ارشيف من :ترجمات ودراسات
خاص الانتقاد.نت: لماذا رضخت "إسرائيل" أمام الإنذار التركي؟
كتب المحرر العبري
قدمت "إسرائيل" اعتذارا رسميا إلى تركيا، بعدما وجهت إليها الأخيرة إنذارا بأنها إذا ما امتنعت عن تقديم اعتذار مباشر وواضح من دولة إلى دولة، فإنها ستستدعي سفيرها للتشاور في اليوم التالي. الامر الذي دفع قادة الكيان إلى المسارعة والطلب من نائب وزير الخارجية "داني أيالون"، الذي اهان السفير التركي في تل ابيب، بالمبادرة إلى كتابة رسالة اعتذار رسمية يكتب فيها، بناء على الطلب التركي، كلمة "اعتذر"، وموجهة إلى رئيس الدولة في تركيا عبد الله غول. واتى ذلك بعد إعلان وتسريب مواقف استعراضية اوحت بأن "إسرائيل" لن تقدم اعتذارا رسميا للدولة التركية.
كان نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني ايالون، قد استدعى السفير التركي في تل ابيب، على خلفية بث التلفزيون التركي مسلسل "وادي الذئاب" الذي يحاكي قتل الجيش الإسرائيلي للمدنيين في غزة، إضافة إلى تصريحات كان قد أطلقها رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان ضد "إسرائيل". وبحسب ما أظهرت الكاميرات وكشفته التقارير الصحفية فقد رفض ايالون مصافحة السفير التركي، وأرغمه على الانتظار طويلا في رواق قبل استقباله، وتعمد عدم وضع العلم التركي على الطاولة خلال اللقاء، مكتفيا بالعلم الإسرائيلي، واعطى تعليمات بعدم تقديم أي شراب للسفير، وطلب من الصحافيين أن يذكروا أن السفير كان جالسا بمستوى ادنى من المسؤولين الإسرائيليين.
قبل تناول خلفيات الرضوخ الإسرائيلي، ينبغي أن نشير إلى انه كان بإمكان "إسرائيل" إعلان اعتذارا مباشرا في أعقاب الحادث، لكن كعادتها تغلب التعالي الإسرائيلي على حكمة العقل حتى بلغ الأمر أن ايالون أعلن أمام الكنيست، قبل ان يجبر على تقديم الاعتذار، بأن "إسرائيل" ستكون هي الرابح في هذه المشاحنة. وبعد انقلاب الأدوار وتحول المذِّل (بكسر الذا) إلى مُذَّل (فتح الذا)، حاول رئيس الدولة شمعون بيريس التقليل من وقع ما جرى بالقول ان ما جرى ليس سوى خطأ فرد وليس خطأ دولة لكن جميع وسائل الاعلام الاسرائيلية والقيادات السياسية لم تتعامل مع الحدث على هذا الأساس.
حول الظروف التي دفعت "إسرائيل" للرضوخ امام تركيا، يمكن الاشارة إلى النقاط التالية:
تعتبر إسرائيل تركيا، وهي كذلك، لاعبا أساسيا ومركزيا في المنطقة، وليس من مصلحة "إسرائيل" استعدائها ودفعها للاقتراب اكثر من أعدائها، خاصة وأن التوجه التركي، في هذه المرحلة، ينحو نحو أعداء إسرائيل مع الابقاء على قدر معقول من العلاقات مع "اسرائيل"، وعليه فإن "إسرائيل" تجد من واجبها الامتناع، على الاقل، عن التسبب بدفعات إضافية للاندفاعة التركية الابتدائية، نحو اعداء إسرائيل.
رغم كل المواقف التركية اللاذعة، التي لا تتناسب مع العلاقات التاريخية بينهما، لا ترى "إسرائيل" في تركيا دولة معادية، لأكثر من سبب منها ان هناك حالة تشابك في اكثر من محور بين الطرفين، كما أن "إسرائيل" لا ترى في الخطوات التركية خطرا عليها بحيث يتعذر على تل أبيب التعايش معها، الأمر الذي يدفعها، ولحسابات استراتيجية بعيدة المدى إلى تحمل "الفظاظة" التركية بهدف المحافظة على العلاقات القائمة بينهما.
تعتبر "إسرائيل" ان تأزيم العلاقات بينها وبين تركيا لن يستفيد منه سوى عدويها اللدودين ايران وسوريا في ظل الظروف السياسية الحساسة التي تمر بها المنطقة. كما يبقى في الخلفية الإسرائيلية رهان على ان يؤدي تداول السلطة في تركيا إلى وصول قيادات اخرى في مرحلة لاحقة تكون مواقفها اقل حدة من "إسرائيل"، وعليه فإن من مصلحتها عدم الذهاب بعيدا في الازمة التي نشبت والحؤول دون مزيد من تفاقم العلاقات بينهما.
تبقى الإشارة إلى انه بغض النظر عما استقر عليه الاشتباك السياسي الدبلوماسي، بين الطرفين، في هذه المرحلة، فإن ما جرى يعكس وبقوة، تدهور مكانة "إسرائيل" في المنطقة بل ان ما كشفته تقارير اعلامية اسرائيلية عن ان الرئيس الاميركي باراك اوباما تدخل في مرحلة سابقة لتخفيف حدة مواقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، من السياسة الإسرائيلية واصرار الاخير على مواقفه، يدفع إلى التساؤل عما آلت اليه مقولة ان "تل ابيب هي بوابة واشنطن".
في المقابل ينبغي الاشارة إلى ان مسؤولين في المؤسسة الامنية الإسرائيلية اكدوا على ان تأزم العلاقات السياسية والدبلوماسية بين تركيا و"اسرائيل" لم يؤثر على التعاون الامني بين البلدين؟!.