ارشيف من :أخبار عالمية
العقوبات... قوة لإيران وضعف للمعسكر المعادي !
عقيل الشيخ حسين
كلمة "العقوبات" باتت الكلمة الأكثر تواتراً في الخطاب السياسي الغربي المتعلق بإيران منذ انتصار الثورة الإسلامية، وخصوصاً منذ فتح الملف النووي السلمي الإيراني. فنحن نسمع يومياً ومنذ سنوات كثيراً من الكلام عن العقوبات، والعقوبات المشددة، ورفع مستوى العقوبات، بحق إيران.
وبالإضافة إلى الكلام الذي غالباً ما يرد في سياق التهديد، فرض المجتمع الدولي أو الإدارات الغربية سلاسل من العقوبات المتدرجة من حيث شدتها على إيران، وعلى العديد من البلدان والشركات التي تقيم علاقات تجارية معها.
وتندرج العقوبات والتهديد بفرض عقوبات وإجراءات عزل جديدة في سياق المحاولات الاستكبارية الرامية إلى إسقاط النظام الإسلامي. وهذه المحاولات أخذت أشكالاً عديدة منها التدخلات العسكرية الفاشلة، وتأليب قوى الثورة المضادة وتنفيذ ما لا يحصى من عمليات الاغتيال والتخريب في الداخل، وشن الحروب من الخارج، كحرب الخليج الأولى، وتنظيم الحملات الإعلامية الشرسة...
والظاهر، بعد فشل المحاولات الرامية إلى إسقاط النظام الإسلامي عن طريق حرب تشن من الخارج، أن الإدارة الأميركية وحلفاءها يراهنون على العقوبات كوسيلة لتفجير الوضع الداخلي على خلفية خلق ضائقة اقتصادية من شأنها أن تفضي إلى اضطرابات اجتماعية. والواضح أن هذا الرهان هو إسقاط آلي على الوضع الإيراني للأواليات التي تحكم المسار الاجتماعي والسياسي في المجتمعات الغربية، وهي أوليات لا تتطابق مع تلك التي تحتل موقع الصدارة في المجتمعات الأخرى ومنها المجتمعات الإسلامية.
العقوبات هي سلاح فاشل سلفاً في المواجهة بين قوى الهيمنة والجمهورية الإسلامية. لسبب بسيط هو أن إيران لا تعتمد في وجودها على المدد الاقتصادي الآتي من هذا البلد الغربي أو ذاك |
فهي لا تحظى بإجماع دولي، حيث تصطدم دائماً برفض أو ممانعة بلدان كالصين وروسيا باتت تقيم مع إيران علاقات تبادل استراتيجية. كما أنها لا تحظى بإجماع دول حليفة أو تابعة للولايات المتحدة. وعدم الإجماع هذا يسهم في زعزعة المشروع الأميركي الهادف إلى إقامة جبهة عالمية متراصة ضد إيران، كما سيهم في إدخال الكثير من عناصر الشقاق بين أميركا والمحاور الدولية المرتبطة أوغير المرتبطة بالسياسة الأميركية. وكل هذا يلعب بعكس التيار الهادف إلى عزل إيران ويصب في مصلحتها في نهاية المطاف.
كما أنها لا تحظى بإجماع الهيئات الاقتصادية في البلدان التي ترفع لواء معاداة إيران. وآخر التطورات في هذا المجال، وفي الوقت الذي يدرس فيه الكونغرس الأميركي توسيع العقوبات على إيران، أن أصواتاً كثيرة قد بدأت بالارتفاع في الولايات المتحدة محذرة من أن خطط الكونغرس هذه "تنذر بأن تقوض بشدة المصالح الاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة".
وقد جاء هذا التحذير في رسالة وجهتها التجمعات الاقتصادية الأميركية إلى كبار المسؤولين في البيت الأبيض، كمستشار الأمن القومي وكبير المستشارين الاقتصاديين، وأكدت أن "العقوبات المقترحة ستحفز منازعات اقتصادية ودبلوماسية وحقوقية مع حلفاء الولايات المتحدة وقد تحبط الجهود المشتركة ضد إيران". و"قد تمنع الشركات الأميركية من التعاقد على أعمال عادية مع شركاء مهمين من شتى أنحاء العالم".
الأجدى لقوى الهيمنة، بدلاً من مواصلة العناد الغبي، أن تصغي لصوت الحكمة |
وهكذا يتضح أن العقوبات الهادفة إلى إسقاط النظام الإسلامي والتي أسهمت في تعزيز قوة هذا النظام من خلال سياسات الاعتماد على الذات وتفجير الطاقات الذاتية، قد بدأت ترتد أيضاً بعواقبها الوخيمة على "المعاقبين" أنفسهم، خصوصاً وأن هؤلاء غارقون في أزمات مالية واقتصادية واجتماعية لم يعد هنالك من سبيل للخروج منها، رغم كل التطمينات الإنشائية.
وهكذا يتضح أن من الأجدى لقوى الهيمنة، بدلاً من مواصلة العناد الغبي، أن تصغي لصوت الحكمة الوحيد الذي يعينها على تصحيح سياساتها الخاطئة، وأن تقر بأنها لم تعد قادرة على قيادة العالم لا بسياساتها التنويرية المزعومة ولا بسياستها القائمة على العدوان والبطش.
على قوى الهيمنة أن تفهم أن إيران ليست مجرد بلد هامشي، أو حتى ذي وزن على المستوى الإقليمي. فمشروعها الإسلامي بات عنصر تفكيك أساسي لبنية ووظائف الأنظمة الاستكبارية في عقر دارها. لذا، فإن من مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها وأتباعها أن تعتمد سياسة يد ممدودوة بشكل صادق وصحيح تجاه إيران وقوى التحرر الأخرى. فاعتماد سبيل "الكلمة السواء" هو الوسيلة الفضلى لتفادي الانهيار، ومن ثم رسم ملامح عالم إنساني قائم على الفهم والعدل والأخوة في مواجهة مشاكل كبرى تهدد الجنس البشري بأكمله.