ارشيف من :مقاومة
علي شعيب يروي لـ"الانتقاد.نت" يوميات الحرب: بكيت عندما رأيت شاحنات الصليب الأحمر تأتي بالمهجرين من القرى الحدودية
مراسل على خط النار الحلقة 19
حوار: فاطمة شعيب
حمل اليوم التاسع عشر من الحرب معه حوادث عديدة .. سجلت ذاكرة "علي شعيب" منها الحادثة الأبرز .. يقول علي: "كنت أمرّ بالصدفة على طريق برج الملوك ـ تل النحاس فإلتقيت بقافلة للصليب الأحمر الدولي تقف على جانب الطريق، فسألت رئيس الفريق المسعف "بشارة" عن وجهتهم، فأجابني بأننا ننتظر إذناً بالدخول إلى قرى محبيب وبليدا وميس الجبل لإخراج الأهالي المحاصرين وخصوصاً المرضى منهم .. فطلبت منه أن يقلني بإحدى سيارات الإسعاف كي أتمكن من الإطلاع على أحوال هذه القرى التى قطعت أوصالها الدبابات الإسرائيلية المتوغلة بعد مواجهات ضارية مع المقاومين وتدمير عدد منها.. إلا أن "بشارة" رفض فكرة دخولي إلى تلك المنطقة أصلاً لأن الإسرائيليين لن يتركوني سالماً إن رأوني على حدّ تعبيره .. وطبعاً هو غير مستعد لأن يتحمل مسؤولية كهذه" ..
ساعات قليلة وإنطلقت القافلة بإتجاه القرى الحدودية عابرة بعض حواجز العدو في رب ثلاثين ومركبا .. وبقي علي شعيب ينتظر عودة القافلة لمعرفة تفاصيل مايجري من أحداث خصوصاً وأن أخبار المنطقة قد عتم عليها بفعل سوء تغطية إرسال الخلوي وإنقطاع الخطوط السلكية فضلاً عن سيطرة الإحتلال على بعض أطرافها ..
قرابة الخامسة عصراً رأى علي شعيب طلائع القافلة العائدة عند أطراف بلدة العديسة .. فأسرع إلى مدرسة مرجعيون حيث سيتم إستقبال القافلة بما تحمل .. وبعد ربع ساعة وصلت سيارات إسعاف وشاحنات كبيرة وأليات أخرى وجميعها تحمل أطفالاً ونساءً وعجز .. يصف علي شعيب المشهد قائلاً:
"أصبحت كأني أمام صورة المشهد الفلسطيني يتكرر أمامي، فما كنا نراه في المسلسلات التلفزيونية عن تهجير الفلسطينيين كنت أراه أمامي، فها هي النساء والأطفال بلباس المنزل والوجوه المغبرة الخارجة من حرب ضروس تقفز من الشاحنات، وبتّ أتخيل أن أمي واحدة من هؤلاء أو أولادي من ضمن الأطفال الشعث المرعوبين.. وتمنيت أن أرى شخصا واحداً لا يبكي أو يذرف الدموع حتى الرجال منهم .. وطبعاً يبكون لخروجهم من بيوتهم قسراً وبهذه الطريقة.. كان ذلك بمثابة الصدمة.. بل النكسة لي .. أذكر حينها أنني هربت إلى جوار حائط وبدأت أجهش بالبكاء من شدة التأثر..
كانت لحظات وبكل صراحة عصيبة ومليئة بالإحباط الذي كنت أقاومه طوال ايام الحرب، خصوصاً عندما كان البعض يخبرني كيف كان يقاتل فلان بشراسة حتى إستشهد وكيف دخل الإسرائيليون منزل فلان وقتلوه .. أشعرتني هذه الأخبار للحظة أننا بتنا في مرحلة صعبة جداً من تاريخ بلدنا..
وسط هذه الأجواء أبلغت زملائي في قناة المنار عن هذه الأخبار فطلبوا مني رسالة على الهواء حول وصول النازحين، فلم أتمكن لأنني كنت بحالة مذرية والبكاء لا يفارقني (طبعاً لم يكن يراني أحد) وبعد قليل من الوقت حاولت التفلت من هذا الشعور وإنتفضت على ذاتي وكان الإيمان بنصرنا أقوى من كل شيء .. فلملمت دموعي وحملت الكاميرا وعدت إلى المدرسة ومحيطها وبدأت أسجل بعض القصص التي كان يرويها عدد من الأهالي النازحين، وبينما أنا كذلك قال لي أحد العائدين من الداخل لقد رأينا جنازير دباباتهم المحروقة على أطراف الطريق.. وصاح آخر رأينا أيضاً عشرات الحمالات والإسعافات مرمية هنا وهناك .. وإنتفضت أخرى تقول نعم كنا نراهم وهم يختبئون خلف السواتر وكنا نسمع صراخم عندما كان يهاجمهم المقاومون .. عندها وقفت مذهولاً أمام هذه المشاهدات والتي إعتبرتها معلومات قيّمة أستعيد بها المعنويات التي ربما هدرت بعضها مع الدموع .. فإتصلت مباشرة بغرفة التحرير في التلفزيون وقلت لهم سأتلوا رسالة على الهواء حول وصول نازحين من القرى الحدودية ومشاهداتهم ..
وبدأت أجري مقابلات بشكل مباشر حول تدمير الدبابات وتناثر الحمّلات .. الأمر الذي كنت أنتظر سماعه كل لحظة .. وبذلك حوّلتُ مشهد النزوح إلى حدث ظهّرتُ فيه هزيمة الإحتلال.
.. يتبع