ارشيف من :أخبار عالمية
الأزمة الأميركية في اليمن... بين "القاعدة" والنظام
إعداد علي شهاب
فتح دخول تنظيم "القاعدة" على خط الازمة اليمنية الباب امام اسئلة جديدة حول منحى السياسية الأميركية في هذا البلد، في ظل مخاوف حقيقية من "وحل" جديد على نمط ما يجري في العراق أو افغانستان. في هذا السياق، نشر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى تقريرا بحثيا تحت عنوان "محاربة تنظيم القاعدة: دور الرئيس اليمني علي عبد الله صالح"، لمدير برنامج الخليج وسياسات الطاقة في المعهد سايمون هندرسون.
وهنا أبرز ما ورد في التقرير الذي صدر منتصف الشهر الجاري:
تثير عودة اليمن للظهور في العناوين الرئيسية كلاعب هام في القتال ضد تنظيم «القاعدة» تساؤلات حول خطوات واشنطن المقبلة. ما هو نوع العلاقات المستقبلية التي ستكون لادارة أوباما مع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الذي يقود بلاده منذ فترة طويلة والتي قد تصبح الدولة التالية "الفاشلة" في العالم. لقد تحدث الرئيس صالح مع الرئيس باراك أوباما هاتفياً في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2009، والتقى في وقت لاحق في صنعاء مع الجنرال ديفيد بترايوس، القائد العام للقيادة الوسطى للقوات الأمريكية، في 2 كانون الثاني/ يناير الحالي. لكن الدروس المستفادة من علاقة صالح بادارة الرئيس بوش تشير الى أن العلاقات الوثيقة يمكن مضاهاتها بخلافات سياسية حادة.
باستثناء الرئيس الليبي معمر القذافي، أصبح الرئيس صالح صاحب أطول فترة رئاسة من بين رؤساء الدول في منطقة الشرق الأوسط. وهو الآن يحمل رتبة مشير، وقد برز لأول مرة خلال الاضطرابات السياسية التي شهدتها بلاده عام 1977 والتي كانت تسمى في حينه الجمهورية العربية اليمنية الشمالية، حيث كان رائداً يبلغ من العمر واحدا وثلاثين عاماً. وفي عام 1990، اتحدت الجمهورية العربية اليمنية الشمالية مع جمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية الجنوبية لتشكيل جمهورية اليمن. وأثناء تلك الاضطرابات السياسية من عام 1977، اغتيل الزعيم العسكري لليمن الشمالية في ذلك الحين، ابراهيم الحمدي، وكذلك شقيقه، من قبل مُسلحين مجهولين أمطروا جسديهما بوابل من الرصاص. وقد وصفت صحيفة عربية في ذلك الوقت بأن هذا الحدث هو انقلاب مخطط جيداً، ولقبت صالح بأنه "متآمر" جنباً الى جانب مع مرشده المقدم أحمد الغشمي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي أصبح الزعيم الجديد لليمن الشمالية. وقد نجا الغشمي نفسه من محاولة اغتيال بعد خمسة أيام من توليه السلطة، لكنه قُتل بعدها في حزيران/يونيو 1978 عندما انفجرت حقيبة مبعوث خاص من اليمن الجنوبية في مكتبه. وبعدها بشهر، تم التصويت على تولي علي عبد الله صالح السلطة من قبل ما يشبه البرلمان ليصبح الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة؛ وقد نجا هو الآخر من محاولة اغتيال أخرى بعد بضعة أشهر فقط من تسلمه السلطة.
وقد أظهر صالح مهارة في المناورات السياسية حينما كسب تأييد الجيش لتعيينه. ووفقاً لكتيب مكتبة الكونغرس الأمريكي من عام 1986 بعنوان "اليمنيون: الدراسات القطرية"، "لم تكن لدى صالح مؤهلات واضحة للرئاسة ولم يتلق تعليماً عالياً كما لم يكن ذا خبرة واسعة في الحكومة". وباستثناء البقاء على قيد الحياة، كان أعظم انجاز له هو ما يمكن تسميته بوحدة الدولتين السابقتين اليمن الجنوبية الشيوعية واليمن الشمالية. وقد شكل ذلك التطور مصدر قلق للمملكة العربية السعودية المجاورة، والتي لا يزال عدد سكانها الأصليين أقل من عدد سكان اليمن. لقد شكلت علاقات الرياض مع صنعاء متغيراً رئيسياً على مر السنين. وقد كان الموقف الافتراضي للسعودية قبل قيام الاتحاد هو دعم حكومة اليمن الشمالية. ومع ذلك، أيد السعوديون أولئك المنشقين من اليمن الجنوبية في محاولتهم الانفصالية عام 1994. ومن وجهة نظر الرياض، فان القتال ـ الذي استخدم فيه صالح مقاتلين جهاديين متعاطفين معه وصواريخ سكود والمزيد من القوات التقليدية لسحق المتمردين ـ كان يرجع جزئياً الى دعم صنعاء لصدام حسين بعد غزوه الكويت عام 1990. وفي ذلك الوقت، كانت اليمن عضواً في مجلس الأمن الدولي وهي الوحيدة التي صوتت ضد القرار الذي يسمح باستخدام القوة ضد العراق.
الأزمات السياسية مع واشنطن
لم يكن دعم صالح لصدام حسين مفاجئاً؛ فقد كان مُعجباً علانية بالقائد العراقي وكان معروفاً في وسائل الاعلام العربية بلقب "صدام الصغير". لكن التصويت في الأمم المتحدة أغضب الولايات المتحدة. فقد أخطر دبلوماسي أمريكي السفير اليمني في الأمم المتحدة أمام ميكرفون مفتوح أن "هذا التصويت بـ"لا" سيكون أغلى تصويت قُمتَ به على الاطلاق". وبعدها بثلاثة أيام، قطعت واشنطن كامل حزمة المساعدات البالغة 70 مليون دولار عن اليمن.
وقد رجعت العلاقات الأمريكية اليمنية تدريجياً الى وضعها، لكن الهجوم الذي وقع ضد المدمرة الأمريكية "يو اس اس كول"، في مرسى بميناء عدن عام 2000، كان صفعة أخرى. فقد زادت حدة التوترات بسبب سوء التعاون اليمني مع محققي مكتب التحقيقات الفيدرالي، ثم بسبب "عمليات هروب" معتقلين مشتبه بانتمائهم لتنظيم «القاعدة» والتي يبدو أنها تمت بموافقة الحكومة، ومن بينهم المخطط الرئيسي جمال البدوي في حادثين منفصلين (2003 و2006). كما أن شراء صنعاء لصواريخ سكود من كوريا الشمالية في عام 2002، كان من بين الأحداث المثيرة للقلاقل. فقد قامت سفينة بحرية اسبانية عاملة مع فريق عمل بقيادة القوات البحرية الأمريكية باعتراض الشحنة، وقد صُوِّر الحادث كصفعة ضد أنشطة احدى الدول المارقة. ولكن، لم تشكل عملية البيع انتهاكاً للقانون الدولي، وقد أصر الرئيس صالح على تسليم الصواريخ، خلافا للرغبات الأمريكية.
وبرغم هذه الصعوبات، بذلت ادارة بوش جهوداً هائلة لتطوير العلاقات مع الرئيس صالح، الذي زار الولايات المتحدة أربع مرات: في عام 2001 (بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر)، وفي 2004 (لحضور قمة مجموعة الثماني التي أكدت على التغيير الديمقراطي في الشرق الأوسط)، وفي عام 2005، ومرة أخرى في عام 2007. وبرغم أن المراوغات اليمنية بشأن هروب البدوي وغيرها من المواضيع كانت قد أغضبت المسؤولين الأمريكيين، الا أن الادارة الأمريكية كانت قد قررت بأن هناك فرصة دائمة للاستفادة من سياسة مكافحة الارهاب أثناء الاجتماعات ـ التي تعقد مع الرئيس اليمني ـ في البيت الأبيض.
السياسات الداخلية
شكلت زيارة صالح في عام 2007 فرصة للرئيس بوش لكي يهنئ فيها الرئيس صالح على نجاحه في الانتخابات الرئاسية في العام السابق. فقد فاز صالح على نحو مقنع في الانتخابات التي قال عنها المراقبون الأجانب بأنها كانت نزيهة على الأغلب، برغم التنديد بها من قبل مرشحي المعارضة الخاسرين. وتصنف حالياً مؤسسة "فريدوم هاوس" اليمن بأنها "حرة جزئياً". وعلى النقيض، لم يُسمح لمرشح المعارضة الرئيسي في انتخابات عام 1999 بخوض الانتخابات، وأعلن منافس صالح الوحيد في ذلك الاقتراع بأنه سوف يصوت لمصلحة الرئيس الجالس في منصبه. وبرغم أن أسلوب الرئيس صالح لا يزال ديكتاتورياً، الا أنه يعترف بمحدودية سلطته من خلال اعتماده على المحسوبية. ان السنوات التي حقق خلالها نجاحاً ظاهراً من خلال منع التهديدات تخضع حالياً للاختبار على عدة جبهات، بما في ذلك التمرد من قبل أفراد من عشيرة الحوثي في شمال البلاد، والاستياء المستمر من سيطرة صنعاء في الجنوب، ووجود ما يُقدر بعدة آلاف من مقاتلي تنظيم «القاعدة» الذين وجدوا ملاذاً آمناً لهم وتعاطفاً بين القبائل اليمنية المحافظة دينياً في المناطق النائية التي ينعدم فيها القانون. ومن وجهة نظر صالح، فان الخطر الذي يشكله تنظيم «القاعدة» هو الأقل من بين كل هذه التهديدات.
وفي الوقت نفسه، تشكل أعداد السكان المتزايدة ضغطاً على موارد صنعاء وقدراتها الادارية المحدودة ما قد يؤدي الى حدوث انهيار اقتصادي. وحتى وقت قريب، كانت توفر احتياطيات اليمن النفطية المتواضعة 90 بالمائة من عائدات التصدير و75 بالمائة من اجمالي الايرادات الحكومية. الا أن الانتاج الآن أقل بمعدل الثلث عن ذروته في عام 2001، كما أدى الاستهلاك الداخلي المتزايد الى خفض المقدار المتاح للتصدير. هناك أمل بأن عائدات الغاز الطبيعي، الذي بدأت اليمن بتصديره منذ فترة وجيزة قد تشكل بديلا لعائدات النفط المنخفضة. لكن خط الأنابيب الذي يمتد 200 ميل الى محطة تسييل الغاز الطبيعي على الساحل قد يكون عرضة لهجوم ارهابي أو أعمال تخريبية تقوم بها قبائل محلية متشكية كانت قد تحملت المتاعب من صنعاء. كما أن نقص المياه أصبح أكثر شيوعاً، نتيجة ضعف البنية التحتية السيئة والزراعة الواسعة النطاق للقات، وهو نبات شديد الاستهلاك للمياه وله أوراق مخدرة. وفي الواقع، يُنظر الى الاستخدام الواسع النطاق للقات عبر جميع شرائح المجتمع اليمني ـ من أدنى الطبقات وحتى أعلاها ـ على أنه عامل هام يعوق تنمية البلاد.
وفي النهاية يحتفظ صالح بمركزه من خلال سيطرته على الجيش، حيث يشغل أقاربه المناصب العليا. فنجله الأكبر، أحمد، يشغل منصب قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة. وبرغم أنه يُنظر اليه على أنه خليفة محتمل، الا أنه لا يُعتبر بأنه على استعداد لتولي السلطة في الوقت الحالي، وهو ليس بحاجة لذلك: فالرئيس صالح هو فقط في الثالثة والستين من عمره. ومن بين مصادر القلق المحتملة أن الجنرال علي محسن ـ "الحليف الرئيسي للرئيس صالح الذي قاد القوات المقاتلة ضد المتمردين الحوثيين" ـ يُعتقد أنه يعارض قيام أحمد بلعب أي دور سياسي متزايد. ومع ذلك، عزز الدعم السعودي للرئيس صالح في قمة "مجلس التعاون الخليجي" التي عُقدت في كانون الأول/ديسمبر 2009، من موقف الرئيس اليمني ووضعه.
السياسة الأمريكية إزاء اليمن
ان الرئيس صالح هو غريب الأطوار وتورد التقارير بأنه يتلقى النقد بحساسية. لكن ليس لدى ادارة أوباما بديل سوى الاستمرار باشراكه، وستكون هناك عواقب وخيمة اذا ما فشلت في القيام بذلك. ويُنكر المسؤولون اليمنيون بأن بلادهم هي في طريقها لأن تصبح "دولة فاشلة"، لكنهم سرعان ما يستخدمون هذه الامكانية كوسيلة لجذب اهتمام واشنطن. لقد كان الاعتراف بوجود آلاف من مقاتلي تنظيم «القاعدة» مغامرة اضافية، تُدعّمها الآن الارتباطات اليمنية الواضحة بمحاولة التفجير الفاشلة التي وقعت في 25 كانون الأول/ديسمبر المنصرم أثناء رحلة خطوط “نورث ويست” الجوية الى مدينة ديترويت. وقد كان اجتماع الجنرال بترايوس في 2 كلنون الثاني/يناير الحالي هو الأخير في سلسلة من الزيارات الأمريكية المنتظمة الرفيعة المستوى. ويبقى أن نرى ما اذا كان بوسع واشنطن التأثير على صالح بما يكفي دون دعوته الى زيارة البيت الأبيض. وحتى هذه البادرة لن تستبعد امكانية وقوع أزمات اضافية في العلاقات بين البلدين.
فتح دخول تنظيم "القاعدة" على خط الازمة اليمنية الباب امام اسئلة جديدة حول منحى السياسية الأميركية في هذا البلد، في ظل مخاوف حقيقية من "وحل" جديد على نمط ما يجري في العراق أو افغانستان. في هذا السياق، نشر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى تقريرا بحثيا تحت عنوان "محاربة تنظيم القاعدة: دور الرئيس اليمني علي عبد الله صالح"، لمدير برنامج الخليج وسياسات الطاقة في المعهد سايمون هندرسون.
وهنا أبرز ما ورد في التقرير الذي صدر منتصف الشهر الجاري:
تثير عودة اليمن للظهور في العناوين الرئيسية كلاعب هام في القتال ضد تنظيم «القاعدة» تساؤلات حول خطوات واشنطن المقبلة. ما هو نوع العلاقات المستقبلية التي ستكون لادارة أوباما مع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الذي يقود بلاده منذ فترة طويلة والتي قد تصبح الدولة التالية "الفاشلة" في العالم. لقد تحدث الرئيس صالح مع الرئيس باراك أوباما هاتفياً في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2009، والتقى في وقت لاحق في صنعاء مع الجنرال ديفيد بترايوس، القائد العام للقيادة الوسطى للقوات الأمريكية، في 2 كانون الثاني/ يناير الحالي. لكن الدروس المستفادة من علاقة صالح بادارة الرئيس بوش تشير الى أن العلاقات الوثيقة يمكن مضاهاتها بخلافات سياسية حادة.
باستثناء الرئيس الليبي معمر القذافي، أصبح الرئيس صالح صاحب أطول فترة رئاسة من بين رؤساء الدول في منطقة الشرق الأوسط. وهو الآن يحمل رتبة مشير، وقد برز لأول مرة خلال الاضطرابات السياسية التي شهدتها بلاده عام 1977 والتي كانت تسمى في حينه الجمهورية العربية اليمنية الشمالية، حيث كان رائداً يبلغ من العمر واحدا وثلاثين عاماً. وفي عام 1990، اتحدت الجمهورية العربية اليمنية الشمالية مع جمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية الجنوبية لتشكيل جمهورية اليمن. وأثناء تلك الاضطرابات السياسية من عام 1977، اغتيل الزعيم العسكري لليمن الشمالية في ذلك الحين، ابراهيم الحمدي، وكذلك شقيقه، من قبل مُسلحين مجهولين أمطروا جسديهما بوابل من الرصاص. وقد وصفت صحيفة عربية في ذلك الوقت بأن هذا الحدث هو انقلاب مخطط جيداً، ولقبت صالح بأنه "متآمر" جنباً الى جانب مع مرشده المقدم أحمد الغشمي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي أصبح الزعيم الجديد لليمن الشمالية. وقد نجا الغشمي نفسه من محاولة اغتيال بعد خمسة أيام من توليه السلطة، لكنه قُتل بعدها في حزيران/يونيو 1978 عندما انفجرت حقيبة مبعوث خاص من اليمن الجنوبية في مكتبه. وبعدها بشهر، تم التصويت على تولي علي عبد الله صالح السلطة من قبل ما يشبه البرلمان ليصبح الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة؛ وقد نجا هو الآخر من محاولة اغتيال أخرى بعد بضعة أشهر فقط من تسلمه السلطة.
وقد أظهر صالح مهارة في المناورات السياسية حينما كسب تأييد الجيش لتعيينه. ووفقاً لكتيب مكتبة الكونغرس الأمريكي من عام 1986 بعنوان "اليمنيون: الدراسات القطرية"، "لم تكن لدى صالح مؤهلات واضحة للرئاسة ولم يتلق تعليماً عالياً كما لم يكن ذا خبرة واسعة في الحكومة". وباستثناء البقاء على قيد الحياة، كان أعظم انجاز له هو ما يمكن تسميته بوحدة الدولتين السابقتين اليمن الجنوبية الشيوعية واليمن الشمالية. وقد شكل ذلك التطور مصدر قلق للمملكة العربية السعودية المجاورة، والتي لا يزال عدد سكانها الأصليين أقل من عدد سكان اليمن. لقد شكلت علاقات الرياض مع صنعاء متغيراً رئيسياً على مر السنين. وقد كان الموقف الافتراضي للسعودية قبل قيام الاتحاد هو دعم حكومة اليمن الشمالية. ومع ذلك، أيد السعوديون أولئك المنشقين من اليمن الجنوبية في محاولتهم الانفصالية عام 1994. ومن وجهة نظر الرياض، فان القتال ـ الذي استخدم فيه صالح مقاتلين جهاديين متعاطفين معه وصواريخ سكود والمزيد من القوات التقليدية لسحق المتمردين ـ كان يرجع جزئياً الى دعم صنعاء لصدام حسين بعد غزوه الكويت عام 1990. وفي ذلك الوقت، كانت اليمن عضواً في مجلس الأمن الدولي وهي الوحيدة التي صوتت ضد القرار الذي يسمح باستخدام القوة ضد العراق.
الأزمات السياسية مع واشنطن
لم يكن دعم صالح لصدام حسين مفاجئاً؛ فقد كان مُعجباً علانية بالقائد العراقي وكان معروفاً في وسائل الاعلام العربية بلقب "صدام الصغير". لكن التصويت في الأمم المتحدة أغضب الولايات المتحدة. فقد أخطر دبلوماسي أمريكي السفير اليمني في الأمم المتحدة أمام ميكرفون مفتوح أن "هذا التصويت بـ"لا" سيكون أغلى تصويت قُمتَ به على الاطلاق". وبعدها بثلاثة أيام، قطعت واشنطن كامل حزمة المساعدات البالغة 70 مليون دولار عن اليمن.
وقد رجعت العلاقات الأمريكية اليمنية تدريجياً الى وضعها، لكن الهجوم الذي وقع ضد المدمرة الأمريكية "يو اس اس كول"، في مرسى بميناء عدن عام 2000، كان صفعة أخرى. فقد زادت حدة التوترات بسبب سوء التعاون اليمني مع محققي مكتب التحقيقات الفيدرالي، ثم بسبب "عمليات هروب" معتقلين مشتبه بانتمائهم لتنظيم «القاعدة» والتي يبدو أنها تمت بموافقة الحكومة، ومن بينهم المخطط الرئيسي جمال البدوي في حادثين منفصلين (2003 و2006). كما أن شراء صنعاء لصواريخ سكود من كوريا الشمالية في عام 2002، كان من بين الأحداث المثيرة للقلاقل. فقد قامت سفينة بحرية اسبانية عاملة مع فريق عمل بقيادة القوات البحرية الأمريكية باعتراض الشحنة، وقد صُوِّر الحادث كصفعة ضد أنشطة احدى الدول المارقة. ولكن، لم تشكل عملية البيع انتهاكاً للقانون الدولي، وقد أصر الرئيس صالح على تسليم الصواريخ، خلافا للرغبات الأمريكية.
وبرغم هذه الصعوبات، بذلت ادارة بوش جهوداً هائلة لتطوير العلاقات مع الرئيس صالح، الذي زار الولايات المتحدة أربع مرات: في عام 2001 (بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر)، وفي 2004 (لحضور قمة مجموعة الثماني التي أكدت على التغيير الديمقراطي في الشرق الأوسط)، وفي عام 2005، ومرة أخرى في عام 2007. وبرغم أن المراوغات اليمنية بشأن هروب البدوي وغيرها من المواضيع كانت قد أغضبت المسؤولين الأمريكيين، الا أن الادارة الأمريكية كانت قد قررت بأن هناك فرصة دائمة للاستفادة من سياسة مكافحة الارهاب أثناء الاجتماعات ـ التي تعقد مع الرئيس اليمني ـ في البيت الأبيض.
السياسات الداخلية
شكلت زيارة صالح في عام 2007 فرصة للرئيس بوش لكي يهنئ فيها الرئيس صالح على نجاحه في الانتخابات الرئاسية في العام السابق. فقد فاز صالح على نحو مقنع في الانتخابات التي قال عنها المراقبون الأجانب بأنها كانت نزيهة على الأغلب، برغم التنديد بها من قبل مرشحي المعارضة الخاسرين. وتصنف حالياً مؤسسة "فريدوم هاوس" اليمن بأنها "حرة جزئياً". وعلى النقيض، لم يُسمح لمرشح المعارضة الرئيسي في انتخابات عام 1999 بخوض الانتخابات، وأعلن منافس صالح الوحيد في ذلك الاقتراع بأنه سوف يصوت لمصلحة الرئيس الجالس في منصبه. وبرغم أن أسلوب الرئيس صالح لا يزال ديكتاتورياً، الا أنه يعترف بمحدودية سلطته من خلال اعتماده على المحسوبية. ان السنوات التي حقق خلالها نجاحاً ظاهراً من خلال منع التهديدات تخضع حالياً للاختبار على عدة جبهات، بما في ذلك التمرد من قبل أفراد من عشيرة الحوثي في شمال البلاد، والاستياء المستمر من سيطرة صنعاء في الجنوب، ووجود ما يُقدر بعدة آلاف من مقاتلي تنظيم «القاعدة» الذين وجدوا ملاذاً آمناً لهم وتعاطفاً بين القبائل اليمنية المحافظة دينياً في المناطق النائية التي ينعدم فيها القانون. ومن وجهة نظر صالح، فان الخطر الذي يشكله تنظيم «القاعدة» هو الأقل من بين كل هذه التهديدات.
وفي الوقت نفسه، تشكل أعداد السكان المتزايدة ضغطاً على موارد صنعاء وقدراتها الادارية المحدودة ما قد يؤدي الى حدوث انهيار اقتصادي. وحتى وقت قريب، كانت توفر احتياطيات اليمن النفطية المتواضعة 90 بالمائة من عائدات التصدير و75 بالمائة من اجمالي الايرادات الحكومية. الا أن الانتاج الآن أقل بمعدل الثلث عن ذروته في عام 2001، كما أدى الاستهلاك الداخلي المتزايد الى خفض المقدار المتاح للتصدير. هناك أمل بأن عائدات الغاز الطبيعي، الذي بدأت اليمن بتصديره منذ فترة وجيزة قد تشكل بديلا لعائدات النفط المنخفضة. لكن خط الأنابيب الذي يمتد 200 ميل الى محطة تسييل الغاز الطبيعي على الساحل قد يكون عرضة لهجوم ارهابي أو أعمال تخريبية تقوم بها قبائل محلية متشكية كانت قد تحملت المتاعب من صنعاء. كما أن نقص المياه أصبح أكثر شيوعاً، نتيجة ضعف البنية التحتية السيئة والزراعة الواسعة النطاق للقات، وهو نبات شديد الاستهلاك للمياه وله أوراق مخدرة. وفي الواقع، يُنظر الى الاستخدام الواسع النطاق للقات عبر جميع شرائح المجتمع اليمني ـ من أدنى الطبقات وحتى أعلاها ـ على أنه عامل هام يعوق تنمية البلاد.
وفي النهاية يحتفظ صالح بمركزه من خلال سيطرته على الجيش، حيث يشغل أقاربه المناصب العليا. فنجله الأكبر، أحمد، يشغل منصب قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة. وبرغم أنه يُنظر اليه على أنه خليفة محتمل، الا أنه لا يُعتبر بأنه على استعداد لتولي السلطة في الوقت الحالي، وهو ليس بحاجة لذلك: فالرئيس صالح هو فقط في الثالثة والستين من عمره. ومن بين مصادر القلق المحتملة أن الجنرال علي محسن ـ "الحليف الرئيسي للرئيس صالح الذي قاد القوات المقاتلة ضد المتمردين الحوثيين" ـ يُعتقد أنه يعارض قيام أحمد بلعب أي دور سياسي متزايد. ومع ذلك، عزز الدعم السعودي للرئيس صالح في قمة "مجلس التعاون الخليجي" التي عُقدت في كانون الأول/ديسمبر 2009، من موقف الرئيس اليمني ووضعه.
السياسة الأمريكية إزاء اليمن
ان الرئيس صالح هو غريب الأطوار وتورد التقارير بأنه يتلقى النقد بحساسية. لكن ليس لدى ادارة أوباما بديل سوى الاستمرار باشراكه، وستكون هناك عواقب وخيمة اذا ما فشلت في القيام بذلك. ويُنكر المسؤولون اليمنيون بأن بلادهم هي في طريقها لأن تصبح "دولة فاشلة"، لكنهم سرعان ما يستخدمون هذه الامكانية كوسيلة لجذب اهتمام واشنطن. لقد كان الاعتراف بوجود آلاف من مقاتلي تنظيم «القاعدة» مغامرة اضافية، تُدعّمها الآن الارتباطات اليمنية الواضحة بمحاولة التفجير الفاشلة التي وقعت في 25 كانون الأول/ديسمبر المنصرم أثناء رحلة خطوط “نورث ويست” الجوية الى مدينة ديترويت. وقد كان اجتماع الجنرال بترايوس في 2 كلنون الثاني/يناير الحالي هو الأخير في سلسلة من الزيارات الأمريكية المنتظمة الرفيعة المستوى. ويبقى أن نرى ما اذا كان بوسع واشنطن التأثير على صالح بما يكفي دون دعوته الى زيارة البيت الأبيض. وحتى هذه البادرة لن تستبعد امكانية وقوع أزمات اضافية في العلاقات بين البلدين.