ارشيف من :ترجمات ودراسات
المناورات العسكرية "الإسرائيلية" حرب نفسية ضد "الطرف الآخر" ومحاولة لإيجاد توازن ردع وهمي
خاص "الانتقاد.نت"ـ عبد الناصر فقيه
كثرة المناورات العسكرية التي يجريها الكيان الصهيوني تعطي للوهلة الأولى صورة لجيش قادر ومستعد لاحتمالات أي حرب قادمة، غير أن من شهد آخر نشاطين عسكريين تم الإعلان عنهما في إعلام العدو يعلم أن الرسالة الموجهة من خلالهما تندرج في إطار الحرب النفسية ضد الطرف الآخر.
الطرف الآخر الذي يقصده "الإسرائيلي" هو بلا شك المقاومتان اللبنانية والفلسطينية، وعمادهما حزب الله وحركة حماس، وسوريا نظراً لأن معظم المناورات العسكرية التي شهدها الكيان على امتداد عامين كانت تحاكي حربا " يمكن أن تنشب" ضد الاطراف الثلاثة.
آخر ما اتحفتنا به وزارة الحرب الصهيونية أن جيش العدو أتم "بنجاح" اختبار نظام مضاد للصواريخ، وهذا النظام بحسب وسائل الإعلام المعادية سُمي بـ"القبة الفولاذية"، ويهدف لاعتراض الصواريخ ذات المدى القصير حتى سبعين كيلومتراً، وستزود القوات العسكرية بهذا النظام خلال النصف الاول من العام لاستخدامه على تخوم قطاع غزة والحدود الشمالية مع لبنان، سبق ذلك ما أعلنه سلاح الجو "الإسرائيلي" عن مناورات قام بها بهدف التدريب على استمرار فعالية هذا السلاح حتى لو تعرضت قواعده لهجمات صاروخية أو استُهدفت بأسلحة غير تقليدية قادمة من أطراف بعيدة وقريبة.
الاستعداد العسكري من جانب العدو "الإسرائيلي" يمكن فهمه اليوم على أنه تهيئة لاقتناص الفرص في أي لحظة توتر، وربما يحمل مؤشرا أيضاً على أن التسوية، برأي القادة الصهاينة، لا يمكن أن تتم وفق معادلة القوى القائمة اليوم في المنطقة، بل لا بد قبل ذلك من أن تقوم "إسرائيل" بعدوان ما لاسترجاع "هيبتها" في إثبات "التفوق" و" الردع" وغيرها من مصطلحات درج على استخدامها كبار المسؤولين العسكريين في الكيان.
الدعاية "الإسرائيلية" التي ضخت المزيد من الأخبار حول جهوزية واستعداد الكيان الصهيوني لمواجهة الأخطار التي تهدده، فضحها محللون في الإعلام المعادي تحدثوا عن أن هذه الأخبار وضعت ليتلقفها الطرف الآخر (حزب الله وحماس وسوريا) ويصرف النظر عن أية محاولات "هجومية" ضد الكيان أو أن يفكر بفرض معادلات جديدة على خارطة الصراع.
صحيفة "هآرتس" الصهيونية بدورها قالت إن هذه المنظومة لن توفر الحماية الكاملة للمستوطنات لعدة اسباب، منها أنه لم يتم اختبارها في حرب حقيقية، والمعطيات التقنية التي توافرت عنها تفيد بأن هذه المنظومة بحسب " هآرتس"، لن يكون بمقدورها التصدي للصواريخ التي يزيد مداها عن سبعين كيلومتراً، وهو ما تجاوزه "الطرف الآخر" بأشواط، وأعربت الصحيفة المذكورة عن أملها في أن يقلل نشر خبر "القبة الفولاذية" من رغبة "الجهات المعادية" في إطلاق الصواريخ نحو الكيان الغاصب، وأن يزيد ذلك بالتالي من قدرة الردع "الإسرائيلية".
كلام "هآرتس" يظهر إشارة واضحة إلى الرغبة التي تعتمل في نفوس القادة الصهاينة، الذين يديرون حربهم النفسية ضد قوى المقاومة والممانعة وشعوب المنطقة، في إيجاد توازن ردع وهمي بعد فشل كل المغامرات العسكرية السابقة في تحقيق أهدافها.
بلا شك فإن المناورات العسكرية قد أدخلها الجيش "الإسرائيلي" في دائرة الحرب الدعائية حيث يتم تظهيرها إعلامياً بشكل متواصل، فالخبير العسكري رؤوفن بادتسهور الذي قدم مداخلة في تلفزيون العدو قال فيها "إن تطوير منظومة القبة الفولاذية يعد امراً سخيفاً للناحية الاقتصادية لاننا سنطلق صاروخاً يكلف نحو 120 الف دولار لاعتراض أنبوب (صاروخ فلسطيني) يكلف نحو 5 دولارات، وما على الفلسطينيين فعله هو أن يراكموا آلاف الصواريخ بينما تُستنزف "إسرائيل" اقتصادياً بالمقابل".
ويؤيد المحلل العسكري "يوآف ليمور" الذي استضافته قناة معادية كلام زميله قائلاً "إنه إضافة لمدى التغطية القصير "للقبة الفولاذية" (أقل من سبعين كيلومتراً)، فإن العقبة الأساسية التي ستواجه الحكومة "الإسرائيلية" هي كيفية تمويل هذه المنظومة". ويضيف المحلل الصهيوني أن "المنظومة الجديدة تواجه مشكلة أساسية أخرى لجهة محدودية قدرة الحماية فيها، فالبطارية الواحدة منها تغطي مدينة متوسطة الحجم، وبالتالي فإن توفير الحماية لمحيط غزة ومستوطنات الشمال سيحتاج الى نحو عشرين بطارية تبلغ كلفة كل واحدة منها نحو 12 مليون دولار، بينما تبلغ كلفة الصاروخ المعترض نحو 100 ألف دولار للقضاء على صاروخ قد لا تتجاوز كلفته 200 دولار".
يضاف إلى ذلك، أن تقارير غربية تداولت خلاصة تقويمية للمناورات العسكرية الاميركية الاسرائيلية المشتركة الاخيرة التي جرت العام الماضي، حيث كشفت الخلاصة أن "الاميركيين أبدوا إحباطهم من واقع الجندي " الإسرائيلي" ومعنوياته وترهله وافتقاده للداوفع، وصولاً للقول إن اسرائيل غير جاهزة لشن حروب جديدة".
لكن الأمر المؤكد أن الحرب النفسية لم تعد تنطلي على قوى المقاومة في المنطقة، وهي خَبِرتها طويلاً في تاريخ الصراع مع الكيان المعادي، ومن جهة ثانية فإن شعوب هذه المنطقة، لا سيما الشعبان الفلسطيني واللبناني، بلغت مرحلة من الوعي لا يمكن أن تخرقها الدعاية الصهيونية أو حروب العدو النفسية نتيجة لتراكم التجارب التي مرت على هذه الشعوب.