ارشيف من :أخبار عالمية
أوباما وقضية السود... زمن النيوعبودية!
عقيل الشيخ حسين
كل عام، يحتفل الأميركيون ـ في ثالث يوم اثنين من كانون الثاني / يناير، بذكرى ميلاد القس مارتن لوثر كينغ الذي فجر حركة الحقوق المدنية التي كان من ثمارها ما يسمى بتمتع السود الأميركيين بحقوقهم ومساواتهم بالأميركيين البيض.
وعلى جري عادته في السنوات الأخيرة، احتفل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وزوجته ميشال، بهذه المناسبة، بأن قاما، بين أعمال خيرية أخرى، باقتحام مطعم بسيط حيث وزعا الطعام على نحو مئة وخمسين شخصاً من المشردين البائسين. وتم تخليد هذه المبادرة بصورة تذكارية جمعت الرئيس وزوجته مع المتطوعين في هذا العمل الخيري.
وعلى جري عادته، أعاد باراك أوباما الكلام عن الحلم الأميركي، أي عن ذلك الحلم الذي راود مارتن لوثر كينغ برؤية السود الأميركيين يتمتعون بالمساواة في الحقوق مع البيض. وأضاف كلاماً عن المصير الواحد الذي يجمع بين السود والبيض.
وقد كان مارتن لوثر كينغ الذي نادى بتحرير السود عن غير طريق العنف، والذي سقط قتيلاً برصاص أحد المتعصبين السود، في العام 1968، قد تمكن، عبر نضالاته من إحقاق حق السود في ركوب الحافلات العمومية، وحق بعضهم في الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، إضافة إلى حقوق أخرى ـ لا تشمل الجميع ـ في مجالات التعليم وارتياد المطاعم والملاهي. وجاء مصرعه في وقت كان يتم فيه التحضير لإضراب عام بهدف تحسين أوضاع العاملين في جمع النفايات في أميركا، وهم جميعاً من السود طبعاً.
ويسود الانطباع اليوم بأن حركة مارتن لوثر كينغ قد حققت أهدافها. فهنالك اليوم كثير من السود الذين تبوأوا مقامات في المؤسسات الأميركية العامة والخاصة، ومنها مقامات عليا كما في حالة كولن باول، بطل حرب الخليج، وأول أميركي أسود يتبوأ منصب وزير الخارجية. وكما في حالة كوندوليسا رايس، ثاني وزراء الخارجية من السود، وسوزان رايس، ممثلة الولايات المتحدة في المنظمة الدولية، وغيرهم، وصولاً إلى المقام الأول الذي وصل إليه باراك أوباما في البيت الأبيض.
لكن المساواة، بل التفوق الذي تحقق لبعض السود، لم يتحقق إلا بثمن كبير هو عبارة عن خسارة فادحة. يتبين ذلك من خلال مقارنة بسيطة بين الوالد، حسين أوباما، الذي قذفته الظروف إلى أميركا، لكنه عاد وغادرها عائداً ليخدم قضية إفريقيا، وبين الابن، باراك أوباما، الذي قادته الظروف إلى خدمة قضايا أميركا، لا بما هي قضايا أميركا بجماهيرها العريضة، وعشرات ملايينها من المستضعفين السود وغير السود، بل بما هي قضايا الرأسمالية المتوحشة ممثلة بالشركات العابرة للقارات، وصانعي الأزمات المالية الماحقة، ومفجّري الحروب الظالمة، كما في العراق وأفغانستان، وداعمي القضايا الإجرامية، على شاكلة القضية الصهيونية.
خسارة فادحة لقضايا التحرر بشكل عام، ولقضية السود في العالم وفي الولايات المتحدة، بوجه خاص. خسارة بدأت خيوطها بالارتسام في حركة الحقوق المدنية التي كانت شعاراتها حول التحرر والمساواة تعني، ضمناً، "أيها البيض، نريد أن نكون مثلكم. نريد أن نحصل على حصة من ثمرات نظامكم". بدلاً من أن تعني: أيها البيض نريد أن نقدم نموذجاً أفضل من نموذجكم.
خسارة فادحة إذا ما قورنت نتائج حركة الحقوق المدنية التي أوصلت بعض السود إلى مقامات عليا، بما كان يفترض أن تتوصل إليه من نتائج ترد الاعتبار إلى التاريخ الطويل من الاضطهاد الذي تعرض له السود الذين استجلبوا عبيداً من إفريقيا ليخدموا، تحت السياط، في مزارع البيض الجنوبيين، قبل أن يصبحوا سبباً لتفجر الحرب الأهلية بين الشمال الأميركي الصناعي، والجنوب الأميركي الزراعي، وقبل أن "يحررهم" الشماليون ليحولوهم إلى عبيد في مصانعهم، ثم إلى أصحاب أولوية مطلقة في البطالة والتهميش والبؤس منذ اللحظة التي بدأت فيها الأزمات تفتك بجسد الرأسمالية الصناعية.
خسارة فادحة بما وضعت السود أمام خيار "خلع جلودهم" (العبارة وردت في مذكرات أوباما نفسه) والتخلي عن هويتهم كشرط للمساواة مع البيض، بدلاً من أن يحتفظ السود بجلودهم، وأن يناضلوا من أجل تحقيق ذاتهم وهويتهم كأصحاب قضية تمتد بجذورها إلى إفريقيا العميقة التي أعطاها المستعمرون البيض شكلها البائس الحالي. كأصحاب قضية داخل أميركا تتجاوز حدود النضال من أجل تحسين ظروف العاملين في جمع النفايات.
وإذا كان البعض من أمثال باول ورايس وأوباما قد تمكنوا من الوصول إلى مقامات عليا، فإنهم لم يفعلوا غير التمديد لعبوديتهم بأشكال أخرى كخدم لقضايا "الأميركي البشع"، تاركين وراءهم مئات الملايين من السود في إفريقيا وأميركا يرسفون في أغلال عبودية ذات أشكال قديمة وأشكال جديدة لا تقل إساءة إلى الإنسان من أشكالها القديمة. إنها النيوعبودية التي يرسف في أغلالها السود من أوباما إلى آخر البائسين في هارلم وشوارع إفريقيا.
وإذا كان أوباما يعبّر عن إخلاصه اليوم لقضية السود عبر تقديم الطعام لمئة وخمسين شخصاً من المشردين البائسين، فإنه يخون قضية مئات الملايين من السود الذين لم تشملهم هذه النعمة، والذين تهددهم مصائر أدهى من العبودية التي يخطها لهم أولئك الذين تحول أوباما وأمثاله، في ظل كذبة المساواة والحرية، إلى عبيد لهم.
كل عام، يحتفل الأميركيون ـ في ثالث يوم اثنين من كانون الثاني / يناير، بذكرى ميلاد القس مارتن لوثر كينغ الذي فجر حركة الحقوق المدنية التي كان من ثمارها ما يسمى بتمتع السود الأميركيين بحقوقهم ومساواتهم بالأميركيين البيض.
وعلى جري عادته في السنوات الأخيرة، احتفل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وزوجته ميشال، بهذه المناسبة، بأن قاما، بين أعمال خيرية أخرى، باقتحام مطعم بسيط حيث وزعا الطعام على نحو مئة وخمسين شخصاً من المشردين البائسين. وتم تخليد هذه المبادرة بصورة تذكارية جمعت الرئيس وزوجته مع المتطوعين في هذا العمل الخيري.
وعلى جري عادته، أعاد باراك أوباما الكلام عن الحلم الأميركي، أي عن ذلك الحلم الذي راود مارتن لوثر كينغ برؤية السود الأميركيين يتمتعون بالمساواة في الحقوق مع البيض. وأضاف كلاماً عن المصير الواحد الذي يجمع بين السود والبيض.
وقد كان مارتن لوثر كينغ الذي نادى بتحرير السود عن غير طريق العنف، والذي سقط قتيلاً برصاص أحد المتعصبين السود، في العام 1968، قد تمكن، عبر نضالاته من إحقاق حق السود في ركوب الحافلات العمومية، وحق بعضهم في الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، إضافة إلى حقوق أخرى ـ لا تشمل الجميع ـ في مجالات التعليم وارتياد المطاعم والملاهي. وجاء مصرعه في وقت كان يتم فيه التحضير لإضراب عام بهدف تحسين أوضاع العاملين في جمع النفايات في أميركا، وهم جميعاً من السود طبعاً.
ويسود الانطباع اليوم بأن حركة مارتن لوثر كينغ قد حققت أهدافها. فهنالك اليوم كثير من السود الذين تبوأوا مقامات في المؤسسات الأميركية العامة والخاصة، ومنها مقامات عليا كما في حالة كولن باول، بطل حرب الخليج، وأول أميركي أسود يتبوأ منصب وزير الخارجية. وكما في حالة كوندوليسا رايس، ثاني وزراء الخارجية من السود، وسوزان رايس، ممثلة الولايات المتحدة في المنظمة الدولية، وغيرهم، وصولاً إلى المقام الأول الذي وصل إليه باراك أوباما في البيت الأبيض.
لكن المساواة، بل التفوق الذي تحقق لبعض السود، لم يتحقق إلا بثمن كبير هو عبارة عن خسارة فادحة. يتبين ذلك من خلال مقارنة بسيطة بين الوالد، حسين أوباما، الذي قذفته الظروف إلى أميركا، لكنه عاد وغادرها عائداً ليخدم قضية إفريقيا، وبين الابن، باراك أوباما، الذي قادته الظروف إلى خدمة قضايا أميركا، لا بما هي قضايا أميركا بجماهيرها العريضة، وعشرات ملايينها من المستضعفين السود وغير السود، بل بما هي قضايا الرأسمالية المتوحشة ممثلة بالشركات العابرة للقارات، وصانعي الأزمات المالية الماحقة، ومفجّري الحروب الظالمة، كما في العراق وأفغانستان، وداعمي القضايا الإجرامية، على شاكلة القضية الصهيونية.
خسارة فادحة لقضايا التحرر بشكل عام، ولقضية السود في العالم وفي الولايات المتحدة، بوجه خاص. خسارة بدأت خيوطها بالارتسام في حركة الحقوق المدنية التي كانت شعاراتها حول التحرر والمساواة تعني، ضمناً، "أيها البيض، نريد أن نكون مثلكم. نريد أن نحصل على حصة من ثمرات نظامكم". بدلاً من أن تعني: أيها البيض نريد أن نقدم نموذجاً أفضل من نموذجكم.
خسارة فادحة إذا ما قورنت نتائج حركة الحقوق المدنية التي أوصلت بعض السود إلى مقامات عليا، بما كان يفترض أن تتوصل إليه من نتائج ترد الاعتبار إلى التاريخ الطويل من الاضطهاد الذي تعرض له السود الذين استجلبوا عبيداً من إفريقيا ليخدموا، تحت السياط، في مزارع البيض الجنوبيين، قبل أن يصبحوا سبباً لتفجر الحرب الأهلية بين الشمال الأميركي الصناعي، والجنوب الأميركي الزراعي، وقبل أن "يحررهم" الشماليون ليحولوهم إلى عبيد في مصانعهم، ثم إلى أصحاب أولوية مطلقة في البطالة والتهميش والبؤس منذ اللحظة التي بدأت فيها الأزمات تفتك بجسد الرأسمالية الصناعية.
خسارة فادحة بما وضعت السود أمام خيار "خلع جلودهم" (العبارة وردت في مذكرات أوباما نفسه) والتخلي عن هويتهم كشرط للمساواة مع البيض، بدلاً من أن يحتفظ السود بجلودهم، وأن يناضلوا من أجل تحقيق ذاتهم وهويتهم كأصحاب قضية تمتد بجذورها إلى إفريقيا العميقة التي أعطاها المستعمرون البيض شكلها البائس الحالي. كأصحاب قضية داخل أميركا تتجاوز حدود النضال من أجل تحسين ظروف العاملين في جمع النفايات.
وإذا كان البعض من أمثال باول ورايس وأوباما قد تمكنوا من الوصول إلى مقامات عليا، فإنهم لم يفعلوا غير التمديد لعبوديتهم بأشكال أخرى كخدم لقضايا "الأميركي البشع"، تاركين وراءهم مئات الملايين من السود في إفريقيا وأميركا يرسفون في أغلال عبودية ذات أشكال قديمة وأشكال جديدة لا تقل إساءة إلى الإنسان من أشكالها القديمة. إنها النيوعبودية التي يرسف في أغلالها السود من أوباما إلى آخر البائسين في هارلم وشوارع إفريقيا.
وإذا كان أوباما يعبّر عن إخلاصه اليوم لقضية السود عبر تقديم الطعام لمئة وخمسين شخصاً من المشردين البائسين، فإنه يخون قضية مئات الملايين من السود الذين لم تشملهم هذه النعمة، والذين تهددهم مصائر أدهى من العبودية التي يخطها لهم أولئك الذين تحول أوباما وأمثاله، في ظل كذبة المساواة والحرية، إلى عبيد لهم.