ارشيف من :أخبار لبنانية
خاص الانتقاد.نت: حملة "القوات" ـ الكتائب ـ 14 آذار على حزب الله
الخيارات الجهنمية ما زالت هي هي
مصطفى الحاج علي
ما القطبة المخفية في الحملة غير المبررة سياسياً على حزب الله وسلاح المقاومة التي يقودها كل من حزبي القوات والكتائب في هذه المرحلة؟
نقول هذه الحملة غير مبررة لاعتبارات عدة أبرزها:
أولاً: أن من يقود هذه الحملة هم شركاء في حكومة نالت الثقة بناءً على بيان وزاري تضمن بنده السادس اقرارا صريحا بحق المقاومة من ضمن حقي الجيش والشعب اللبناني بالمقاومة، ولا يفيد هؤلاء القول إنهم تحفظوا على هذا البند، لأن هذه الأمور لا تحتمل الموقف الوسط، فإما أن تكون من ضمن مبدأ الشراكة والتضامن الكاملين الذي يفترض أن يحكم عمل مجلس الوزراء، وإما أن تكون ضده وتجلس في الخارج كمعارض.
ثانياً: إن الجو العام الذي يفترض أن يحكم لبنان هو جو التهدئة اسهاماً في ترسيخ الاستقرار، وتوفير كل مسلتزمات الإقلاع الناجح لعمل الحكومة التي ينتظرها أولويات وتحديات ومشاكل كبيرة تعني الناس بالدرجة الأولى، ولذا، فإن حرص الكتائب و"القوات" وبقايا الرابع عشر من آذار ومن يقف وراءهم أو أمامهم أو عن يمينهم وشمالهم، على ضخ التوتر والتغريد خارج السرب وإبقاء الوضع الداخلي في حالة نزف واستنزاف للجهود والطاقات في صراعات يعرف أصحابها أنها لن تجدي شيئاً، يضعهم جميعاً في الموقع الضد لمصالح الناس، ولرئيس الحكومة بل وللرئاسات الثلاث التي تعمل على أن يكون العام الجديد ورشة شاملة لمواجهة ما يهم الناس، كما أن هذه المواقف العبثية تفرض منطقياً السؤال عن محركها الرئيسي، ودوافعها المستبطنة.
ثالثاً: ان سلاح المقاومة والمقاومة ليست بنداً منفصلاً على جدول الأعمال الداخلية، بل هي منظور اليها من ضمن النظر في الاستراتيجية الدفاعية الواجب اعتمادها في لبنان في مواجهة العدو الاسرائيلي وتهديداته، وهي بذلك عامل من جملة عوامل القوة التي يفترض أن تعتمد في بناء مداميك هذه الاستراتيجية، من هنا، ما المبرر لتناول هذه المسألة مجدداً من خلال وسائل الإعلام، والسجالات السياسية، ما دام لها مكانها المقرر والمتوافق عليه؟
إن أخذ هذه الوقائع بعين الاعتبار، والنظر الى مجمل المشهد السياسي الداخلي، معطوفاً على مجمل المواقف التي أدلى بها كل من الثلاثي: الكتائب ـ القوات ـ بقايا الرابع عشر من آذار، وامتدادات القوات في تيار المستقبل يقودنا الى الاستنتاجات التالية:
أولاً: ان الوضع المتهالك لهذه القوى جرّاء هزيمة خياراتها المتنوعة، وسير الأوضاع في اتجاهات معاكسة لحساباتها، وخشيتها بالتالي من أن تلامس الحضيض اذا ما تطورت العلاقات وتعمقت اقليمياً على المسار السعودي ـ السوري وداخلياً على المسار بين دمشق والحريري، يدفعها الى البحث عن عنوان تطلق النار عليه حتى لا تفقد كل عناوين بقائها، وهي اذ لم يعد بإمكانها تناول دمشق كما في السابق، فلا أقل من أن تحتفظ لنفسها بحزب الله كهدف يشكل صمغاً لتلاحمها واستمرار أدوارها لا سيما إزاء الخارج.
ثانياً: إن مواقف هؤلاء لاقت وتماهت تماماً مع مواقف كل من السفيرة الاميركية سيسون ومساعد وزيرة الخارجية الاميركية فيلتمان، وهي بالتالي تؤكد مرة أخرى أنها مجرد أبواق لواشنطن، فهي تؤكد من جهة أخرى، أن حدود التفاهم أو غض النظر الاميركي يقف عند ترتيب العلاقات السورية مع الحريري، ولا يشمل حتى الآن كل الملفات بما فيها ملف المقاومة وحزب الله.
ثالثاً: تبدو الحملة المنسقة لهذا الفريق في مواجهة الحملة الداعية الى شطب القرار 1559، وهو القرار الفتنة الذي أسس لكل التحديات والأخطار والانقسامات والصراعات الداخلية منذ العام 2005 حتى الآن، ولا سيما أن هذا القرار استنفد أغراضه وفقد مبرراته، وفي هذا الإطار، تبدو حملة هؤلاء متطابقة مع المواقف الاميركية ومع موقف وزير الخارجية الفرنسي، ما يعني أن هناك من لا يزال يصر على إبقاء لبنان ساحة مفتوحة على اللعبة الدولية، وعلى الصراعات الدولية الاقليمية، وعلى ابقاء أبواب الفتنة مشرعة على الداخل. باختصار هؤلاء يتوهمون أنهم بابقائهم هذا القرار حياً انما يحتفظون بورقة دولية في أيديهم هم أعجز من أن يكونوا قادرين على استخدامها مباشرة.
رابعاً: ثمة قلق فعلي يسود صفوف "القوات" والكتائب إزاء التوازنات التي ستحكم طاولة الحوار المخصصة لبحث الاستراتيجية الدفاعية خصوصاً بعد التموضع الحالي للنائب وليد جنبلاط، والموقف الخاص لكل من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء الذي سيحتكم الى التوافق الخاص حول البيان الوزاري، والمناخ التوافقي الذي يحكم لبنان في هذه المرحلة، وفي هذا الإطار، فإن هؤلاء يريدون أيضاً بنداً يساجلون به وحوله في مواجهة بند الغاء الطائفية السياسية الذي يطرحه الرئيس بري.
باختصار، هذه المجموعة النزقة في تفكيرها وحساباتها السياسية تحاول الإطاحة عملية بطاولة الحوار واستبدالها بطاولة الاعلام المفتوح، والسجال السياسي المفتوح.
خامساً: هنا، تبدو الخلفية أو الدافع الأخطر الذي يمكن قراءته بوضوح بين سطور قراءة جعجع تحديداً للوضع في المنطقة، والمواقف الخطيرة التي أدلى بها مؤخراً في مناسبات مختلفة، لكن يبقى أبرزها ما قاله في مقابلته مع الجزيرة، خلاصة قراءة جعجع تتمثل بالتالي:
أ ـ أن الكيان الاسرائيلي بصدد حرب ضد حزب الله لأنه لن يحتمل تعاظم قوة الحزب في الجنوب، وبالمناسبة هذا الكلام سمعه رئيس الجمهورية في واشنطن أيضاً.
ب ـ لولا وجود المقاومة في الجنوب لما فكرت اسرائيل بشن حرب على لبنان.
الخلاصة التي يريد جعجع ان يسجلها هنا هي أن نزع سلاح المقاومة يلغي مبرر أي حرب اسرائيلية قادمة، وإذا ما شنت "اسرائيل" حرباً على لبنان، فحزب الله هو المسؤول الأول والأخير عنها.
ثمة تأويل آخر لهذا الكلام، يمكن ملاحظته في الأسئلة التي تطال الحزب من حين الى آخر: هل حزب الله سيشارك في أي حرب تخاض ضد إيران؟ بكلمة أخرى، ان المستهدف الحقيقي هو ايران، وثمة خشية ان لا يقف حزب الله على الحياد، وبالتالي لا بد من العمل على تكبيل حزب الله ومحاصرته بالمسؤوليات المسبقة، وعدم اراحته، والاستمرار في إشغاله على جبهات متنوعة تستنزف قواه السياسية.
هذه القراءات في مجملها لا تريد مد مظلة التهدئة كاملة فوق لبنان، وهي ما زالت تستبطن رهاناً وتمنياً بأن يقوم الكيان الاسرائيلي بحرب على لبنان تكون تكراراً غير فاشل لعدوان تموز، أو على الأقل على ايران، بما يمهد لخلط الأوراق والتوازنات اقليمياً وداخلياً، ويعيد بعضا من الروح الى هؤلاء. رهانات قد تأخذ غالبية السنة المقبلة ما يعني ان هؤلاء لن يريحوا لبنان ولا الناس، وهم مصرون على خياراتهم الجهنمية، وبعد هذا كله يحدثونك عن نصائح سماحة الامين العام التي إن أخذت من موقعها الأخوي، وأعاد هؤلاء النظر بخياراتهم الجهنمية هذه لوفروا على لبنان وعلى أنفسهم وقتاً ثميناً لمصلحة الجميع.