ارشيف من :أخبار عالمية
الحكومة الصومالية بين العجز الذاتي والخذلان الأميركي
عقيل الشيخ حسين
الحكومة الصومالية المدعومة دولياً، وميدانياً من قبل قوات السلام الإفريقية، والتي يقودها شيخ شريف شيخ أحمد، تطلق منذ تشكيلها، نداءات الاستغاثة مطالبةً بدعم دولي، أميركي تحديداً، للوقوف في وجه تصاعد حركة المقاومة التي تقودها حركة الشباب المجاهدين والحزب الإسلامي. لكن جميع المؤشرات تذهب باتجاه مغاير لرغبات الحكومة، في وقت لا يبدو فيه أن الإدارة الأميركية المتخبطة في ملفات ليس أقلها الملف الأفغاني، تضع الصومال على رأس أولوياتها.
في حزيران/ يونيو الماضي حدث تفجير في بلدة بالدوين الصومالية، وهي من الأمكنة القليلة التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً، والتي يقودها الرئيس شيخ شريف شيخ أحمد، بسبب قربها من الحدود الإثيوبية الداعمة لهذه الحكومة. وقد قتل في التفجير 19 شخصاً بينهم وزير الداخلية الصومالي.
يومها وجهت الحكومة الصومالية نداءات استغاثة إلى المجتمع الدولي طالبته فيه بالمساعدة على إعادة الاستقرار إلى الصومال. وقد جاء هذا الحدث بعد ستة أشهر من انتخاب شيخ شريف في جيبوتي، وهو الانتخاب الذي اعتبر غير شرعي من قبل الحركات الإسلامية التي اعتبرت هذا الانتخاب الذي تم تحت إشراف الأمم المتحدة وبتشجيع أميركي، مؤشراً على تراجع قائد المحاكم الإسلامية عن أهداف هذه المحاكم، وحتى عن الإسلام.
وقبل أيام، في 3 كانون الأول/ ديسمبر، حدث تفجير في أحد فنادق العاصمة موقاديشو، حيث كان يجري احتفال بتخريج دفعة من الطلاب بحضور معظم الوزراء وحشد من كبار المسؤولين الحكوميين. وكانت النتيجة مقتل 23 شخصاً بينهم 3 وزراء، هم وزير التعليم العالي ووزير التربية ووزيرة الصحة.
وبالمناسبة، وفي وقت باتت فيه قوات حركة الشباب المجاهدين والحزب الإسلامي تسيطر على معظم الأراضي الصومالية وعلى القسم الأكبر من موقاديشو العاصمة، أطلق رئيس الوزراء الصومالي عبد الرشيد علي شارماركي تصريحات يمكن اعتبارها نداء استغاثة جديداً، لكنه مسلح هذه المرة بحجج ونصائح تتوخى إقناع الإدارة الأميركية بالتدخل في الصومال، أسوة بما تفعله في أفغانستان، مع عرض للمغريات التي يتمتع بها الصومال. ومع إحساس ظاهر بالخذلان الذي غالباً ما تبوء به القوى التي تربط نفسها بعجلة السياسة الأميركية التي لا تتردد لحظة عن "دهسها" تبعاً لما تقتضيه المعادلات والمصالح البراغماتية.
فقد أبدى رئيس الوزراء تفاؤله باستراتيجية أوباما الجديدة بشأن أفغانستان ورأى فيها تغيراً كبيراً في التأييد الدولي لما أسماه بالدول المضطربة، آملاً فيما يبدو أن تقيم الولايات المتحدة تحالفاً دولياً لدعم الحكومة الصومالية على غرار ما فعلته في أفغانستان. ومؤكداً أن التدخل مضمون النتائج وتكلفته لا تبلغ ربع ما ينفق على مكافحة القرصنة في المياه الصومالية. وملوحاً بمغريات كالثروة السمكية والنفط والغاز وغير ذلك من ثروات الصومال.
لكن المشكلة هي في كون رئيس الوزراء لا يدرك، فيما يبدو، طبيعة محركات السياسة الأميركية المحكومة بعدد كبير من المعايير التي تحول بينها وبين تلبية رغباته، بشكل كامل.
فأميركا، والحق يقال، دعمت الحكومة الموقّتة التي أطاحت بها المحاكم الإسلامية صيف العام 2006، ولكن عن طريق دفع إثيوبيا إلى التدخل. ثم دعمت انتخاب زعيم المحاكم الإسلامية، الذي أطاح به التدخل الإثيوبي، بعد أن تطورت حركة المقاومة وأجبرت الغزاة الإثيوبيين على الرحيل، لأنها وجدت فيه خياراً سيئاً يظل أفضل من الخيار الأسوأ. فقد زودته بالسلاح وقامت الطائرات الأميركية بقصف مواقع الحركات الإسلامية المناوئة له أكثر من مرة. كما اتخذت، باعتراف الواشنطن بوست، قراراً على أعلى المستويات بعدم السماح بسقوط الحكومة. وكانت بالتأكيد وراء إرسال قوات الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام والتي تضطلع بمهمة حماية الحكومة "الشرعية" في الأمكنة القليلة التي ما تزال تسيطر عليها في الصومال.
لكن أميركا التي خرج جيشها مندحراً من الصومال في العام 1995 بعد أن مني بخسائر بشرية كبيرة، لا يبدو أنها مستعدة لتكرار التجربة. وهي تعوّل باعتراف الناطق باسم وزارة خارجيتها، إيان كيلي، على الصوماليين، مع التأكيد بأن الولايات المتحدة ستعمل إلى جانب المجتمع الدولي وبالتعاون مع الشعب الصومالي للمساعدة من أجل وضع حد للنزاع... من دون أية إشارة إلى التدخل الذي تنشده الحكومة الصومالية.
كما أن أميركا المتورطة في العراق وافغانستان وباكستان والمتخبطة في العديد من الملفات الاستراتيجية الأخرى، لا تبدو مهتمة بفتح جبهة في الصومال، إلا بقدر ما يمكنها تأمين ذلك بالوكالة، عن طريق الصوماليين أنفسهم وقوات حفظ السلام أو البلدان المجاورة، كإثيوبيا وكينيا، اللتين لا تشجعهما التجارب الفاشلة السابقة على المغامرة في تجارب جديدة. ما يعني أن الحكومة الصومالية قد تركها الأميركيون لمصيرها، شأن ما فعلوه، في السابق، مرات ومرات مع حكومات وجماعات موالية، وشأن ما سيضطرون إلى فعله، في اللاحق الوشيك، مع حكومات وجماعات من النوع نفسه. فالنجاء النجاء قبل فوات الأوان، يا تلك الحكومات والجماعات!
الحكومة الصومالية المدعومة دولياً، وميدانياً من قبل قوات السلام الإفريقية، والتي يقودها شيخ شريف شيخ أحمد، تطلق منذ تشكيلها، نداءات الاستغاثة مطالبةً بدعم دولي، أميركي تحديداً، للوقوف في وجه تصاعد حركة المقاومة التي تقودها حركة الشباب المجاهدين والحزب الإسلامي. لكن جميع المؤشرات تذهب باتجاه مغاير لرغبات الحكومة، في وقت لا يبدو فيه أن الإدارة الأميركية المتخبطة في ملفات ليس أقلها الملف الأفغاني، تضع الصومال على رأس أولوياتها.
في حزيران/ يونيو الماضي حدث تفجير في بلدة بالدوين الصومالية، وهي من الأمكنة القليلة التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً، والتي يقودها الرئيس شيخ شريف شيخ أحمد، بسبب قربها من الحدود الإثيوبية الداعمة لهذه الحكومة. وقد قتل في التفجير 19 شخصاً بينهم وزير الداخلية الصومالي.
يومها وجهت الحكومة الصومالية نداءات استغاثة إلى المجتمع الدولي طالبته فيه بالمساعدة على إعادة الاستقرار إلى الصومال. وقد جاء هذا الحدث بعد ستة أشهر من انتخاب شيخ شريف في جيبوتي، وهو الانتخاب الذي اعتبر غير شرعي من قبل الحركات الإسلامية التي اعتبرت هذا الانتخاب الذي تم تحت إشراف الأمم المتحدة وبتشجيع أميركي، مؤشراً على تراجع قائد المحاكم الإسلامية عن أهداف هذه المحاكم، وحتى عن الإسلام.
وقبل أيام، في 3 كانون الأول/ ديسمبر، حدث تفجير في أحد فنادق العاصمة موقاديشو، حيث كان يجري احتفال بتخريج دفعة من الطلاب بحضور معظم الوزراء وحشد من كبار المسؤولين الحكوميين. وكانت النتيجة مقتل 23 شخصاً بينهم 3 وزراء، هم وزير التعليم العالي ووزير التربية ووزيرة الصحة.
وبالمناسبة، وفي وقت باتت فيه قوات حركة الشباب المجاهدين والحزب الإسلامي تسيطر على معظم الأراضي الصومالية وعلى القسم الأكبر من موقاديشو العاصمة، أطلق رئيس الوزراء الصومالي عبد الرشيد علي شارماركي تصريحات يمكن اعتبارها نداء استغاثة جديداً، لكنه مسلح هذه المرة بحجج ونصائح تتوخى إقناع الإدارة الأميركية بالتدخل في الصومال، أسوة بما تفعله في أفغانستان، مع عرض للمغريات التي يتمتع بها الصومال. ومع إحساس ظاهر بالخذلان الذي غالباً ما تبوء به القوى التي تربط نفسها بعجلة السياسة الأميركية التي لا تتردد لحظة عن "دهسها" تبعاً لما تقتضيه المعادلات والمصالح البراغماتية.
فقد أبدى رئيس الوزراء تفاؤله باستراتيجية أوباما الجديدة بشأن أفغانستان ورأى فيها تغيراً كبيراً في التأييد الدولي لما أسماه بالدول المضطربة، آملاً فيما يبدو أن تقيم الولايات المتحدة تحالفاً دولياً لدعم الحكومة الصومالية على غرار ما فعلته في أفغانستان. ومؤكداً أن التدخل مضمون النتائج وتكلفته لا تبلغ ربع ما ينفق على مكافحة القرصنة في المياه الصومالية. وملوحاً بمغريات كالثروة السمكية والنفط والغاز وغير ذلك من ثروات الصومال.
لكن المشكلة هي في كون رئيس الوزراء لا يدرك، فيما يبدو، طبيعة محركات السياسة الأميركية المحكومة بعدد كبير من المعايير التي تحول بينها وبين تلبية رغباته، بشكل كامل.
فأميركا، والحق يقال، دعمت الحكومة الموقّتة التي أطاحت بها المحاكم الإسلامية صيف العام 2006، ولكن عن طريق دفع إثيوبيا إلى التدخل. ثم دعمت انتخاب زعيم المحاكم الإسلامية، الذي أطاح به التدخل الإثيوبي، بعد أن تطورت حركة المقاومة وأجبرت الغزاة الإثيوبيين على الرحيل، لأنها وجدت فيه خياراً سيئاً يظل أفضل من الخيار الأسوأ. فقد زودته بالسلاح وقامت الطائرات الأميركية بقصف مواقع الحركات الإسلامية المناوئة له أكثر من مرة. كما اتخذت، باعتراف الواشنطن بوست، قراراً على أعلى المستويات بعدم السماح بسقوط الحكومة. وكانت بالتأكيد وراء إرسال قوات الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام والتي تضطلع بمهمة حماية الحكومة "الشرعية" في الأمكنة القليلة التي ما تزال تسيطر عليها في الصومال.
لكن أميركا التي خرج جيشها مندحراً من الصومال في العام 1995 بعد أن مني بخسائر بشرية كبيرة، لا يبدو أنها مستعدة لتكرار التجربة. وهي تعوّل باعتراف الناطق باسم وزارة خارجيتها، إيان كيلي، على الصوماليين، مع التأكيد بأن الولايات المتحدة ستعمل إلى جانب المجتمع الدولي وبالتعاون مع الشعب الصومالي للمساعدة من أجل وضع حد للنزاع... من دون أية إشارة إلى التدخل الذي تنشده الحكومة الصومالية.
كما أن أميركا المتورطة في العراق وافغانستان وباكستان والمتخبطة في العديد من الملفات الاستراتيجية الأخرى، لا تبدو مهتمة بفتح جبهة في الصومال، إلا بقدر ما يمكنها تأمين ذلك بالوكالة، عن طريق الصوماليين أنفسهم وقوات حفظ السلام أو البلدان المجاورة، كإثيوبيا وكينيا، اللتين لا تشجعهما التجارب الفاشلة السابقة على المغامرة في تجارب جديدة. ما يعني أن الحكومة الصومالية قد تركها الأميركيون لمصيرها، شأن ما فعلوه، في السابق، مرات ومرات مع حكومات وجماعات موالية، وشأن ما سيضطرون إلى فعله، في اللاحق الوشيك، مع حكومات وجماعات من النوع نفسه. فالنجاء النجاء قبل فوات الأوان، يا تلك الحكومات والجماعات!