامه أباطرة الصين القدماء والذي ما تزال بعض آثاره بادية للعيان. بل السور الافتراضي الذي يحرم الصينيين "الطليعيين"، كما أسمتهم بعض الصحف الغربية، من الوصول إلى المعلومات، ومن التعبير الحر عن الآراء من خلال الانترنت.
وبالمناسبة احتل الانترنت حيزاً واسعاً من مداخلات أوباما في الصين. فقد كرر القول عن إيمانه الكبير بتكنولوجيا المعلومات والفاس بوك والتويتر واليوتيوب. على اعتبار أن هذه الوسائل من شأنها أن تعرف العالم بأميركا والغرب وبكل ما ينعمان به من بحبوجة وحرية وديموقراطية.
صحيح أن في الصين وغير الصين أقواماً ما زالوا يعانون من الانسحار بالحلم الأميركي. وصحيح أن الترانزيستور قد لعب دوراً هائلاً في تعميم هذا الانسحار على بلدان المعسكر الشيوعي في الخمسينات والستينات، وأن الانترنت وغيره من وسائل الاتصال والإعلام تلعب دورها حالياً في تأبيد هذا الانسحار عند شرائح من الناس المولعين بالأغشية التي تحيط بالواقع. لكن أوباما لا يبدو مدركاً، مع مستشاريه المحيطين به، أن حبال الكذب تظل قصيرة حتى ولو امتطت الأقمار الصناعية. لأن السحر سيبطل بالتأكيد، وهو في طور البطلان بالتأكيد، لأن التسميم الإعلامي الذي نجح في تقديم الغرب بصورته الملمعة لن يبقى سيد الساحة إلى الأبد. فالإعلام بدأ أيضاً بإظهار ما تحت الطلاء الخارجي : وجه أميركا البشع. ووجه أميركا الهاربة من ذاتها المأزومة.