ارشيف من :مقاومة

الجيش الأميركي يدرس "الجيل الرابع" من الحروب: حزب الله نموذجاً

الجيش الأميركي يدرس "الجيل الرابع" من الحروب: حزب الله نموذجاً

خاص ـ "الانتقاد"
تنظر المؤسسة العسكرية الأميركية الى هجمات الحادي عشر من أيلول 2001 على أنها "خارجة عن الميزان القياسي" لطبيعة الحروب الكلاسيكية. في المقابل، أثبتت الولايات المتحدة نظريتها بشأن الجيل الجديد من الحروب بحسم موقعتي غزو أفغانستان ثم العراق عملا بمبدأ "الحرب السريعة" التي تعتمد على التقنيات الحديثة.
وهكذا يمكن القول إن أسلوب حركات "التمرد"، التعريف الأميركي للمقاومة، ورؤية البنتاغون المستحدثة لأساليب حل النزاعات في العالم شكّلا معا "الجيل الرابع من الحروب".
أما أبرز التحولات التي تدمغ هذا الجيل من الحروب فتتمثل بـ:

كان التناقض مذهلاً بين رسالة حزب الله والفتور المعتاد الذي تظهره الدول العربية تجاه احتياجات شعوبها
- استخدام حركات "التمرد" جميع البنى المتاحة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعسكريا في مواجهة الجيش الكلاسيكي المحتل. ويستند هذا التحول الى حد كبير على اللعب على عنصر المعلومات بهدف تغيير وجهة نظر العدو والصديق.
- التغير في تشكيلات حركات التمرد وايجادها لخلايا عابرة للقوميات والحدود.
حزب الله هو أحد "أبرز الجماعات المتمردة التي أتقنت خوض الجيل الرابع من الحروب"، بحسب الدراسة التي وضعها الكولونيل المتقاعد في مشاة البحرية الأميركية توماس هامس.
في حرب تموز 2006، "لم يكن مقاتلو حزب الله يركزون على هدف تدمير اسرائيل، ولكن على ضمان أن يُنظر اليهم على أنهم يتحدون أقوى جيش في الشرق الأوسط"، لذا تتخذ قضية إطلاق حزب الله صواريخ في اليوم الأخير من الحرب بعدد مماثل لليوم الأول "اهمية استثنائية. كان حزب الله يدري أن القذائف الصاروخية من عيار 122 ميلليمترا لن تسبب أضرارا كبيرة، الا ان كثافة اطلاقها أثبتت أن سلاح الجو الاسرائيلي لم يستطع الحاق ضرر كبير بقوة الحزب".
 احتضان السكان للمتمردين كما في حزب الله يعيق قدرة الجيش الكلاسيكي على تحقيق أهدافه
ويتابع الكولونيل، الحائز بكالوريوس في العلوم من الأكاديمية البحرية الأميركية وماجيستير من جامعة هارفرد، أن حزب الله "أتقن قيمة الاتصالات الاستراتيجية" (التحول في استخدام المعلومات للتأثير في وجهة نظر الآخرين) عند انتهاء الحرب، "ففي الوقت الذي كان الغرب يعقد فيه مؤتمرات لإصدار وعود تتعلق بمساعدة لبنان في المستقبل، قام ممثلو حزب الله بملء الشوارع بالأموال النقدية لمساعدة السكان وتقديم المساعدات المادية. تحرك الحزب بسرعة وحاز مكانة عالية بتحركه هذا، في حين كانت الولايات المتحدة منشغلة بنقل حمولات الأسلحة والذخائر الى اسرائيل" لتعويض ما نقص في مخازنها.
لقد كانت رسالة حزب الله "واضحة جدا، من خلال التأكيد على سيطرته على الأرض وتواصله مع السكان. وقد كان التناقض بين تلك الرسالة والفتور المعتاد الذي تظهره الدول العربية تجاه احتياجات شعوبها تناقضا مذهلا".
في مقابل نجاح حزب الله في حملته هذه، "تتخبط الولايات المتحدة في جهودها بشأن الاتصالات الاستراتيجية"؛ أي التواصل مع السكان والتكيف مع البيئة المحيطة في ميادين عمل قواتها.
ويتميز حزب الله عن غيره من حركات "التمرد" في كونه يُصنف ضمن ثلاثة أنواع من الحركات، هي:
- الرجعية: التي تنشأ وتتصرف كرد فعل على موقف أو حديث ما.
- الانتهازية: أي أنها تنتهز الفرصة السياسية أو الاقتصادية من أجل تعزيز قوتها.
- الأيديولوجية: أي التي تتبنى هدفا عقائديا.
استخدام الجيل الرابع من الحروب
القوات العسكرية الأميركية ليست مستعدة لرد ضربات مجموعات صغيرة تتبنى قضية ما وتستخدم التقنيات الحديثة
واجهت اسرائيل، في صيف 2006، "عدوا يطبّق ويمارس حرب الجيل الرابع، ويستغل أفضل استغلال الأسلحة ذات التقنية العالية من أجل تحدي التفوق العسكري الاسرائيلي المفترض. وقد تعاونت ايران مع سوريا لتقديم الدعم اللوجيستي الواسع النطاق وربما الدعم الاستخباراتي لقيادة حزب الله". وبما أن الولايات المتحدة كانت منشغلة بالبرنامج النووي الإيراني حينها، فقد "كان من الصعب" معالجة أسلوب حزب الله في استخدام حرب الجيل الرابع.
وفي هذا السياق، تشير الدراسة الى أن "دليل الميدان الجديد لمقاومة التمرد"، الذي أصدرته قيادة القوات الاميركية في العراق، يوصي بضابط أمن لكل 50 شخصا، غير أن "احتضان السكان للمتمردين"، كما في حالة حزب الله، يعيق قدرة الجيش الكلاسيكي على تحقيق أهدافه.
وفي مواجهة هذا الواقع، يخلص هامس الى أنه "يتوجب ايجاد طرق جديدة توفر الامن اللازم أثناء بناء التحالفات السياسية، وهذا يُعدّ الطريق الوحيد لهزيمة التمرد. كما يتوجب تفعيل الموارد الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية بشكل أوسع من ذي قبل للتعامل مع الاستخدام الواسع لحرب الجيل الرابع".
وفي خلاصة هذه الفقرة، يرى الكولونيل الأميركي أن حرب الجيل الرابع "تستخدم جميع التحولات من مجتمع آلي الى مجتمع معلوماتي الكتروني لتزويد قوة التمرد. وهي تساير تطور المجتمع في كل شيء، ما يزيد من صعوبة وخطورة تعامل البلاد الغربية معها".
وينطلق الكاتب من هذه الحقيقة ليستشرف حدود حروب الجيل الخامس التي ستكون "نتاج التحول المستمر في الولاء السياسي والاجتماعي، حيث سيصبح الولاء للقضايا العقائدية أكثر منه للأوطان. وستتميز هذه الحرب بتزايد قوة الكيانات الأصغر وبانفجار ديناميكي للثورة التقنية. ان حرب الجيل الخامس ستكون حقيقتها حرب شبكات المعلومات، التي ستؤمن المواد اللازمة وستكون بمثابة ميدان لتجنيد المتطوعين".
وتتابع الدراسة أن "الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تشير الى ظهور أفراد أو جماعات صغيرة تم تزويدها بقوة فائقة. وهذه الجماعات يربطها حب قضية معينة وليس الوطن. ومن خلال توظيفهم لتلك التقنية يستطيعون توليد قوة مدمرة عادة ما تستهدف موارد الدول القومية".
أما التقنية محط الاهتمام في المرحلة القادمة فهي تنقسم الى نوعين: التقنية الحيوية البيولوجية وتقنية النانو. وهاتان التقنيتان تعطيان الجماعات الصغيرة نوعا من القوة التدميرية كانت تقتصر في السابق على القوى العظمى فقط.
ويختم هامس دراسته باختصار المشهد امام واضعي الرؤى الاستراتيجية العسكرية الأميركية: "إن الحقيقة الرئيسية هي أن التغيرات في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي تتيح لأي جماعة صغيرة تتبنى قضية ما استخدام التقنيات الحديثة لتتحدى دولة قومية. وليس في وسعنا رد هذه التحديات ولا منع تطور الحرب. ومن الواضح أن القوات المسلحة الأميركية ليست على استعداد لرد ضربات هكذا مجموعات".
الانتقاد/ العدد1311 ـ 31 تشرين الاول/ اكتوبر 2008

2008-10-31