ارشيف من :أخبار لبنانية

الوثيقة السياسية لحزب الله (الجزء الاول)

الوثيقة السياسية لحزب الله (الجزء الاول)

أطل الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله عصر اليوم الاثنين 30-11-2009 للإعلان عن "الوثيقة السياسية" التي أقرَّها المؤتمر العام الذي عقده الحزب واستمرت أعماله على مدى أشهر. وعقد سماحته مؤتمراً صحافياً عبر الشاشة عرض فيه الوثيقة بحضور حشد من الشخصيات السياسية والإعلامية اللبنانية والعربية والأجنبية، وعدد من قيادات حزب الله على رأسها رئيس المجلس السياسي سماحة السيد ابراهيم امين السيد ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة الحاج محمد رعد وعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله.

وجاءت الوثيقة في 32 صفحة وتضمنت مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة وتناولت رؤية حزب الله تجاه المنطقة والعالم والهيمنة الغربية والأميركية والمشروع الأميركي، والتعاطي الداخلي في لبنان الدولة والنظام السياسي، والمقاومة ضد الاحتلال، والعلاقات اللبنانية - الفلسطينية، والعلاقات العربية والإسلامية والدولية. كما تناولت رؤية حزب الله تجاه قضية فلسطين والكيان الصهيوني، والقدس والمسجد الأقصى، والمقاومة الفلسطينية، ومفاوضات التسوية.

الوثيقة السياسية لحزب الله (الجزء الاول)
 
 
الوثيقة السياسية لحزب الله (الجزء الاول)
 
 
الوثيقة السياسية لحزب الله (الجزء الاول) 


المقدمة

 

تهدف هذه الوثيقة إلى تظهير الرؤية السياسية لحزب الله، حيث تنطوي على ما نراه من تصورات ومواقف وما نختزنه من آمال وطموحات وهواجس، وهي تأتي - قبل أي شيء آخر - نتاجاً لما خبرناه جيداً من أولوية الفعل وأسبقية التضحية.

ففي مرحلة سياسية إستثنائية وحافلة بالتحولات، لم يعد ممكناً مقاربة تلك التحولات من دون ملاحظة المكانة الخاصة التي باتت تشغلها مقاومتنا، أو تلك الرزمة من الإنجازات التي حققتها مسيرتنا. وسيكون ضرورياً إدراج تلك التحولات في سياق المقارنة بين مسارين متناقضَين وما بينهما من تناسب عكسي متنام:

  1. مسار المقاومة والممانعة في طوره التصاعدي الذي يستند إلى انتصارات عسكرية ونجاحات سياسية، وترسُّخ أنموذج المقاومة شعبياً وسياسياً، والثبات في المواقع والمواقف السياسية رغم ضخامة الإستهداف وجسامة التحديات..، وصولاً إلى إمالة موازين القوى في المعادلة الإقليمية لصالح المقاومة وداعميها.
  2. مسار التسلط والإستكبار الأميركي - الإسرائيلي بأبعاده المختلفة وتحالفاته وامتداداته المباشرة وغير المباشرة، والذي يشهد انكسارات أو انهزامات عسكريةً وإخفاقات سياسيةً، أظهرت فشلاً متلاحقاً للإستراتيجيات الأميركية ومشاريعها واحداً تلو الآخر، كل ذلك أفضى إلى حالة من التخبط والتراجع والعجز في القدرة على التحكم في مسار التطورات والأحداث في عالمنا العربي والإسلامي.

تتكامل هذه المعطيات في إطار مشهد دُوليّ أوسع، يُسهم بدوره في كشف المأزق الأميركي وتراجع هيمنة القطب الواحد لصالح تعددية لم تستقر ملامحها بعد. وما يعمّق أزمة النظام الإستكباري العالمي الإنهيارات في الأسواق المالية الأميركية والعالمية، ودخول الإقتصاد الأميركي في حالة تخبّط وعجز، والتي تعبِّر عن ذروة تفاقم المأزق البنيوي في الأنموذج الرأسمالي المتغطرس.

لذا يمكن القول: إننا في سياق تحولات تاريخية تُنذر بتراجع الولايات المتحدة الأميركية كقوة مهيمنة، وتحلُّلِ نظام القطب الواحد المهيمن، وبدايةِ تشكّل مسار الأفول التاريخي المتسارع للكيان الصهيوني. تقف حركات المقاومة في صُلب هذه التحولات، وتَبرُز كمعطًى إستراتيجي أساسي في هذا المشهد الدُّولي، بعد أن أدت دوراً مركزياً في إنتاج أو تحفيز ما يتصل من تلك التحولات بمنطقتنا.

لقد كانت المقاومة في لبنان، ومن ضمنها مقاومتنا الإسلامية، سبّاقةً إلى مواجهة الهيمنة والإحتلال قبل ما يزيد على عقدين ونصف من الزمن، وهي تمسكت بهذا الخيار في وقت بدا وكأنه تدشينٌ للعصر الأميركي الذي جرت محاولات تصويره وكأنه نهاية للتاريخ. وفي ظل موازين القوى والظروف السائدة آنذاك إعتبر البعض خيار المقاومة وكأنه ضربُ وهمٍ، أو تهورٌ سياسي، أو جنوحٌ مناقضٌ لموجبات العقلانية والواقعية.

رغم ذلك مضت المقاومة في مسيرتها الجهادية، وهي على يقين من أحقية قضيتها وقدرتها على صنع الإنتصار، من خلال الإيمان بالله تعالى والتوكل عليه، والإنتماء للأمة جمعاء، والإلتزام بالمصالح الوطنية اللبنانية، والثقة بشعبها، وإعلائها القيم الإنسانية في الحق والعدالة والحرية.

فعلى مدى مسارها الجهادي الطويل وعبر انتصاراتها الموصوفة، بدءاً من دحر الإحتلال الإسرائيلي في بيروت والجبل إلى هروبه من صيدا وصور والنبطية وعدوان تموز 1993 وعدوان نيسان 1996 والتحرير في أيار 2000 فحرب تموز 2006، أرست هذه المقاومة صدقيتها وأنموذجها قبل أن تصنع انتصاراتها، فراكمت حقبات تطوُّر مشروعِها من قوة تحرير إلى قوة توازن ومواجهة ومن ثَمّ إلى قوة ردعٍ ودفاع، مضافاً إلى دورها السياسي الداخلي كركن مؤثّر في بناء الدولة القادرة والعادلة.

بالتزامن مع ذلك، قُدِّر للمقاومة أن تطور مكانتها السياسية والإنسانية، فارتقت من كونها قيمةً وطنيةً لبنانيةً إلى كونها - أيضاً - قيمةً عربيةً وإسلاميةً متألقةً، وقد أصبحت اليوم قيمةً عالميةً وإنسانيةً يجري استلهام أنموذجها والبناء على إنجازاتها في تجارب وأدبيات كل الساعين من أجل الحرية والإستقلال في شتى أنحاء المعمورة.

إنّ حزب الله رغم إدراكه لتلك التحولات الواعدة، وما يراه من مراوحة العدو بين عجز استراتيجية الحرب لديه والعجز عن فرض التسويات بشروطه، فإنه لا يستهين بحجم التحديات والمخاطر التي لا تزال ماثلةً، ولا يُقَلِّل من وعورة مسار المواجهة وحجم التضحيات التي تستوجبها مسيرة المقاومة واسترداد الحقوق والمساهمة في استنهاض الأمة، إلاّ أنه - في قبال ذلك - قد بات أشد وضوحاً في خياراته وأمضى عزيمةً في إرادته وأكثر ثقةً بربّه ونفسه وشعبه.

في هذا السياق، يحدِّد حزب الله الخطوط الأساسية التي تشكّل إطاراً فكرياً – سياسياً لرؤيته ومواقفه تجاه التحديات المطروحة.

 

الوثيقة السياسية لحزب الله

المقدمة

• الفصل الأول: الهيمنة والإستنهاض
أولاً: العالم والهيمنة الغربية والأميركية
ثانياً: منطقتنا والمشروع الأميركي

• الفصل الثاني: لبـنان
أولاً: الوطـن
ثانياً: المقاومة
ثالثاً: الدولة والنظام السياسي
رابعاً: لبنان والعلاقات اللبنانية - الفلسطينية
خامساً: لبنان والعلاقات العربية
سادساً: لبنان والعلاقات الإسلامية
سابعاً: لبنان والعلاقات الدُّولية

• الفصل الثالث: فلسطين ومفاوضات التسوية
أولاً: قضية فلسطين والكيان الصهيوني
ثانياً: القدس والمسجد الأقصى
ثالثاً: المقاومة الفلسطينية
رابعاً: مفاوضات التسوية

• الخاتمة

(الفصل الأول) - الهيمنـة والإستنهـاض

أولاً : العالم والهيمنة الغربية والأميركية

بعد الحرب العالمية الثانية باتت الولايات المتحدة صاحبةَ مشروع الهيمنة المركزي والأول، وعلى يديها شهد هذا المشروع تطوراً هائلاً في آليات التسلط والإخضاع غير المسبوقة تاريخياً، مستفيدةً في ذلك من حصيلة مركّبة من الإنجازات المتعددة الأوجه والمستويات العلمية والثقافية والمعرفية والتكنولوجية والإقتصادية والعسكرية، والمدعومة بمشروع سياسي إقتصادي لا ينظر إلى العالم إلاّ بوصفه أسواقاً مفتوحةً ومحكومةً لقوانينها الخاصة.

إنّ أخطر ما في منطق الهيمنة الغربي عموماً، والأميركي تحديداً، هو اعتباره منذ الأساس أنه يمتلك العالم، وأنّ له حق الهيمنة من منطلق التفوق في أكثر من مجال، ولذا باتت الإستراتيجية التوسعية الغربية - وبخاصة الأميركية - ومع اقترانها بالمشروع الإقتصادي الرأسمالي إستراتيجيةً عالميةَ الطابع، لا حدود لأطماعها وجشعها.

إنّ تحكّم قوى الرأسمالية المتوحشة، المتمثلة على نحوٍ رئيسٍ بشبكات الإحتكارات الدُّولية من شركات عابرة للقوميات بل وللقارات، والمؤسسات الدُّولية المتنوعة، وخصوصاً المالية منها، والمدعومة بقوة فائقة عسكرياً، أدى الى المزيد من التناقضات والصراعات الجذرية، ليس أقلها اليوم: صراعات الهويات والثقافات وأنماط الحضارات، إلى جانب صراعات الغنى والفقر.

لقد حولت الرأسمالية المتوحشة العولمةَ إلى آلية لبث التفرقة وزرع الشقاق وتدمير الهويات وفرض أخطر أنواع الإستلاب الثقافي والحضاري والإقتصادي والإجتماعي. بلغت العولمة حدَّها الأخطر مع تحولها إلى عولمة عسكرية على أيدي حاملي مشروع الهيمنة الغربي، والتي شهدنا أكثر تعبيراتها في منطقة الشرق الأوسط، بدءاً من أفغانستان إلى العراق وفلسطين فلبنان، الذي كان نصيبه منها عدواناً شاملاً في تموز العام 2006 وذلك باليد الإسرائيلية.

لم يبلغ مشروع الهيمنة والتسلط الأميركي مستوياتٍ خطرةً كما بلغها مؤخراً، لا سيما منذ العقد الأخير من القرن العشرين وحتى اليوم، وذلك في مسار تصاعدي إتخذ من سقوط الإتحاد السوفياتي وتفككه نقطة انطلاق، لما شكّله من فرصة تاريخية في الحسابات الأميركية للإستفراد بقيادة مشروع الهيمنة عالمياً، وذلك باسم المسؤولية التاريخية وبأنّ لا تمييز بين مصلحة العالم والمصلحة الأميركية، ما يعني تسويق الهيمنة كمصلحة لباقي الدول والشعوب لا بوصفها مصلحةً أميركيةً بحتةً.

لقد بلغ هذا المسار ذروته مع إمساك تيار المحافظين الجدد بمفاصل إدارة "بوش" الابن، هذا التيار الذي عبّر عن رؤاه الخاصة من خلال وثيقة "مشروع القرن الأميركي الجديد".

لم يكن غريباً ولا مفاجئاً أن يكون أكثرُ ما أكدت عليه هذه الوثيقة مسألةَ إعادة بناء القدرات الأميركية، والتي عكست رؤيةً استراتيجيةً جديدةً للأمن القومي الأميركي، بدا واضحاً تماماً أنها ترتكز على بناء قدرات عسكرية ليس باعتبارها قوة ردع فقط وإنما أيضاً باعتبارها قوة فعل وتدخّل، سواء للقيام بعمليات "وقائية" عن طريق توجيه ضربات إستباقية أم لأغراض علاجية من خلال التعامل مع الأزمات بعد وقوعها.

وجدت إدارة "بوش" بُعيد أحداث 11 أيلول 2001، أنها أمام فرصة سانحة لممارسة أكبر قَدْر من النفوذ والتأثير، من خلال وضع رؤيتها الإستراتيجية للهيمنة المنفردة على العالم موضع التطبيق تحت شعار "الحرب الكونية على الإرهاب"، وهكذا قامت هذه الإدارة بمحاولات إعتُبرت ناجحةً في بدايتها وفق التالي:

  1. عسكرة علاقاتها وسياساتها الخارجية إلى الحد الأقصى.
  2. تجنّب الإعتماد على الأطر المتعددة الأطراف، والإنفراد باتخاذ القرارات الإستراتيجية، والتنسيق حيث هناك ضرورة، ومع حلفاء يمكن الركون إليهم.
  3. حسم الحرب في أفغانستان بسرعة للتفرغ بعد ذلك للخطوة التالية والأهم في مشروع الهيمنة ألا وهي: السيطرة على العراق، الذي اعتُبر نقطة الإرتكاز الرئيسة لإقامة شرق أوسط جديد يتناسب مع متطلبات عالم ما بعد 11 أيلول. ولم تتورع هذه الإدارة عن اللجوء إلى كل أساليب التمويه والخداع والكذب الصريح لتبرير حروبها، لا سيما الحرب على العراق، وضد كل مَن يقاوم مشروعَها الإستعماري الجديد من دول وحركات وقوى وشخصيات. وفي هذا الإطار عمدت هذه الإدارة إلى إقامة تطابق بين مقولة "الإرهاب" ومقولة "المقاومة" لتنزع عن المقاومة شرعيتَها الإنسانية والحقوقية، وتبرّر بالتالي خوض الحروب على أنواعها ضدها، في سياق إزالة آخر حصون دفاع الشعوب والدول عن حقها بالعيش بحرية وكرامة وعزة، وعن حقها بسيادة غير منقوصة وببناء تجاربها الخاصة وأخذ مواقعها وأدوارها في حركة التاريخ الإنساني حضارياً وثقافياً.

لقد تحوّل عنوان "الإرهاب" إلى ذريعة أميركية للهيمنة من خلال أدوات: الملاحقة/ الضبط والإعتقال التعسفي/ إفتقاد أبسط مقومات المحاكمات العادلة، كما نجدها في معتقلات "غوانتنامو"، ومن خلال التدخل المباشر في سيادة الدول وتحويلها إلى ماركة مسجلة للتجريم التعسفي واتخاذ إجراءات معاقَبة تطال شعوباً بأسرها، وصولاً إلى منح نفسها حقاً مطلقاً بشن حروب تدميرية وماحقة لا تميز بين البريء والمجرم، ولا بين الطفل والشيخ والمرأة والشاب.

لقد بلغت كلفة حروب الإرهاب الأميركية حتى الآن الملايين من البشر فضلاً عن مظاهر الدمار الشاملة، التي لم تُصِب الحجر والبنى التحتية فحسب وإنما بنية ومكونات المجتمعات نفسها، حيث جرى تفكيكها، وعَكْس مسار تطورها التاريخي، في عملية ارتكاس أعادت إنتاج صراعات أهلية ذات أبعاد مذهبية وطائفية وعرقية لا تنتهي. هذا من غير أن ننسى استهداف المخزون الثقافي والحضاري لهذه الشعوب.

لا شك أنّ الإرهاب الأميركي هو أصل كل إرهاب في العالم، وقد حولت إدارة "بوش" الولايات المتحدة إلى خطر يتهدد العالم بأسره على كل الصعد والمستويات. ولو جرى اليوم استطلاعٌ عالميٌّ للرأي لظهرت الولايات المتحدة كأكثر دولة مكروهة في العالم.

إنّ الإخفاق الذي مُنيت به الحرب على العراق، وتطور حالة المقاومة فيه والإمتعاض الإقليمي والدُّولي من نتائج هذه الحرب، وفشل ما يسمى "الحرب على الإرهاب" خصوصاً في أفغانستان، وكذلك الفشل الذريع للحرب الأميركية على المقاومة في لبنان وفلسطين بأدوات إسرائيلية، أدت إلى تآكل الهيبة الأميركية دُوليّاً وإلى تراجع استراتيجي في قدرة الولايات المتحدة على الفعل أو خوض المغامرات الجديدة.

إلاّ أنّ ما تقدَّم لا يعني بأنّ الولايات المتحدة ستُخْلي الساحة بسهولة، بل ستقوم بكل ما يلزم من أجل حماية ما تسمّيه "مصالحها الإستراتيجية"، ذلك لأنّ سياسات الهيمنة الأميركية تنهض على اعتبارات إيديولوجية ومشاريع فكرية، تغذّيها اتجاهاتٌ متطرفةٌ متحالفةٌ مع مركّب صناعي - عسكري لا حدود لجشعه وأطماعه.

 

اقرأ الجزء الثاني من الوثيقة

اضغط هنا

2009-11-30