ارشيف من :ترجمات ودراسات
ردع اسرائيلي موهوم
من استمع مؤخرا لتصريحات الوزراء، رئيس الأركان، رئيس شعبة الاستخبارات، قائد المنطقة الجنوبية وغيرهم، سمع منهم جميعا موقفا من قدرة الردع الواضحة والاحادية الجانب المزعومة ل"إسرائيل". الزعم السائد هو أن حرب لبنان الثانية، وقصف المنشأة النووية في سوريا وعملية "الرصاص المصهور" عززت جدا الردع الإسرائيلي، والدليل - الهدوء السائد الآن على الحدود.
لكن عندها... يسارع كل أولئك الناطقين (المسؤولين المشار إليهم) إلى القول بأن هذا الهدوء لن يستمر الى الابد. والاستنتاج: ان "اسرائيل" ملزمة بالاستعداد بنشاط كبير لإمكانية اندلاع مواجهة عسكرية او "عملية ارهابية" جديدة، بل ومنعه مسبقا عبر هجوم وقائي.
أساس الدعوات لمثل هذا الهجوم يتعلق بالطبع بايران. ومن الصحيح انه ليس واضحا إن كان ثمة نية حقيقية بالفعل لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية... كي نفهم الوضع على حاله يجب ان نفهم اولا امرا اساسيا للغاية بالنسبة للردع في النزاعات بين الدول، والنزاعات بين الدول والمنظمات المسماة "منظمات ارهابية".
في كل واحد من هذه النزاعات يشارك طرفان. وأبدا لا يوجد نزاع أحادي الجانب. ويبدو هذا للمستمع حقيقة مفهومة بحد ذاتها ولكن الحقيقة أن الأغلبية الساحقة من الجمهور الإسرائيلي اليوم، وكذا السياسيين ورجال الجيش، يتصرفون وكأن الجانب الآخر هو العامل الحصري في مواصلة النزاع، ولانعدام إمكانية حله عبر المفاوضات.
والحقيقة هي بالطبع أن "إسرائيل" ساهمت وتساهم في ذلك بقدر غير طفيف. والثنائية معناها ايضا ان الطرف الآخر يحاول كل الوقت تحسين ردعه تجاه اسرائيل، وتحسين قدرته على مهاجمتها.
هذا هو احد الأسباب الاساسية لمواصلة حزب الله تسلحه، لمواصلة حماس تهريب الاسلحة الى غزة، واصرارايران على تطوير قدراتها النووية.
لا توجد اي امكانية لتوقع ماذا ستكون عليه خطوات حماس في المستقبل. ولكن اذا امتنعت المنظمة عن الانضمام الى السلطة الفلسطينية، واقتنع رجالها بأن "اسرائيل" لن ترفع الحصار عن القطاع، يحتمل جدا ان تعود لإشعال الحدود، رغم العلم بأن "اسرائيل" سترد الصاع صاعين - بمعنى ان الردع الاسرائيلي لن يجدي.
اما بالنسبة لسوريا، صحيح انه يحتمل ان تمتنع في المستقبل ايضا عن خطوات عسكرية ضد اسرائيل، ولكن هذا لا يعني انها لن تواصل مراكمة القوة كي تردع جارتها وان تملك القدرة على مهاجمتها اذا ارادت ذلك. وامور مشابهة يمكن قولها عن حزب الله.
وبالنسبة لإيران، حتى لو حققت قدرة نووية عسكرية، من المعقول الافتراض بأنها ستمتنع عن استخدامها، لأسباب متعددة من ضمنها، الرد المدمر المرتقب عليها. وعليه، مثلما يقول المزيد والمزيد من المراقبين، لا يوجد تهديد وجودي ايراني على "اسرائيل". ومع ذلك، اذا لم تكتف "اسرائيل" بالردع، وقامت بالهجوم، فمن المعقول جدا ان يرد الايرانيون بشكل مدمر.
ما هي الاستنتاجات الاستراتيجية من كل هذا؟ استنتاج واحد هو انه يجب الكف عن "البيع" للاسرائيليين بأن "اسرائيل" هي ذات قدرة ردع حاسمة، وأنه من اجل الحفاظ عليها ينبغي لها ان تبادر الى عملية عسكرية واحدة كل بضع سنوات. وبدلا من الاستعداد للهجوم على ايران، سوريا، حزب الله وحماس، على الحكومة ان تستثمر قدرا اكبر في بذل المحاولات لحل النزاعات بالمفاوضات مع سوريا، لبنان والفلسطينيين. وهكذا ايضا سيتراجع بقدر كبير الخوف من ايران.
صحافة عبرية