ارشيف من :ترجمات ودراسات
لا نامت أعين.. الأغبياء!!
(الكرامة) باتت محشورة في ملعبٍ لكرة القدم.. أو كرة تتقاذفها الأقدام!!
لؤي توفيق حسن (*)
لم يكن الواقع يوماً صريحاً كاشفاً عن إمكانياته، مبدداً لما اعتراه من أوهام كحاله هذه الأيّام. سواء هنالك فيما وراء الأطلسي، أو هنا على امتداد عالمنا العربي.
هناك أظهرت الوقائع بأنّ سياسة واشنطن في عهد اوباما لا تختلف في الجوهر عن سياسة سابقه بوش الابن.
أما هنا فقد بلغ فقدان المناعة حداً من التدهور كانت من تجلياته الأخيرة في أولئك الذين يتفرجون على (أبو مازن) وقد وصل الى الطريق المسدود الذي شجعوه هم على السير فيه. الأدهى من ذلك أنّ (صداقة) هؤلاء لأمريكا لم تحفظ لوجوههم ماءً يريقونه جرّاء استخفاف اسرئيل بالمشاعر والقيم وهي تتطلع للاستيلاء على "أولى القبلتين وثاني الحرمين الشريفين". هذا ما لم يتداعَ الأقصى بفعل الحفريات الإسرائيلية المتعمدة أسفله.
قديم جديد
اعتقد العديد من المراقبين العرب بأنّ مجيء أوباما المكروه من قبل اللوبي الصهيوني هو انتصار على هذا الأخير يسمح بتوقع الكثير من هذا الرئيس الجديد. ولعلّ هذا الاعتقاد مبنيّ على فكرة نمطية سائدة تفترض بأنّ اللوبي الصهيوني هو الموجّه للسياسات الأمريكية. بل بعضهم من يذهب الى القول بأكثر من هذا.
أما الحقيقة فهي غير ذلك تماماً. فهذا الحجم الذي يبدو فيه اللوبي المذكور خدعة بصرية. وليس ذلك انتقاصاً من قدراته. وانّما تحديداً أدق لموقعه تحت سقف الخيارات الاستراتيجية للولايات المتحدة. بدليل أنّه عندما فكّرت اسرائيل بالقفز فوق هذا السقف في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، لم يكن هذا اللوبي مؤثراً حيال ما اتخذته واشنطن آنذاك من مواقف أفشلت العدوان المذكور.
لكنّ الحقيقة كل الحقيقة أن اسرائيل ـ مع اللوبي أو بدونه! ـ دولة وظيفية في الاستراتيجية الأميركية، ومن قبل في الأوروبية. ومهمتها كانت وما زالت شرطياً للمنطقة في وجه أيّ نهج استقلالي، أو اتجاه وحدوي عربي. ولهذا الأخير بالذات زرعت اسرائيل في فلسطين لتكون حاجزاً بين آسيا العربية، وأفريقيا العربية. هذه الفكرة بالذات تعود لنابوليون بونابارت، وكانت من أهداف حملته على الشرق عام 1799. وانطلاقاً من هذا يقول المؤرخون السياسيون بأنّ "اسرائيل فكرة فرنسية وصناعة بريطانية".
تجدر الإشارة هنا الى أنّ تضخيم دور اللوبي الصهيوني دعاية روّجت لها مراكز القرار في واشنطن لتوحي للعرب بضرورة مقابلة هذا اللوبي بآخر عربي داخل أمريكا، وعلى قاعدة من التوظيفات المالية. وعبر ذلك جرى استدراج أموال عربية بعضها صُرف على حملات انتخابية داخل أمريكا، وكانت بلا مردود سياسي. وأما ما جرى استثماره أو ايداعه في البنوك فقد تحوّل الى رهينة بيد أمريكا. لكن يظلّ الأدهى والأمرّ ما كشف عنه "جون بركنز" في كتابه " اعترافات رجل الاقتصاد المضارب". حيث ذكر بأنّ إنفاق عائدات النفط لبعض الدول العربية يخضع لإشراف لجنة مشتركة من ممثلي كل دولة نفطية ووزارة المالية الأميركية بوصف هذه الأموال "احتياطيا نقديا" بتصرّف هذه الأخيرة. وتتحدد آليات الإنفاق بموجب بروتوكول سرّي بين الطرفين.
بكلّ الأحوال فإنّ هذا التضخيم لقدرات اللوبي الصهيوني (حيلة خبيثة) غايتها من جانب آخر التشويش على الرؤية. فتبدو أمريكا مجرّد ساحة وليست طرفاً حتّى تصبح المعركة عليها وليست معها. وفي هذه الصيغة سيبدو (أصدقاؤها ) من العرب في أوضاع (نضالية!!) وهم يجاهدون فيها بأموالهم في وجه الصهيونية!!!.
على أيّ حال فقد باتت هذه المخاتلة من الماضي. أي قبل أن تتساقط (ورقة التوت) وتظهر الأشياء على حقيقتها كما سنأتي على ذكرها.
تهافت
برزت بوضوح توجهات جديدة داخل بعض دوائر مؤسسات القرار في واشنطن ـ (Establishment) ـ غايتها تحسين صورة أمريكا في العالمين العربي والإسلامي. وتفادي المطبّات التي وقعت بها الإدارة السابقة.
لا شكّ بأنّ أوباما يمثّل هذا التوجه. لكن مما لا شك فيه أيضاً بأنّه لا يملك أن ينفرد في صناعة القرار. بل حتّى لو أراد جدل أن يتجاوز من خلال مقاربة جديدة "لقضية الشرق الأوسط" ستصدمه (خبايا) الملفات التي انكشفت أمامه بعد دخوله البيت الأبيض. ولم تكن المفاجأة فيها لتلك المساحة الكبيرة التي تشغلها اسرائيل في حسابات أميركا الشرق اوسطية، بقدر المساحة التي تستحوذ عليها اسرائيل في حسابات بعض الأنظمة العربية!!!.
ولعلّ هذا التهافت بل الاستلاب يأتي متخلفاً عن رؤية بعض المسؤولين الأميركيين أنفسهم!. لكنّه بكلّ الأحوال يصبّ في خانة اسرائيل ومكانتها أمريكياً بوصفها ( استثمار استراتيجي) ناجح وناجع في لغة اميركا السياسية. بدليل أنّها طوّعت من العرب من طوعتهم حتّى استطاعت أن تتغلغل في العقل السياسي لأصحاب القرار ـ هذا ان جاز التعبير! ـ. يتجلّى ذلك الآن في اعتبارهم لاسرائيل معادلا استراتيجيا في وجه (الخطر الإيراني)!. مع الانتقال في ذلك الى حيّز التنسيق العسكري بغية رصد واعتراض الصواريخ الإيرانية التي قد تستهدف الكيان الصهيوني. هذه العملية التي جرى اختبارها فيما أعلن عنه من مناورات أمريكية إسرائيلية. وفي ما لم يعلن عنه من اشتراك أطراف عربية في هذه المناورات.
لعلّ في ذلك ما يكفي لفهم هذا الصمت العربي حيال القضية المركزية، قضية فلسطين، أو ما تبقّى منها. في القدس الجاري تهويدها. الضفّة الغربية التي يتمّ هضم أراضيها قطعة قطعة. وخنق غزّة حتّى الموت بمشاركة أطراف عربية مندفعة حدّ معاتبة تركيا على تصدّيها السياسي للحصار!.
أما الشعوب فقد اختلقوا لها ملهاة ليصرفوها عن المعركة الحقيقية. فبات الذود عن (حياض الأمّة) في ذلك القتال العبثي على جانبي الحدود اليمنية. فيما (الحرص على الحقوق) يشخّص في افتعال خلاف حدودي بين أبو ظبي والسعودية!. أما (الكرامة) التي ما تركوا وسيلةً إلا واستنفروها لها، فباتت محشورة في ملعبٍ لكرة القدم.. أو كرة تتقاذفها الأقدام!!.
فلا نامت أعين .. الأغبياء!!.
(*) كاتب من لبنان