ارشيف من :ترجمات ودراسات
حديث صهيوني عن حكومة وحدة: لا معاني عسكرية خاصة حيال لبنان وفلسطين وإيران
"الانتقاد.نت" - حسان إبراهيم
لا تخفي "اسرائيل" انها في مرحلة حساسة جدا، وانها قادمة بالفعل على تحديد خياراتها تجاه اكثر من جبهة تمثل تهديدا لامنها القومي، بل ان احدى هذه الجبهات تلامس كونها خطرا استراتيجيا على الكيان الصهيوني، وجرى توصيفها من قبل بعض الاستراتيجيين الاسرائيليين بانها خطر وجودي على الكيان، فوصول ايران الى القدرة النووية الكاملة وامتلاكها للقدرة النووية العسكرية، يشكل خطرا حقيقيا على الكيان، يُلزم "اسرائيل" باتخاذ قرارها وكيفية مواجهة هذا الخطر، ومن ضمنه توجيه ضربة عسكرية لايران، قد لا تنهي خطرها بالمطلق، لكنها قد تتيح المجال لاسرائيل بان تراهن على تأخير برنامجها النووي لسنوات.
من جهة ثانية، تبقى ساحات المواجهة الاخرى، كلبنان وقطاع غزة، مليئة بالتحدي غير البسيط، اذ تقر "اسرائيل" بان حزب الله يزداد قوة يوما عن يوم، وهو يراكم قدراته العسكرية واستعداده بشكل غير مسبوق، ما يجعل من تهديده يلامس التهديد الاستراتيجي، حسب توصيف بعض المعلقين الاسرائيليين، بل ان وزير الحرب الاسرائيلي السابق شاؤول موفاز وصف اخيرا قدرة حزب الله الصاروخية بانها اشد واكثر اقلاقا لاسرائيل من القدرة النووية لدى ايران.
من ناحية ثالثة، تقر "اسرائيل" بان حركة حماس لا تهمل اي يوم دون الاستفادة منه لتراكم قوتها العسكرية، وهناك اقرار اسرائيلي بان لديها القدرة على ضرب تل ابيب، بل واكثر من ذلك ان تصل الى مدن ومستوطنات لم تكن تصل اليها في السابق.
معنى كل ذلك، ان العام المقبل سيكون عاما يضع "اسرائيل" امام تحديات غير قليلة تجبرها او تدفعها من ناحية نظرية لاتخاذ قرارات، من بينها قرارات عسكرية وامنية، تتطلب منها، نظريا ايضا، ان توحد صفوفها، ومن بينها تشكيل حكومة وحدة وطنية، بدأت بالفعل بالتشكل، اثر ازمة حزب كاديما وانسحاب عدد غير قليل من اعضائه، والاعلان عن نيتهم الانضمام الى حكومة ننتيناهو.
لكن من ناحية اخرى، وتصويبا لقراءة الواقع الاسرائيلي، يتوجب القول ان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، عاقد العزم بالفعل على تعزيز موقعه كصاحب القرار الاول في الائتلاف القائم بينه وبين عدد من اطراف اليمين الاسرائيلي، والذين لا يقوون حتى على تقديم او تفهم، اي من "التنازلات" حيال الفلسطينيين، حتى وإن كانت تنازلات شكلية وتكتيكية لاحتواء الضغوط الاميركية، الموجهة نحو ايجاد مناخ مؤات لاعادة احياء مسار التسوية مع السلطة الفلسطينية.
توجه نتنياهو نحو تعزيز قوته، يفسر تصويبه على حزب كاديما برئاسة وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني، التي تعاني بالفعل من قصور في الابقاء على اللحمة بين اعضاء حزبها ونوابه في الكنيست، الذين يتململون من اداء ليفني وتهميشها لقيادات الحزب في كل القرارات والمواقف التي تتخذها، ما يتيح الفرصة امام نتنياهو للبناء على التنافر الداخلي في كاديما، باتجاه سحب عدد كبير من نوابه في الكنيست، وهذا تحديدا ما نجح فيه اخيرا بعد ان اعلن سبعة اعضاء كنيست من كاديما في الايام القليلة الماضية، انهم سينسحبون من الحزب ويشكلون كتلة برلمانية مستقلة تشارك في الائتلاف الحكومي بشكل مستقل، مع امكانية انضمام الى حزب الليكود ايضا.
لقد اظهر قرار نتنياهو الشكلي بتجميد موقّت للاستيطان، وما اعقبه من مواقف لدى عدد من حلفائه اليمينيين، الحاجة الى اظهار قوته وتعزيزها بعدد اضافي من المقاعد النيابية في الكنيست، الامر الذي يتيح له اظهار قدرة اكثر اراحة على المناورة وقدرة على التهديد بالتخلي عن بعض من حلفائه، في حال شذوا عن شبه الاجماع حول قرارات الحكومة، وتحديدا بما يتعلق بمسارات التسوية مع الفلسطينيين. واذا وسّع نتنياهو قاعدته في الكنيست من نواب قادرين على التعايش مع التسوية، كما هو حال نواب حزب كاديما، فيمكن ان يقلص قدرة منافسيه على المناورة، وتقبل قراراته، خاصة انهم قادرون من ناحية عملية على التكيف مع هذه القرارات، ما دام انها قرارات شكلية وتكتيكية وغير ذات موضوع حقيقي، كما هو حال التجميد الموقّت للاستيطان.
هل ينجح نتنياهو في مساعيه؟.. وما الذي يعنيه تشكيل حكومة وحدة وطنية، لجهة التحديات الاسرائيلية في المرحلة المقبلة؟.
يبدو موقع رئيسة حزب كاديما، تسيبي ليفني، اكثر ضعفا مما يبدو عليه واقعا وهي في المعارضة طوال الفترة الماضية، اذ سارعت في اعقاب اعلان سبعة اعضاء كنيست من حزبها رفضهم البقاء في الحزب ونيتهم الانشقاق عنها، الى لقاء نتنياهو والبحث عن كيفية مشاركتها في الائتلاف الحكومي، الا ان ما يعرضه نتنياهو عليها هو مجرد ثمن بخس، بل وايضا مذل، قياسا بما عرضه عليها لدى تشكيله للحكومة في اعقاب الانتخابات الاخيرة للكنيست.
تشير مصادر في ديوان نتنياهو الى ان الاخير يعرض على ليفني مناصب غير وزارية في الحكومة، وهي نيابة اربعة وزراء مع تسميتهم وزراء دولة، من دون تسلم اي حقيبة وزارية ذات وزن، مع عرض اضافي لليفني تحديدا، في ان تشارك في جلسات المنتدى السباعي الوزاري الذي يناط به تحديد سياسات اسرائيل السياسية والامنية، وهو مخرج شكلي يحفظ لليفني ماء الوجه.
العرض المقدم من نتنياهو يشير تحديدا الى انه قادر على الاكتفاء بسبعة اعضاء كنيست، وليس بحاجة الى انضمام كاديما كحزب والمفاوضة معه على هذا الاساس، اذ سيكون الثمن المدفوع للمنشقين عن كاديما اقل بكثير من الثمن المدفوع لليفني.. وكيفما جرت الامور فسوف يخرج نتنياهو منتصرا من ذلك، مع تعزيز لقدرته على المناورة، وتهميش اكثر لعدد من اطراف اليمين الاسرائيلي المؤتلف معه في الحكومة، مانعا عنهم القدرة على احراجه في قرارات قد يضطر الى اتخاذها في المرحلة المقبلة.
بناءً على ذلك، لن يعني تشكيل حكومة وحدة وطنية في الكيان الاسرائيلي، في حال نجح نتنياهو بضم حزب كاديما الى ائتلافه كحزب، انها حكومة تجمع التناقضات، بل هي حكومة موحدة لمعظم الاحزاب الاسرائيلية نتيجة لفرصة اتيحت لنتياهو بعد ان ظهر ضعف كاديما ككيان سياسي يغيب عنه زعيم قادر على جمع تناقضاته الداخلية، كأريئيل شارون مؤسس الحزب، خاصة ان كل طرف في كاديما يسعى بشكل حثيث لضرب زعامة ليفني واضعافها تمهيدا لانتخابات داخلية توصله الى رئاسة الحزب.
بناءً على ذلك ايضا، لا يعني تشكيل حكومة وحدة وطنية في الكيان "الاسرائيلي" ان استحقاقا ما، دفع الاحزاب الاسرائيلية الى تناسي خلافاتها، انطلاقا من ان المرحلة مليئة بالتحديات، على شاكلة التهديد النووي الايراني وتقدير "اسرائيل" بان العام المقبل عام مصيري ويجب عليها ان تتخذ قرارا حيال توجيه ضربة عسكرية يزعم انها قادرة عليها ضد ايران، او غيره من الاستحقاقات الاخرى.
في الوقت الذي لا يعني تشكيل حكومة وحدة انها تتشكل بناءً على استحقاق كبير جدا ستواجهه اسرائيل، الا ان ذلك لا يعني ايضا انتفاء هذا الاستحقاق او الاستحقاقات، وهي تبصرة ضرورية ويجب ان تبقى ماثلة في الاذهان لدى قراءة الواقع الاسرائيلي حيال المرحلة المقبلة وكيفية اتخاذها لقراراتها، إن لجهة "توجيه ضربة" عسكرية لايران، او للتعايش مع الواقع الايراني المستجد، او حتى لجهة قرارات متطرفة قد تتخذها حيال ساحات المواجهة، وخاصة حيال الجبهة الشمالية ضد لبنان او ضد الجبهة الجنوبية أي ضد حركة حماس في قطاع غزة.
تبقى استحقاقات اسرائيل المقدرة ماثلة وموجودة، وخياراتها تتحدد وفقا للاثمان المدفوعة من قبلها بموجب اي خيار تتخذه، قياسا على الفوائد المجباة من هذه الخيارات في حال اقدمت عليها، ما يعني ان تشكيل "حكومة وحدة وطنية" لا يصلح ضمن موازين القوى الداخلية في اسرائيل، وخسارة كاديما لموقعه كمؤثر في السياسة الاسرائيلية، لا يصلح ان يلعب دورا كمؤشر على اي من توجهات اسرائيل وخياراتها ضد اعدائها