ارشيف من :مقاومة
الامين العام لحزب الله: خيار المقاومة خيار حقيقي واقعي عقلاني منطقي منتصر و ليس نزوة غضب ثائرة
أكد الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في كلمته التي ألقاها في افتتاح "الملتقى العربي والدولي لدعم المقاومة" في الأونيسكو ـ بيروت، أن "لبنان تخلى عن مقولة "أن قوة لبنان في ضعفه"، ليثبت في المقابل أن قوته تكمن في تضامن جيشه وشعبه ومقاومته"، وقال "لبنان المنتصر الذي إستطاع بدماء ابنائه وتضحيات شهدائه ومقاومته الباسلة ان يطرد المحتل من ارضه وأن يستعيد أسراه من السجون وأن يقف شامخا عزيزا في مواجهة الاخطار والتحديات والتهديدات الصهيونية صنع لشعبه وأمته موقعا جديدا ومتقدما على طريق النصر الحاسم"، منوّها بالحضور ومشيدا بما سيقدمونه من رؤى ومواقف عظيمة الأثر على وعي شعوبنا وإرادتها وعزمها وهمتها وثقتها بالمستقبل.
وهنا النص الكامل لكلمة سماحته:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين سيدنا ونبينا ابي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين وعلى جميع الانبياء والمرسلين، السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.
أيها الإخوة والأخوات السيدات والسادة أرحب بكم جميعا في مدينة بيروت عاصمة الثقافة والحرية والعروبة والنضال والمقاومة، وأهلا بكم في لبنان القوي الذي تخلى عن أعجوبة قوة لبنان في ضعفه إلى حقيقة قوة لبنان في تضامن جيشه وشعبه ومقاومته. أهلا بكم في لبنان المنتصر الذي إستطاع بدماء ابنائه وتضحيات شهدائه ومقاومته الباسلة ان يطرد المحتل من ارضه وان يستعيد أسراه من السجون وان يقف شامخا عزيزا في مواجهة الاخطار والتحديات والتهديدات الصهيونية صانعا لشعبه وأمته موقعا جديدا ومتقدما على طريق النصر الحاسم إن شاء الله. والشكر لكم بعد الترحيب والشكر لكم على حضوركم الكبير والصادق لدعم المقاومة، لدعم مشروعها وحركاتها وشعوبها وثقافاتها، لإحتضانها ومساندتها في زمن التحدي وزمن الصعاب، واعلموا أيها الإخوة والأخوات أنّ لِحُضُورِكم المبارك وما ستقدمونه من رؤى ومواقف عظيم الأثر على وعي شعوبنا وإرادتها وعزمها وهمتها وثقتها بالمستقبل.
ايها الإخوة والأخوات، في الوقت المتاح الضيق الذي ألجأني إلى الكتابة، أود ان اتحدث عن الجانب المضئ في الصراع القائم وأما الجانب المظلم فيتحدث عنه الكثيرون للاسف في هذا العالم، منذ ان قامت قوى الهيمنة والاستكبار بإيجاد إسرائيل ككيان غاصب لفلسطين وثكنة عسكرية متقدمة للإستكبار كانت تطمح هذه القوى وعملاءها الصهاينة إلى إقامة كيان قوي إستيطاني توسعي يشكل الضمانة الدائمة لمصالحهم في منطقتنا فيما عرف بمشروع إسرائيل الكبرى، كان الإنتصار الإسرائيلي في عام 48 تأسيسيا وفي الـ 67 توسعيا، واعتقد الصهاينة واسيادهم انهم على مقربة من إنجاز مشروع إسرائيل الكبرى، ثم كانت حرب رمضان تشرين عام 1973 ـ وانا اليوم ساتحدث عن حقائق دون مجاملات ـ كانت مفصلا تاريخيا ومهما في الصراع مع العدو الإسرائيلي، لقد سطّر بحق الجيشان العربيان المصري والسوري ملاحما بطولية وتاريخية لا تنسى ووضعا حدا للأمل والطموح الصهيوني بالتوسع ولكن دون الإجهاز على هذا الطموح، بعدها بسنوات اخرج النظام المصري مصر من معادلة الصراع مع إسرائيل عبر كمب ديفيد وكان هذا اخطر تحول في تاريخ الصراع، ولكن شاء الله المنان ان يُدْخِلَ الإمام الخميني إيران إلى معادلة الصراع عبر الثورة الإسلامية المظفرة وإسقاط نظام الشاه العميل لامريكا وإسرائيل، وكان هذا ايضا اخطر تحول في تاريخ الصراع.
عام 82 اجتاحت القوات الصهيونية لبنان واحتلت العاصمة العربية بيروت وأرادت السيطرة على لبنان وإلحاقه نهائيا بها، أحيا نجاح الإجتياح الإسرائيلي حلمها في إقامة إسرائيل الكبرى من جديد ولكن بعد سنوات قليلة من مقاومة اللبنانيين وتضحياتهم ودمائهم الزكية وصمودهم الإسطوري خرجت إسرائيل من لبنان ذليلة مهزومة تجر ذيلها بين رجليها كما قال الصهاينة انفسهم في 25 أيار 2000، كان هذا إعلانا صارخا بالسقوط النهائي لمشروع إسرائيل الكبرى وبدأ التنظير لإسرائيل العظمى المتفوقة في القوة في مقابل المشروع السابق إسرائيل الكبرى الممتدة في الجغرافيا. بعد اشهر قليلة من الانتصار اللبناني كانت انتفاضة الاقصى في فلسطين والتي تحولت إلى مقاومة جهادية رائعة متصاعدة وبدأت إسرائيل العظمى تشعر بالإرتباك والضعف والقلق وتتحدث عن معركة الوجود والإستقلال الثاني من جديد وحتى البقاء في فلسطين التاريخية بات متعذرا، فغزة المقاومة تخرج الإحتلال بالمقاومة ويتمنى الصهاينة من غيظهم وحقدهم لغزة ان تغرق في البحر ولن تغرق في البحر بل ستغرقهم انشاء الله، وأقيمت الجدران في الضفة كأنها محاولة لترسيم حدود جديدة يختبىء فيها الصهاينة خلف الجدران من بأس المجاهدين والاستشهاديين الفلسطينيين، شنت إسرائيل بعد ذلك حربها العدوانية على لبنان في تموز 2006 لسحق المقاومة فبقيت المقاومة في لبنان وقويت وتعاظمت، وشنت الحرب لإستعادة هيبة الردع الضائعة فضاع ما بقي من هيبة ردع واعترفت كل إسرائيل بهزيمتها في تموز وتداعت احلام إسرائيل العظمى في مارون الرأس وعيتا الشعب وبنت جبيل ليختم على مشروع إسرائيل العظمى بالدم الاحمر الذي قاتل حتى الشهادة والانتصار في غزة 2008.
خرجت إسرائيل من حروبها مع المقاومة في فلسطين ولبنان تدرس عند "فينوغرادها" وتستخلص عِبَرَها وتحاول ترميم جيشها ومعنوياتها، إسرائيل اليوم أيها الإخوة والأخوات وبصدق ودون مبالغة تعيش مأزقا حقيقيا يتحدث عنه قادتها وخبراءها وصحفها ونخبها واحزابها واستطلاعات الراي العام فيها، مأزق المشروع والحلم، مأزق الزعامة والقيادة، مأزق الجيش الذي كان لا يقهر فقهرته فئة قليلة من المقاومين والمجاهدين، مأزق الثقة بالنظام وبالمؤسسات ومأزق الثقة بالمستقبل، وهي تحاول اليوم ان ترمم ذلك كله عبر صليل السلاح وقرع طبول الحرب والتهديدات المنبرية اليومية للبنان وغزة ولسورية وإيران، هذه التهديدات التي ما عادت تخيف إلا الجبناء والمهزومين، أما الذين خبروا ساحات الجهاد وذاقوا طعم النصر الإلهي فإنهم مشتاقون إلى اللقاء والمواجهة ليصنعوا لامتهم عزا جديدا ونصرا كبيرا انشاء الله.
ها هي إسرائيل المهزومة تستعين على حركات المقاومة وشعوب المقاومة بالمجتمع الدولي وبمجلس الامن الدولي وبالمؤسسات الدولية وببعض الأنظمة العربية والمخابرات العربية وإقامة الجدران الفولاذية وحملات الترهيب والتشويه والحصار، ولكنها في نفس الوقت تحسب للمواجهة العسكرية المباشرة كل حساب لاول مرة. ايها الإخوة والأخوات، تبحث إسرائيل عن ضمانات النجاح والنصر في اية حرب مقبلة، اما على صعيد مواجهة مشروع الهيمنة الامريكي في المنطقة.
استطيع القول ايضا، اننا تجاوزنا مرحلة من اخطر المراحل في تاريخ منطقتنا وأمتنا حيث كانت القوة الامريكية العسكرية والامنية والاقتصادية والسياسية قد وصلت إلى القمة في العقدين الاخيرين وشجعها إستفرادها في العالم ان تذهب في مشروعها وفي هجومها على منطقتنا ودولنا وشعوبنا إلى النهاية، مقتنصة ما اعتبرته فرصة تاريخية لحسم صراعها مع أمتنا فكان الإحتلال الامريكي لافغانستان وللعراق وكان التهديد الدائم لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران ولسورية الاسد ومحاولة السيطرة على لبنان والدعم والرعاية المطلقة للحروب الإسرائيلية على لبنان وغزة، وكان المطلوب تحقيقه تصفية حركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان وتجفيف كل منابع الدعم والمساندة المختلفة لهذه الحركات في العالم، إسقاط الانظمة الممانعة لمشروع الهيمنة والداعمة للمقاومة خصوصا في إيران وسورية والسودان، فرض ثقافة الإستسلام والعجز على شعوبنا وحكوماتنا، انجاز تسوية للقضية الفلسطينية بالشروط الامريكية الإسرائيلية، إدخال المنطقة نهائيا في العصر الامريكي الصهيوني وكان عنوان المشروع والهجوم والمعركة هو الشرق الاوسط الجديد الذي تحدثت عن مخاض ولادته كونداليزا رايس في بداية حرب تموز 2006.
مجددا إستطاع مشروع المقاومة والممانعة والصمود، إستطاع اهل المقاومة والممانعة والصمود وانتم منهم ان يحققوا انجازات تاريخية كبيرة، صمدت حركات المقاومة في كل الساحات امام الحروب ومحاولات التصفية الجسدية والمعنوية، وصمدت حكومات الممانعة امام الضغوط والعزل والعقوبات، وتمسكت شعوبنا بثقافة الكرامة والحرية والجهاد فباتت اكثر إباء للضيم ورفضا للذل وللإستسلام ودخلت مفاوضات التسوية في حالة "كوما" ويعمل العديد من الأطباء الفاشلين لانعاشها من جديد، وانهار مشروع الشرق الاوسط الجديد امام قبضات المجاهدين ووعي الخواص وتضحيات العامة ودماء الاطفال والنساء والعجزة والدمار الهائل الذي صنع بالصمود وبالمقاومة انتصارات هائلة.
إن لم نتحدث اليوم عن سقوط المشروع الامريكي في منطقتنا نهائيا، فيمكننا في الحد الأدنى أن نتحدث عن الفشل الأمريكي والإخفاق والتراجع والإحساس بالعجز وانعدام الخيارات، وكل هذه مقدمات السقوط النهائي لهذا المشروع وهذه الحرب على أمتنا إن شاء الله، هذا توصيف سريع لعظيم انتصارات وإنجازات المقاومة في أمتنا وفي منطقتنا، والتي تحققت أيضا ـ يعني مما يزيد في عظمتها وأهميتها وتاريخيتها وروعتها ـ أنها تحققت في أسوء الظروف العربية في تاريخ أمتنا العربية، في أسوء الظروف العربي والدولية التي تعرفونها، حركات المقاومة أنجزت هذه الإنتصارات الكبرى في أسوء ظروف عاشت فيها الغربة والوحدة والحصار والترهيب والتخويف والتآمر والتواطؤ والطعن في الظهر حتى من ذوي القربى، ولكنها انتصرت بإخلاصها وصدقها وعزمها وتضحيات مقاوميها ودماء شهدائها الأطهار.نقول هذا كله لنؤكد لشعوبنا ومن خلال مؤتمركم الكريم أنّ خيار المقاومة هو خيار حقيقي واقعي عقلائي منطقي منتصر وله آفاق كبيرة وآمال عظيمة، ليس مجرد انفعال عابر أو نزوة غضب ثائرة.
أيها الإخوة والأخوات، إنّ مشروع المقاومة وإنّ حركات المقاومة وشعوبها بحاجة إلى كل أشكال الدعم والمساندة والإحتضان السياسي والإعلامي والمعنوي والقانوني والمادي وغير ذلك وخصوص في مواجهة الحرب النفسية، إنّ هناك أخطارا عديدة ما زالت تواجه حركات المقاومة وأهمها وأخطرها، باعتقادي وهذا أملي في نهاية الخطاب أطلب من هذا المؤتمر بمن يضم المساعدة الحقيقية في مواجهة هذا النوع من الحرب، حرب التشويه للمس بوعيها وإرادتها وومصداقيتها وثقة أهلها بها ف يكل وطن وثقة أمتها بها على المستوى العام، كيف، من النقاش بجدواها وتبعاتها ـ الذي جرى في لبنان وغزة من حديث عن الشهداء والدمار ـ من النقاش بجدوها وتبعاتها مع انتصاراتها الواضحة، إلى اتهامها بارتكاب جرائم لا علاقة لها بالمقاومة بها بل هي تدينها في كل مناسبة إلى اتهامها بالمفاسد الأخلاقية من ترويج المخدرات وغير ذلك، على الطعن برموزها وقياداتها وفصائلها وأطرها، إلى وصمها بالطائفة والمذهبية، إلى اتهامها بالإرتهان إلى الدول الإقليمية وخاصة بالإرتهان لإيران وسوريا المشكورتين دائما وأبدا على الدعم اللامحدود واللامشروط الذي تقدمه للمقاومة، مع أنّ حركات المقاومة في بلادنا هي اليوم من أشرف الحركات الوطنية في التاريخ ومن أشرف الحركات الوطنية في العالم، إلى وصمها بالإرهاب واتهامها بالترويج لثقافة الموت التي تعني ثقافة الجهاد والشهادة في مقابل ثقافة الإستسلام التي يسمونها ثقافة الحياة، إلى حشرها وجرها لصراعات داخلية تأبى المقاومة الدخول فيها، إلى عليها لتبديل أولوياتها، إلى تضليل الأمة لاستبدال العدو بصديق من العداء لسوريا إلى العداء لإيران، على محاصرة المقاومة محاصرة صوتها وخطابها القانوني العقلائي المنطقي الإنساني الإيماني الشريف الواضح من خلال منعها من الحضور في المؤتمرات ومن خلال القانون الذي تعمل الإدارة الأمريكية على إصداره لكم الأفواه والذي يستهدف بالدرجة الأولى قناتي المنار والأقصى وغيرها من الفضائية العربية التي تحاول أن تقول الحقيقة.
وللأسف الشديد أيها الإخوة والأخوات، فإنّ الكثير من وسائل الإعلام العربي والأقلام التي تسمى عربية، وفي ظل إمكانات مالية وتقنية هائلة تستخدم في خدمة هذ الحرب على حركات المقاومة.
إنّ كان لي في نهاية الكلمة من دعوة أو مناشدة لمؤتمركم الكريم الذي يضم هذه النخب السياسية والفكرية والدينية والثقافية والجهادية من أنحاء العالمإنّ كان لي من دعوة أو مناشدة، هي : أن تساندو المقاومة بالدرجة الأولى في مواجهة هذه الحرب النفسية الهائلة التي يسمونها اليوم بالحرب الناعمة والتي استطاعت أن تكون من أهم وسائل الحرب التي أدت إلى انهيار الإتحاد السوفياتي والمعسكر الإشتراكي كما اعترف بذلك وزير الحرب الأمريكي غيتس شخصيا, وأنا أؤكد لكم أيها الإخوة والأخوات لتكونوا مطمئنين وأنا أعرف بقية حركات المقاومة، أنا أؤكد لكم لن تهزنا هذه الحرب ولا أي شكل من أشكال الحرب وسنواجهها بالإيمان والصبر والوعي والعزم واليقين، ونحن أبناء ذلك الكتاب الإلهي الذي يخاطبنا منذ مئات السنين إلى الأزل :" الذين قال لهم الناس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل"، في كل حروبنا الماضية قلنا "حسبنا الله ونعم الوكيل" وانتصرنا، وفي المستقبل واليوم "حسبنا الله ونعم الوكيل" وسننتصر.
وأنتم، أحباء لبنان وفلسطين والعراق والأمة والمقاومة، أود أيضا أن أعدكم أمام كل التهويلات والتهديدات للبنان التي تسمعونها يوميا، أن أعدكم كما كنت أعدكم دائما، في أي مواجهة مقبلة مع الصهاينة سنفشل أهداف العدوان، سنهزم العدو، سنصنع النصر التاريخي الكبير وسنغيّر وجه المنطقة إن شاء الله. أؤكد لكم أيها السادة المستقبل في هذ المنطقة هو مستقبل المقاومة والعزة والكرامة والحرية، وإسرائيل والإحتلال والهيمنة والإستكبار إلى زوال إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.