ارشيف من :أخبار عالمية
أفغانستان: ماذا بعد تصاعد ضربات المقاومة .... وتفاقم الخلافات بين القوات المتحالفة ؟
عقيل الشيخ حسين
في الوقت الذي تتصاعد فيه عمليات المقاومة في أفغانستان، يأتي احتدام الخلافات بين جميع فرقاء التحالف ليدفع الحرب نحو نتيجتها المحتومة: الهزيمة المذلة أو الإنسحاب الذي يمكن الرهان عليه لحفظ ماء الوجه.
خلافات داخل الأطلسي حول مبررات الغزو. وتقاعس البلدان الأعضاء عن إرسال المزيد من الجنود، مع ميل البعض الآخر إلى الانضمام إلى قائمة المنسحبين من أفغانستان، وحتى من صفوف الأطلسي. خلافات في أميركا حول الاستراتيجيات الواجب اعتمادها من أجل المضي قدماً في الحرب، أو الاستعداد للانسحاب.
وخلافات على مستوى الرأي العام الغربي:49 بالمئة من الأميركيين يؤيدون الانسحاب و47 بالمئة يؤيدون الاستمرار في الحرب، وتقارب النسب يدلل على مدى حدة الانقسام في الشارع الأميركي والغربي عموماً. وكل ذلك يبدو متجهاً منذ الآن نحو مراجعات وتشكيل لجان للتحقيق لا بد أن تخرج بنتائج مشابهة لتلك التي تسفر عنها التحقيقات البريطانية التي خرجت، حتى الآن، بنتائج مفادها أن الحرب على العراق كانت مخالفة للقانون الدولي، وإنها انطلقت من أكاذيب وتلفيقات ضلع فيها - من الجانب البريطاني- رئيس الوزراء السابق، طوني بلير.
أحد مظاهر الخلاف بين الأميركيين انكشف مع نشر مراسلات السفير الأميركي في كابل، كارل إيكنبري، الجنرال المتعاقد والقائد السابق لقوات الاحتلال، والتي أظهرت أنه يقف مع القائد الحالي لقوات الاحتلال، ماك كريستال، على طرفي نقيض. فالأول يرى أن إرسال مزيد من القوات الغربية إلى أفغانستان سيكون ذا تكاليف باهظة دون أن يحقق نتائج مضمونة. أما الثاني فيرى أن الهزيمة قادمة إذا لم يتم أرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان. والخلاف بين الرجلين يعكس خلافاً بين الجمهوريين الذين يدفعون باتجاه تصعيد الحرب الأميركية في ِأفغانستان، ويرون أن أوباما يرتجف عند مجرد التفكبر في إرسال المزيد من الجنود إلى هناك، والديموقراطيين الذين يرون أن ما يسمى بارتجاف أوباما ناتج عن إحساسه بالمسؤولية المقدسة.
وخلافات بين الغربيين وقرضاي آخر تعبيراتها حديث إيكنبري عن كون الرئيس الأفغاني لا يشكل شريكاً مناسباً من الناحية الاستراتيجية، وهذا الحديث ليس جديداً. فالكثير من المسؤولين الغربيين يوجهون سلاسل من التهم للرئيس الأفغاني ويحاولون تحميله مسؤولية الإخفاق في مواجهة المقاومة من قبل القوات الحكومية والمتحالفة.
وخلافات داخل النظام الحاكم في كابل ترافق التوترات التي صاحبت الانتخابات الرئاسية العسيرة، والتي أدت إلى تأجيل الانتخابات التشريعية، في وقت لا تزال الحكومة المشكلة في ظل قرضاي عاجزة عن الحصول على ثقة كافية من فبل البرلمان.
لكن، وعلى الرغم من تهم الفساد والعجز الموجهة إلى قرضاي، فإن الغربيين مجبرون على التعامل معه لانعدام وجود بديل عنه، أو لأنه يحظى بدعم أكثرية قبائل البشتون، أو لأنهم يهاجمونه في العلن لتبرئة ساحتهم، ويتعاونون معه سراً من خلال وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية المتهمة بدفع مبالغ مالية منتظمه لشقيقه الذي يعمل في تجارة الأفيون بشكل شبه مكشوف. أي أن الفساد الذي يتهمون بع قرضاي إنما يتم بتواطؤ من قبلهم، أو أنهم يضطلعون بإدارته في مجالات ليس أقلها تهريب المخدرات إلى الجنود الأميركيين، وأميركا، وبعض البلدان المجاورة التي يكيدون لها وتكيد لهم.
وفي الوقت الذي يبدأ فيه الأميركيون بإرسال الدفعات الأولى من الأربعين ألف جندي الذين يفترض إرسالهم إلى أفغانستان في غضون الأشهر القليلة القادمة، لا بهدف فتح جبهات مع طالبان، بل بهدف التمركز في المدن لحماية المدنيين، على ما يقولون، فإنهم يراهنون على الإسراع بتكوين وتدريب مئات الألوف من عناصر الجيش والشرطة الأفغانيين لتسليمهم المناطق التي ستخليها القوات الغازية الواحدة تلو الأخرى. وكل ذلك في محاولة لتأبيد سيطرتهم على أفغانستان بأيد أفغانية. مقامرة من شأنها أن تسفر عن نتائج في منتهى الخطورة لأن أحداً لا يمكنه أن يتنبأ بمدى قدرة هذه القوى المسلحة على مواجهة طالبان، أو حتى بمدى ولائها للنظام أو بإمكانية التحاق الكثير من أفرادها بصفوف طالبان.
وأياً يكن من أمر، فإن طالبان هي، باعتراف الجميع، القوة الرئيسية على ساحة المواجهات الأفغانية، ومن هنا يأتي الرهان اليائس على محاولة إضعافها عبر إغراء عناصرها ممن "لم تثبت بحقهم تهم إرهابية" بالاندماج في المجتمع الأفغاني، وبالالتحاق بصفوف القوات الحكومية.
ولعل الإحساس بفشل هذا الرهان هو ما يدفع باتجاه تحويل القضية الأفغانية من أمر يهم أميركا إلى أمر يهم الأطلسي، ليرسو الأمر على محاولة التوصل إلى اتفاقات دولية على مساعدة أفغانستان من خلال المبادرة التركية والدعوة إلى مؤتمر اسطنبول والدعوة الأممية إلى مؤتمر لندن، ما يدلل في جميع الحالات على أن البساط قد بدأ يسحب من تحت أقدام الأميركيين والأطلسيين، لا سيما وأن قرضاي بدأ بتوجيه رسائل يعلم الأميركيين فيه بأنه غير مستعد للضوخ لإرادتهم.