ارشيف من :ترجمات ودراسات

لا خيار عسكرياً اسرائيلياً ضد النووي الايراني

لا خيار عسكرياً اسرائيلياً ضد النووي الايراني

حسان ابراهيم

تبدو اسرائيل في مرحلة مخاض عسير، وتقف أمام عتبة قرار إشكالي حول ايران: هل تلجأ الى خيار عسكري طالما تحدثت عنه، وتُقدم على شن هجوم يؤدي الى انهاء التهديد النووي الايراني، او على الاقل تأخير ايران نووياً لسنوات عدة، ام انها تلجأ الى التكيف مع واقع جديد في المنطقة لم تكن فيه منذ قيامها، اي ثنائية نووية مع ايران، وخسارة الفوائد التي كانت تتمتع بها أمام اعدائها؟

تدرك اسرائيل ان المرحلة حرجة جدا فيما يتعلق بخياراتها المتاحة حيال البرنامج النووي الايراني وطرق صدّه، فالمكانة والبيئة الاستراتيجية التي تتمتع بها طهران، قياساً على البيئة الاستراتيجية لتل ابيب، والمرتبطة بدورها بالمصلحة الاميركية ومشاريعها في المنطقة، لا تبشّر اسرائيل بامكان الحيلولة دون المساعي النووية الايرانية بطرق عسكرية، ناهيك عن انها مؤمنة بأن الطرق غير العسكرية غير ذات فائدة ولن توصل الى نتائج، قياسا بالتصميم الايراني على المضي قدما، مهما كانت العواقب والاثمان.

في المرحلة السابقة، اتاحت الرهانات والحلول المطروحة لملف ايران النووي من قبل الغرب، تجنيب اسرائيل وجوب اتخاذ قرار لا بد من اتخاذه، سلبا او ايجابا، ومنها خيارات غير محمودة العواقب وتتركها مكشوفة امام اعدائها. راهنت اسرائيل ومنذ بداية الحديث عن برنامج نووي لايران، على إمكانية منع تسريب التقنية النووية من روسيا او الصين، وهذا كان اتجاه عمل اسرائيل في تلك الفترة، ولدى تبيّن ان المسألة لا تتعلق بتهريب تقنيات، عادت للمراهنة على انه ليس بمقدور الجمهورية الاسلامية تخطّي الصعوبات العملية فيما يتعلق بالتقنيات النووية، بل رأت ان السنوات المقبلة والحراك الداخلي في ايران كفيلان بانهاء النظام الايراني، قبل ان تصل ايران الى المكانة النووية.

عادت اسرائيل في العام 2003 الى الرهان على العامل الاميركي، بعد فشل مراهناتها السابقة، فاحتلال الجيش الاميركي للعراق كان مغريا لاسرائيل ويمكن المراهنة عليه، اذ رأت ان تداعيات الوجود العسكري الاميركي المباشر في المنطقة، مع نية واضحة من قبل واشنطن لاسقاط الانظمة المعادية لاسرائيل فيها، كفيلة بردع ايران ومنعها من مواصلة مساعيها النووية، بل كان الرهان قائما على امكان انهاء النظام نفسه، ونسيان كل تهديد صادر او ممكن الوجود، من طهران.
في مرحلة سقوط مشروع ادارة بوش، وبعدها مجيء ادارة اميركية جديدة تدعو الى الخيار التسووي مع ايران، تظهر احاديث اسرائيلية وجود مراهنة ما على امكان الوصول الى الهدف بوسائل غير عسكرية، من خلال تفعيل عقوبات قاسية وجدية على ايران، تدفعها الى ايقاف برنامجها النووي.. برغم ان الرأي السائد في اسرائيل بدأ يتجه في المرحلة الاخيرة الى النقيض من ذلك، اذ ان التصميم الايراني كبير جدا، وطهران تتابع مساعيها، مهما كانت الاثمان، وهذا ما ظهر اخيرا في عروض الغرب وما اعقب اتفاقية فيينا الاخيرة.

بناءً على كل ذلك، ترى اسرائيل ان العام المقبل سيكون عاما حاسما حيال ايران، اذ سيتبين ان خيار العقوبات لن يوصل الى نتائج ملموسة ومرغوب فيها، وبالتالي سيواجه الغرب تحديا من نوع اخر، وسيكون امام قرار من اثنين: يلجأ الى حل ما شكلي يؤمّن نقطة خروج مشرّفة قبالة الايرانيين، وبالتالي يبقي على التهديد النووي قائما ضد اسرائيل، او يلجأ الى الخيار العسكري وينهي المسألة الايرانية من اساسها. والخياران غير متساويين من منظور اسرائيلي، اذ ان خيار الخروج بحل شكلي هو اكثر الحلين امكانية، في ظل المصلحة الاميركية في المنطقة، التي وضعت استراتيجياتها في كل من العراق وافغانستان قيد التطبيق، واخر ما تريده واشنطن هو ضرب هذه الاستراتيجية، وخاصة ان لايران القدرة الفعلية على تعطيل توجهات اميركا في المنطقة.

يعني ذلك ان اسرائيل، في العام المقبل، ستكون امام واقع لم تكن فيه من قبل: عليها ان تقرر وحيدة ومنفردة كيف تتعامل مع ايران التي وصلت الى حافة القنبلة النووية، كما تقول، مع خيارات محدودة من ناحية عسكرية واقصى ما يمكن ان تنتجه هو تأخير ايران نظريا لعدة سنوات، لكن مع امكان انطلاق المشروع النووي من جديد وبسرعة اكبر من ذي قبل، الا ان الاكثر احراجا لاسرائيل انها ستلعب وتراهن على ان تدفع اميركا من مصالحها، اي ان تصويبها الى ايران عسكريا يعني بصورة غير مباشرة تصويبا نحو المصلحة الاميركية نفسها.

وبرغم ان اسرائيل تواصل الى الان تمسكها بانها قادرة على فعل شيء ما، مع ادراكها جيدا لقدراتها وحدود هذه القدرات حيال ايران، بدأت بالفعل ترسل اشارات دالة على التراجع وتمكنها من الرجوع الى الخلف في وقت الاستحقاق الحقيقي حيال ايران، وتحديدا فيما يتعلق بالحكومة الاسرائيلية الحالية، ورئيسها بنيامين نتنياهو. كان اخر هذه الاشارات ما ورد في صحيفة هآرتس، في تقرير لا يبدو ان رئيس الحكومة الاسرائيلية بعيد عن تسريبه، خاصة ان كاتبي التقرير هما: الوف بن، المحلل السياسي والقريب من دوائر القرار الاسرائيلي، بل مقرب من نتنياهو نفسه، وايضا محلل الصحيفة للشؤون العسكرية، عاموس هرئيل، المعروف بقربه من المؤسسة العسكرية الاسرائيلية.. اذ رأى المحللان البارزان ان اسرائيل فوتت فرصة نادرة عام 2004، لدى تولي اريئيل شارون رئاسة الحكومة، اذ كان بمقدوره توجيه ضربة عسكرية لايران تؤخر المشروع النووي الايراني سنوات عديدة، لكنه فضل عدم توجيه الضربة. وتضيف الصحيفة ان الضربة العسكرية في حينه كانت ممكنة، مع تكلفة بسيطة، ومخاطرة غير موجودة تقريبا، على عكس ما يشير اليه الواقع الحالي مع ايران، ومع القدرة الكبيرة التي باتت لديها على التأثير المباشر بالمصالح الاميركية والعالمية، وتوجيه رد عسكري كبير الى اسرائيل.

اهم ما ورد في الصحيفة هو التالي: بإمكان نتنياهو ان يقول، في حال وصل الى حد الحسم مع الايرانيين، ان اللوم يقع على اسلافه، الذين لم يتحركوا في السابق ضد ايران والحيلولة دون مضيهم في مشروعهم النووي، الامر الذي ترك له ارضا ايرانية خطرة.
هي احدى الاشارات الاسرائيلية الدالة على الوجهة التي ستتبعها اسرائيل في مرحلة الحسم، اي في العام المقبل بعد ان يتبين ان خيار العقوبات الحقيقية والمؤلمة التي ينادون بها، غير قابل للتحقق، او غير قابل في حال تحققه لثني الايرانيين. يتوقع ايضا ان تلي هذه الاشارات اشارات اخرى اكثر مباشرة واكثر انكشافا على خيارات اسرائيل الحقيقية، وما تملكه من خيارات محدودة حيال الايرانيين.

في هذا الاطار يقول الرئيس السابق لجهاز «الموساد» افرايم هاليفي، في محاضرة ألقاها مؤخرا في مركز دراسات الامن القومي (مركز جافي سابقا)، إن «إيران لن تستخدم خيارات نووية ضد اسرائيل، وإن القادة الإيرانيين سيعمدون الى استخدام القدرات النووية باتجاه التأثير الإيجابي على مكانة إيران الاستراتيجية في المنطقة، ولتوسيع نفوذها وردع أعدائها، ما سيمثّل ضمانة حقيقية للنظام الإيراني ولاستمراره».

الا انه أقر بأن إسرائيل تتجه نحو الانتقاص من مكانتها الاستراتيجية لمصلحة لاعب إقليمي آخر، قادر على ردعها، وإجراء تقاسم قسري للنفوذ معها في المنطقة. وطالب بأن يكف المسؤولون الإسرائيليون عن «القول إن إيران النووية خطر وجودي، لأن ذلك يقلص من قدرة الردع الإسرائيلية»... واقوال هاليفي اشارة اخرى في اطار التكيف الاسرائيلي مع القدرة النووية الايرانية، وُمقدَّرٌ ان تتبعها اشارات اخرى في المستقبل القريب.

2009-12-19