ارشيف من :أخبار عالمية
تركيا و العرب: شراكة استراتيجية ام صفعة بوجه اوروبا
الانتقاد.نت ـ محمّد عبّاس
حتى اللحظة يقف دبلماسيو العالم حائرين امام التوجه السياسي التركي الجديد والالتفاتة نحو الحضن العربي والاسلامي وفي مقدمته سوريا وايران فالنقلة التركية التي بدأت مع موقفها الشاجب لحرب تموز على لبنان مرورا بمعارضة الاعتداء الصهيوني على قطاع غزة عام 2008 تتويجا بانسحاب رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان من قمة مؤتمر دافوس الاقتصادي اعتراضا على كلام الرئيس الصهيوني شمعون بيريز.
واليوم تركيا توقّع ما يفوق الخمسين اتفاقا مع الحكومة السورية وتفتتح الخط الحديدي بين مدينتي حلب السورية وغازي عينتاب التركية الذي يقل آلاف المسافرين وملايين الاطنان من البضائع والاهم ان اليوم ايضا يعلن رئيسا وزراء البلدين ان مستوى العلاقات بينهما بات استراتيجيا وعدّه اردوغان يوما تاريخيا يسجل للشعبين التركي والسوري.
فإلام يصب هذا التحول التركي؟ ألمصالح محض اقتصادية؟ ام ان تركيا وجدت نفسها مضطرة الى معانقة العرب والمسلمين بعد ان نبذها الشعب الاوروبي وابعدها عن اتحاده في عدة استفتاءات وطنية؟.
يقول مستشار الرئيس التركي للشؤون السياسية أرشاد هرمزلو في محاضرة القاها قبل اسبوعين في لبنان ان تركيا باتت تطير بأجنحة متعددة وهي تعتمد سياسة الحوار والانفتاح على كافة الدول المجاورة والصديقة وبالتالي هي في غير وارد ان تقطع علاقاتها باحد حتى بالاتحاد الاوروبي الذي تجد شعوبه صعوبة في تقبل المد التركي الاسلامي الى اراضيه ويضيف هرموزلو فيعلق على علاقات بلاده بـ"اسرائيل" بخجل واضح واضعا القدس هدفا وقضية تركية استراتيجية وبالتالي تبقى تركيا في علاقاتها الخارجية واقعة في مأزق تطبيعها العسكري والاقتصادي والسياسي مع "اسرائيل".
وتعليقا على المستجدات السورية التركية وفي حديث خاص للانتقاد نت اكد محرر الشؤون التركية في صحيفة السفير الاستاذ محمد نور الدين ان المشهد الذي شهدته دمشق اليوم هو كان الى ما قبل سنوات عدة نادر الحدوث لكنه وبفضل حنكة السياستين السورية والتركية الى ما يشبه التقليد الرسمي بين البلدين يضيف في كل مرة اتفاقا جديدا يعزز العلاقة.
وأشار نور الدين ان ما اتفق عليه مرتبط بعدد من الدوافع والظروف اهمها برأيه:
1- رؤية جديدة في تركيا لسياستها الخارجية تقوم على اساس اقامة علاقات جيدة جدا مع جيرانها ومنهم بالتحديد سوريا كونها بوابتها
للعالمين العربي والاسلامي وهي حجر الرحى في عملية التسوية في المنطقة وشريكة اساسية في مواجهة التحديات الاقليمية المتمثلة في
المسألة الكردية والخارجية المتمثلة بالتدخلات الاميركية .
2- تجاوب القيادة السورية مع التطلعات التركية وتجاوزها لرواسب التاريخ خاصة مسألة لواء الاسكندرون والمطالبة به والنظر بعين معاصرة وواقعية الى اهمية ان تكون تركيا جارا وصديقا وحليفا في ظل استمرار التهديد الوجودي الصهيوني.
هذه العوامل برأي نور الدين تلاقت لتنسج علاقات استراتيجية انموذجية كان يفترض ان تتم منذ سنوات والاهم من ذلك انها باتت تاخذ بعدا شعبيا ومدنيا واقتصاديا لافتا.
وتعليقا على تصريح مستشارة الرئيس السوري السيدة بثينة شعبان حول ان سوريا تسعى الى ان تبدأ دول العراق وسوريا وتركيا وايران برفع الحواجز بينها وبرفع تأشيرات الدخول وبخلق فضاء يعود بالخير والفائدة على شعوب هذه البلدان، ويؤسس للسلام والامن والاستقرار في الشرف الاوسط وتشكيل تكتل اقليمي اقتصادي وسياسي بعيدا عن الاملاءات الخارجية يقول محرر الشؤون التركية في صحيفة السفير ان العلاقات التركية السورية بالامكان تعميمها على دول الجوار خصوصا ان لتركيا علاقات ممتازة بايران وتأشيرات الدخول غير موجودة بينهما اصلا وهنالك مجلس تعاون استراتيجي بين تركيا والعراق بحيث تصبح امكانية فتح الحدود بين هذه الدول المتجاورة ممكنة الحدوث.
وفي معرض جوابه عما اذا كانت تركيا قد تخلت عن حلمها التاريخي بالانضمام للاتحاد الاوروبي يقول نور الدين ان التوجه التركي الاسلامي الجديد لا يعني مطلقا التخلي عن الحليف الاوروبي وعن روابط تركيا العالمية فان اي انفتاح تركي لن يكون على حساب اي محور سابق لكن وحسب قول نور الدين نفسه فاننا لا يمكننا التغافل عن ان تركيا كلما واجهت صعوبات في ملفها الاوروبي زادت من تورطها السياسي مع العالم الاسلامي والعربي, لكن حتى الان لا يزال الانضمام الى الاتحاد الاوروبي هدفا استراتيجيا تركيا لا تستطيع التخلي عنه بحكم موقها الجغرافي الذي يجعلها حارسة على البلقان وكونها عضوا في حلف شمال الاطلسي وجزء اساس من امن واستقرار المنطقة مما يحتم عليها اقامة افضل العلاقات مع الجميع بمن فيهم كيان العدو ولكن تحت سقوف معينة.
اذن، بات الامر واضحا وجليا فكلما انحشرت تركيا في الزاوية الاوروبية فتحت ثقبا آخر في جدار علاقاتها مع العالمين العربي والاسلامي, ثقب قد يكون سياسيا او دبلوماسيا او اقتصاديا او حتى دينيا، فتركيا تتجه لمشاركة الدول العربية الرئيسية كالسعودية ومصر دورها الاقليمي, خاصة دورها الوسيط في عمليات التسوية وفي حل المعضلة العراقية والمسألة الكردية وملف العلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية، وتركيا العلمانية هي اليوم نفسها على مسافة من العرب والمسلمين بحيث ان هذه الشعوب باتت تنظر اليها كحامية للمصالح العربية والاسلامية ورافعة أساسية لقضية القدس والمسجد الاقصى، وتركيا نفسها هي السوق البديل للعالم العربي، كما ان العالم العربي هو سوقها البديل عن اوروبا كل هذا يحدث والدول العربية والاسلامية غارقة في سباتها اللهم الا ايران، فمن يلاقي تركيا غير سوريا وايران في منتصف الطريق ويعيدها بغطاء اسلامي عربي واسع الى كنف وحضن العالم العربي والاسلامي؟