ارشيف من :ترجمات ودراسات

الزلازل وغيرها من الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية... هل تحفز الإنسان على الخروج من الغفلة ؟

الزلازل وغيرها من الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية... هل تحفز الإنسان على الخروج من الغفلة ؟
عقيل الشيخ حسين
مع نهاية الأسبوع الماضي، عبرت الطبيعة عن غضبها وضربت على جبهات عديدة. إذ لولا الزلزال الذي ضرب شيلي، لكان من الممكن الوقوف مطولاً أمام موجة الجليد التي ازدادت حدتها خلال اليومين الماضيين، وهي التي تعصف بمناطق واسعة من الولايات المتحدة منذ أكثر من شهرين. أو أمام جبل الجليد الذي يزن مليار طن وتزيد مساحته عن 2500 كلم مربع، والذي انفصل عن المحيط المتجمد الجنوبي. أو أمام العواصف العاتية التي قتلت ما يزيد على 40 شخصاً في فرنسا، وأحدثت أضراراً مادية جسيمة، والتي تواصل عبورها نحو بلجيكا وهولندا والدانمارك. أو أمام الزلزال الذي ضرب، صبيحة الأحد، شمال باكستان بقوة 5،7 درجات، في المنطقة نفسها التي تعرضت، قبل خمس سنوات، لزلزال بقوة 7،6 درجات، وقتل ما يزيد عن 80 ألف إنسان وخلف 3 ملايين مشرد. أو أيضاً أمام زلزال هايتي الذي لم يقتصر على تدمير البلد، بل أخضعه للاحتلال الأميركي المباشر.
لكن الكلمة الآن هي لزلزال شيلي لأنه، بقوة 8،8 درجات على مقياس ريختر، واحد من أعتى الزلازل التي شهدها التاريخ المعاصر، ولأن شيلي نفسها سبق لها أن تعرضت لزلزال بقوة 9،5 درجات قبل أربعين عاما.
ستون هزة ارتدادية تواترت على شيلي طيلة السبت الماضي، بعضها كان بقوة 5،5 درجات، وكل ذلك كان كافياً، بعد الهزة الأولى التي فاجأت الناس وهم نيام عند الفجر، لأن تخرجهم من بيوتهم بملابس النوم، وأن تجبرهم على البقاء في الشوارع بعد دمار بيوتهم أو تصدعها.
شوارع كثيرة انشطرت نصفين كما لو أصابتها ضربة بساطور هائل. سيارات وشاحنات انقلبت على ظهورها وسط المباني المنهارة. فالأضرار لحقت بنحو مليون ونصف مليون منزل، منها نصف مليون لم تعد صالحة للسكن. وتقطعت أوصال الكهرباء وتمديدات الغاز ما يخشى معه من نشوب الحرائق...
عدد الضحايا تجاوز السبعمئة، ويخشى من وجود أعداد أخرى تحت الأنقاض. عدد الضحايا كبير بالطبع، لكنه لا يقاس بعشرات ومئات الألوف من ضحايا العديد من الزلازل التي ضربت بلداناً كثيرة في السنوات الأخيرة. وأسباب الفوارق تتراوح بين نوعية المباني ومنسوب الاكتظاظ البشري.
وبالإضافة إلى الدمار والخسائر البشرية والمادية، تنبغي الإشارة إلى حالة الرعب التي عاشها الناس أثناء وبعد الهزة الكبرى. كل شيء كان يموج ويتقلقل خلال مدة تراوحت، على اختلاف التقديرات، بين 10 ثوان ودقيقتين. مدة طويلة جداً بحسابات الزمن النفسي، وإن قصرت إلى حد التلاشي بحسابات الزمن نفسه، في لحظات الحبور والاستمتاع بالحياة. والرعب لم يقتصر على شيلي، فموجات التسونامي أحدثت أضراراً متفاوتة في نحو خمسين بلداً من البلدان المشاطئة للمحيط "الهادئ" الذي أخرجته الطبيعة عن هدوئه.
دمار وموت ورعب. الطبيعة الهائجة تحتل واجهة الحدث العالمي بوتائر كارثية متصاعدة تطغى على ما يموج في العالم من ظواهر كارثية ناشئة عن صراعات البشر فيما بينهم. أو على الأصح، عن سعي المستكبرين منهم إلى الهيمنة على الآخرين ووجودهم ومقدراتهم.
فلماذا، ما دام أن الأمر هو كذلك، يظل خطاب الطبيعة الهائجة بعيداً عن جهود التحليل والتفكيك ومحاولات الفهم التي يبذلها البشر، على أوسع نطاق، من أجل المعرفة الضرورية للحياة؟ ولماذا، مثلاً، يتم تهميش مثل هذه الجهود للتركيز على إطلاق حملات الإرهاب المعمم إزاء هذا الفايروس أو ذلك المرض الافتراضي.
الجواب هو السعي إلى مراكمة الثروات. ومراكمة الثروات هي أول ما يهم الأوساط الطاغوتية التي تجد في الكوارث الطبيعية والحروب والأوبئة مجالات للاستثمار، والتي، على ما يبدو، تفتعل الكوارث المدمرة والحروب والأوبئة والمجاعات من أجل الاستثمار في إعادة الإعمار وفي الاستشفاء والغذاء...
هذه الأسئلة وأمثالها لم تجد طريقها بعد إلى دوائر التفكير والقرار. لكن المتتبع لأحاديث الناس العاديين إزاء هذه الأوضاع يلاحظ الكثير من التفسيرات الجريئة والثورية. عندنا، حيث لا يزال التواصل المباشر حياً بعض الشيء بين الناس، هنالك شبه إجماع على أن النهاية قد اقتربت. أما في الغرب، حيث بات أكثر التواصل البشري مقتصراً على وسائل الاتصال الحديثة، فإن الندوات التي تعقد على الانترنت تصل أيضاً إلى شبه الإجماع نفسه. مع فارق مهم: بعضهم يرى أن النهاية التي اقتربت هي نهاية هذه الحضارة التي أتلفت كل شيء بين أعماق البحار وبقع الأوزون. لكن هذا البعض يعجز عن رسم ملامح الحضارة البديلة.
وهذا العجز طبيعي بسبب جهلهم بالإسلام. فهل ينبري المسلمون إلى الاضطلاع بمهمتهم في رسم ملامح تلك الحضارة البديلة التي يشكل العمل من أجل إعمار العالم على أساسها غاية هذا الدين في هذه الحياة الفانية، بزلازل أو بغير زلازل، والوسيلة للفوز بالحياة الأبدية في نعيم الآخرة الدائم؟ ولكن، هل يعرف جميع المسلمين شيئاً عن طبيعة المهمة الموكلة إليهم، والتي يقصرون في الاضطلاع بها منذ 1400 عام؟
2010-03-01