ارشيف من :خاص
العمليات النفسية..البُعد الرابع للحرب
علي شهاب
"خاطب عقولهم.. وستتبعك ارواحهم وقلوبهم"، ترفع العديد من دوائر الحرب النفسية في وكالات الاستخبارات الدولية هذا الشعار كمبدأ رئيسي في عملها.
في العصر الحديث، شكلت هذه الحرب الأدوات الأمضى باعتبارها سلاحا متعدد الاستخدامات والميادين، فكان ما يُصطلح على تسميته بـ"العمليات النفسية" التي تهدف الى "ايضال معلومات ومؤشرات محددة الى الجمهور للتأثير على عواطفهم ودوافعهم وتفكيرهم، فضلا عن التأثير على سلوك المنظمات المستهدفة بالحرب النفسية.
أحد الأمثلة على العمليات النفسية في الحروب "النصيحة" التي أوصى بها عقيد في وحدة "العمليات النفسية" بإسقاط تمثال صدام حسين في ساحة "الفردوس".
يومها، كان جنود مشاة البحرية الاميركية يتدفقون على ساحة "الفردوس" وسط بغداد حيث ينتصب تمثال ضخم للرئيس المخلوع. وكان عقيد في البحرية حينذاك، وليس جموع من العراقيين، هو الذي قرر اسقاط التمثال.
أظهر حسن التفكير السريع الأمر وكأنه عملية عراقية عفوية. وبعد ان اختار العقيد، الذي لم يذكر تقرير البنتاغون اسمه، التمثال بوصفه «هدفا وفرصة»، استخدم الفريق سماعات لتوجيه نداءات لتشجيع العراقيين على مساعدة الجنود. الا ان الجنود غطوا وجه التمثال بالعلم الاميركي، ونقل التقرير عن احد العاملين في الفريق قوله «ان ذلك كان خبرا سيئا.. لم نرغب في ان نظهر كقوة محتلة، وكان بعض العراقيين يقولون: نريد علما عراقيا». وفي النهاية جاء احدهم بعلم عراقي، وقام عريف في فريق العمليات النفسية بوضعه على وجه التمثال. ثم جرّت سيارة انقاذ تابعة للبحرية التمثال بواسطة سلسلة، الا ان الأمر بدا كما لو أن العراقيين هم الذين جاؤوا بكل فكرة اسقاط التمثال.
بالنسبة لإسرائيل، تشكل الحرب النفسية البعد الرابع في المعارك التي تخوضها الدولة العبرية، فتلامس أهداف "العمليات النفسية" عكس صورة اسرائيل "الديموقراطية الاولى في الشرق الاوسط" وتعزيز صورة القوة الاسرائيلية عبر:
ـ مخاطبة وعي الجمهور المعادي.
ـ استغلال الاختلافات العرقية، الثقافية، الدينية والاقتصادية.
ـ دعم عمليات التضليل.
ولئن كان مصطلح "العمليات النفسية" هو الأكثر تداولا، فإن مصطلحات حديثة أخرى تدل على نفس المعنى؛ منها: حرب الأفكار، حرب العقول، الحرب الباردة، حرب الأعصاب، الحرب النفسية، الحرب الإعلامية، الحرب الناعمة، الحرب السياسية والحرب الدعائية.
وعادة ما تصل هذه العمليات الى ذروتها في مواجهة المنظمات، نظرا للفارق الكبير في عوامل القوة بين "دولة" (اسرائيل) و"تنظيم" (مجموعة).
أما وسائل هذه العمليات فتتنوع وتتكيف تبعا للتطور التقني، إذ يمكن الإشارة الى الصحف، المنشورات، البث الإذاعي، الشائعة (اتصال مباشر)، التلفزيون، الانترنت، وكل ما يندرج تحت توصيف وسائل الإعلام.
هنا أيضا يمكن الحديث عن ثلاثة أنواع من العمليات النفسية:
ـ العمليات القريبة (في المواجهات العسكرية). تهدف هذه العمليات الى ابلاغ العدو (المقاومة) بـ"تعليمات الاستسلام"، إحباط قوات المقاومة، السيطرة على المدنيين والتضليل. وقد شهدت حروب اسرائيل المستمرة على لبنان والفلسطينيين نماذج عديدة لهذا النوع من العمليات.
ـ العمليات العميقة (عادة ما تحصل في بيئة يكون فيها الاحتلال قد سيطر على بقعة جغرافية محددة). هذه العمليات تهدف الى تعزيز روح الاستسلام لدى المقاتلين، تشكيل بيئة معادية للمقاومة، تعزيز صورة اسرائيل في صفوف المدنيين، مواجهة البروباغندا التي ينشرها المقاومون ودعم عمليات التضليل.
ـ العمليات الخلفية (تجري عادة في حالات السلم). تهدف في كثير من الأحيان الى "جس نبض" شريحة معينة ازاء عملية معينة، فضلا عن تشويه صورة العدو (المقاومة).
الهيكلية والتنظيم
غالبا ما تتألف وحدة العمليات النفسية الميدانية من عنصر معلومات، عنصر دعاية، عنصر مكبرات الصوت، عنصر التصوير، عنصر المطبعة الميدانية، محطة إذاعية متنقلة، طاقم استجواب نفسي.
في الجيش الأميركي، يتعين على عنصر المعلومات جمع المعلومات من كافة المصادر وتوظيفها لمصلحة العمليات النفسية في الميدان. أما عنصر الدعاية فيقوم بالتخطيط للرسالة الإعلامية الموجهة، في حين يتولى عنصر مكبرات الصوت إذاعة التعليمات والاوامر للعناصر المعادية لحثها على الاستسلام. بدوره، يقوم عنصر التصوير بتغطية كافة مراحل المعركة، أما عنصر المطبعة الميدانية فيقوم بطباعة المنشورات المصورة والمكتوبة التي يصممها عنصر الدعاية. وغالبا ما تكون المطبعة الميدانية محمولة على عربات. كذلك، تغطي المحطة الإذاعية مسرح العمليات فتبث رسائل مخادعة ومضللة.
طاقم الاستجواب النفسي يتولى عمليات الاستجواب لأسرى القوات المعادية بهدف الوقوف على الحالة المعنوية والنفسية للعدو.
خلف خطوط العدو
يطور الجيش الاسرائيلي، عقب كل عدوان، آليات وحدة الحرب النفسية وفقا للمتغيرات التكتيكية.
في ولاية قائد الاركان السابق موشيه يعالون تم تنصيب عقيد في الاستخبارات على رأس الوحدة، واُعطيت الأولوية للجنود الناطقين باللغة العربية للعمل في هذه الوحدة التي تتبع مباشرة لشعبة العمليات في هيئة الأركان، غير أن التوجيهات المهنية تصدر من شعبة الاستخبارات العسكرية (آمان) التي يقودها عاموس يدلين.
خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، أوصت وحدة الحرب النفسية بالقاء أكثر من ربع مليون منشور يخاطب سكان القطاع، فضلا عن بث رسائل هاتفية والتشويش على تردد الاذاعات الخاصة، كما حصل حين سيطرت الوحدة على تردد محطة "صوت الاقصى" التابعة لحركة حماس، ومحطة "صوت الشعب" التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومحطة "صوت القدس" التابعة لحركة الجهاد الاسلامي. كذلك اخترقت بث فضائيتي الأقصى والقدس.
ومن المهام المستحدثة للوحدة، الى جانب تزويد الصحفيين الاسرائيليين بالتوجيهات والتسريبات المبرمجة، استحداث أفكار خاصة، والتعليق على الأخبار والمواد الصحفية في المواقع العربية الالكترونية.
وفي ميدان البُعد الالكتروني، تشارك وحدة مماثلة اسمها "ماتزوف" عمل وحدة الحرب النفسية. وهي وحدة مسؤولة أيضا عن تشفير شبكات ومواقع الموساد والشاباك والمرافق الحيوية الاسرائيلية (كمصلحة الكهرباء "ميكوروت" وشركة الكهرباء "بيزيك") على الانترنت.
علما ان تركيز الجيش الاسرائيلي المستجد على الانتقال بكامل منظوماته الى العصر الرقمي هو جزء من رؤية استراتيجية يجري العمل على انجازها بشكل نهائي بحلول العام 2012.