ارشيف من :ترجمات ودراسات

مع المقاومة لا إمكانية لتكرار حسم العام 1967 (*)

مع المقاومة لا إمكانية لتكرار حسم العام 1967 (*)
ميخائيل ميلشتاين(*)
إعداد المحرر العبري
نشر مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي دراسة تتعلق بالمواجهة القائمة بين المقاومة والعدو الاسرائيلي، فند فيها كاتبها اسباب عدم قدرة العدو على تكرار حسم المعركة كما حصل في حرب العام 1967، وهنا مقتطفات من الدراسة:
... إن فكرة المقاومة ليست نوعا من الموضة الفكرية العابرة. فهي على ارتباط وثيق مع صيرورات عميقة ـ ثقافية, سياسية واجتماعية ـ وهو ما يمنحها قوة وحياة, تجعل منها خطراً بعيد المدى من ناحية إسرائيل. ويكمن خطر فكرة المقاومة تحديداً في أن معظم القوى الممثلة له لا تشكل تهديداً وجودياً وفورياً على إسرائيل. وهي مرتبطة بحبل سري مع تجمعات مدنية وهي تتجنب بشكل عام تقييد نفسها بأطر وتعريفات لكيانات دول مؤسسة. وبسبب ذلك, وكما ثبت في السنوات الأخيرة, نشأ بالتدريج نوع من التسليم الدولي المتزايد, بما في ذلك دول الغرب, بوجود هذه القوى, لأسباب بينها الإيمان المتزايد باستحالة إلحاق الهزيمة التامة بها. والأخطر من ذلك أن جهات غربية كثيرة تتبنى في السنوات الأخيرة نظرة ترى وجوب التخلي عن الصراع الدائم مع قوى المقاومة وبدلاً من ذلك الشروع بحوار معها, الأمر الذي سيقود وفق وجهة نظرهم إلى اعتدالهم بالتدريج. والأمر البارز على وجه الخصوص في الموقف الذي بلورته إدارة أوباما ودول غرب أوروبا تجاه إيران, ولكنه يجد تعبيراً, أيضاً ولو بشدة وحجم أقل, في المواقف المتخذة بالتدريج تجاه حزب الله وحماس.  
فهل يمكن أن يطرأ مع الوقت في صفوف قوى المقاومة تغيير من النوع الذي سيشهد على تليين مبدئي في مواقفهم الأيديولوجية؟ وتتصارع مع هذا السؤال منذ سنوات طويلة جهات كثيرة في الحلبة السياسية, الأمنية, العامة والثقافية في العالم الغربي عموما وفي إسرائيل خصوصا. وبالعموم فإن هذا سجال عاصف ومشحون, يعبر عن فلسفات مختلفة, وأمانٍ ومواقف سياسية للمشاركين فيه. ويبرز في هذا السجال تياران مركزيان للمعلقين والباحثين: من ناحية هناك من يؤمنون بقانونية عالمية تسري على جميع الجهات السياسية والمجتمعات الإنسانية, وبناء عليه فإنهم أيضاً يتمسكون بتقديرهم أن كل جهة متطرفة هي جهة يمكن تليينها. ومن الناحية الأخرى هناك الذين يمنحون وزناً حاسماً للأساس الأيديولوجي ـ الثقافي المحفور عميقاً في رؤية قوى المقاومة, وبناء عليه فإنهم يثيرون شكوكاً عميقة بإمكانية أن يتغيّر هؤلاء بشكل جوهري. ومن الجهة الأخرى يجند أنصار «نظرية التغيير» أنماطاً من ميدان العلوم الاجتماعية بهدف تأكيد فرضياتهم, وبالمقابل يتمسك أنصار «النظرية الثقافية» بمجموعة من المصطلحات, الأساطير والأفكار بشأن عقلية دينية وعرقية كأساس لتبرير حججهم. وهؤلاء وأولئك أيضاً يعانون أحياناً من مقاربة قدرية ومن تعميمات لا تعبر عن تعقيد ولا عن تعدد وجوه ظاهرة المقاومة.  
والمدى الزماني للتعامل مع تحدي المقاومة في الشرق الأوسط ليس كافياً للردّ على سؤال التغيير, وهو يضع حالياً الباحثين الخارجيين أمام ميزان متضارب, لا يكون فيه الميل واضحاً. فمن جهة, فإن عموم قوى المقاومة تظهر منذ سنوات كثيرة مستوى عالياً من المرونة والبراغماتية في ضوء ضغوط الواقع, بل إن قسماً منها ينفذ تغييرات جوهرية في أنماط سلوكها في ضوء المواجهة مع الظروف الجديدة. ومن الجهة الأخرى, فإن عموم هذه التغييرات لا يشهد حتى الآن على تغييرات عميقة تعزز قوى المقاومة في نظرتها الأيديولوجية, الدينية أساساً. وفي كل الأحوال, يبدو أن بقدر ما يكون الأساس الديني أكثر مركزية في تشكيلة قوة المقاومة, بقدر ما تتقلص فرص إحداث تغيير جوهري في سلوكه. وهكذا على سبيل المثال يبرز الفارق بين تشدد إيران, حزب الله وحماس وبين الليونة النسبية التي تظهر أحياناً في المقاربة السياسية والفكرية لكل من سوريا، منظمة التحرير وفتح أو بقايا حزب البعث في العراق. وإدارة صراع طويل من دون الوصول المتوقع للنصر في المستقبل المنظور, وقيادة جمهور واسع من الأنصار في مسار طويل السنوات ومشبع بالمعاناة وتلقي الضربات القاسية بل والهزائم أثناء العقود الأخيرة لم تدفع حتى اليوم الجهات المركزية في تيار المقاومة, خصوصاً تلك المستندة إلى أسس دينية, لتطوير تفكير من جديد بشأن جدوى طريقها.  
لقد جابهت إسرائيل في الماضي تحدياً شديد القوة وكثير الأبعاد ـ فكري, سياسي وعسكري ـ يرتكز إلى رؤية متطرفة وجارفة, وتمكنت منه. وقد انتهت حرب الأيام الستة بهزيمة ساحقة للجيوش العربية وعلى رأسها مصر, وبذلك ساعدت في الانهيار السريع للرؤية القومية العربية التي قادها عبد الناصر, والتي وعدت بتوفير رد حازم على الغرب وتحقيق نصر حاسم على إسرائيل (وقد تبدى الاضمحلال التدريجي للفكرة حتى قبل حرب 1967, غير أن الحرب كانت الضربة القاضية لوجودها). إن تحدي المقاومة لا يستند إلى الجيوش أو على الدول, وبناء عليه من المشكوك فيه أن يكون بالوسع تكرار توجيه الضربة البالغة الشدة كالتي وجهت في العام 1967 في المواجهة معها. وبدلاً من ذلك, يتطلب الأمر معركة صبورة, استنزافية ومديدة السنين, لا تركز فقط على القوة العسكرية لقوى المقاومة, وإنما تسعى أيضا لتقويض المراكز التي تتبلور فيها الفكرة, ومنها تنغرس في وعي الجمهور الواسع. وفي هذا الإطار يبرز على وجه الخصوص دور أجهزة الإعلام, التعليم والمؤسسة الدينية في دول المنطقة. ويبدو أنه فقط بعد أن يحدث التغيير الجوهري والطويل الأجل في أنماط عمل المدارس, الجامعات, وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية وكذلك المساجد والمؤسسات الدينية الأخرى في العالم الإسلامي, سيكون بالوسع اختبار ما إذا طرأ في المقابل تغيير أيديولوجي في الشرق الأوسط, بما في ذلك تغيير أيضاً في الشكل الذي تؤخذ به فكرة المقاومة لدى مختلف الأوساط الجماهيرية في المنطقة.  
(*) مقتطف من دراسة نشرها مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي في كانون الأول/ ديسمبر 2009.
2010-01-23