ارشيف من :ترجمات ودراسات
بعد انهيار الاقتصاد اليوناني...انهيارات أوروبية شاملة!
عقيل الشيخ حسين
في العام 2007، تنبأ عالم الاجتماع والانتربولوجيا الأميركي، بول غوريون، بالأزمة المالية التي ضربت الولايات المتحدة والعالم اعتباراً من أواخر العام 2008. وفي الوقت الذي ينشغل فيه الاتحاد الأوروبي بالبحث عن خطط لإنقاذ الاقتصاد اليوناني المتدهور، يطل بول غوريون مرة أخرى ليقول بأن المشكلة لم تعد في إنقاذ اليونان. فالانهيار اليوناني بنظره ليس غير تفصيل بسيط بالقياس إلى الانهيار الذي تنزلق نحوه بلدان كالبرتغال وإسبانيا وإيطاليا وإيرلندة وصولاً إلى بريطانيا، وبالتالي إلى جميع بلدان الاتحاد الأوروبي.
تعود الأسباب العميقة للمشكلة التي يعاني منها الاقتصاد اليوناني إلى ما يسمى بالليبرالية الاقتصادية وما تخفيه من مضاربات وتوظيفات وصفقات تجري في ظروف استشراء الفساد والتهام المال العام من قبل المتنفذين والشركات الخاصة المحلية والدولية. لكن الضجيج المثار حالياً حول المشكلة يجد أساسه في ما يمكن أن يسمى عملية احتيال قامت بها الحكومة اليونانية وساعدتها عليها مصارف أميركية في مقدمتها مصرف غولدمان ساكس ورئيسه غاري كوهين.
ففي العام 2001، كانت اليونان، كالعديد غيرها من بلدان أوروبا الفقيرة نسبياً، ترى خلاصها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. لكنها لم تكن مستوفية - بسبب ديونها وعجز ميزانيتها- على ما يكفي من شروط الانضمام.
مشكلة بسيطة تكفل غاري كوهين بحلها من خلال "عمليات مالية معقدة" تمكنت اليونان بفضلها من إخفاء تردي وضعها المالي على الأوروبيين. وهكذا، أصبحت عضواً في الاتحاد الأوروبي، وحقق كوهين ربحاً يقدر بـ 300 مليون دولار، دون حساب الأرباح التي حققتها مؤسسات مالية أميركية أخرى.
واستمرت عمليات الإخفاء طيلة سنوات عبر حلول قدمها كوهين مشابهة لتلك التي نشأت عنها أزمة الرهون العقارية في أميركا... وهكذا، وصلت مديونية اليونان إلى أكثر من 440 مليار دولار، وبلغ العجز في ميزانيتها نحو 60 مليار دولار. وأصبحت اليونان واقفة على حافة الإفلاس.
والآن، يسعى الأوروبيون إلى البحث عن حل للمشكلة. ربما حباً باليونان. لكن الأكيد أنهم يفعلون ذلك لمنع الحريق من الوصول إلى بيوتهم.
أهون السبل هو تقريع اليونان وحظها على التقشف عبر التقتير في الأجور ورفع الضرائب والتضييق على السياسات الاجتماعية. أمور استجابت لها اليونان بقدر المستطاع، وأضافت عليها تقليص ميزانيتها في مجال التسلح.
لكن هذه الإجراءات دفعت باتجاه تفاقم التحركات المطلبية داخل اليونان التي تشهد تسارعاً في الإضرابات وأعمال الاحتجاج الأخرى. وينذر الاستمرار في تطبيقها بتوسع المشكلة.
من هنا، يدور الحديث عن خطة إنقاذ تقوم بوضعها ألمانيا وفرنسا، الطرفان الأقوى في الاتحاد، قد تصل إلى 30 مليار يورو. لكن ذلك يتناقض، في ظل الصمت الفرنسي، مع آخر ما أطلقته المستشارة الألمانية، انغيلا ميركل، من تصريحات أكدت فيها معارضتها لأية خطة من هذا النوع، متذرعة بالاتفاقيات الأوروبية التي تمنع مثل هذا النوع من المساعدات، ومضيفة بأن أفضل طريقة لمساعدة اليونان هي التأكد من أنها تقوم بما يلزم من أجل حصر إنفاقها وتخفيض ميزانيتها.
لكن ميركل لم تستبعد قيام المصارف الألمانية بشراء قسم من الديون اليونانية، ما يدعم النظرية القائلة بأن الاتحاد الأوروبي هو، خلافاً للادعاءات، مؤسسة مهمتها تأمين التهام الفقراء من قبل الأغنياء. غير أن هذا الخيار محفوف هو نفسه بالمخاطر: يخشى، في حال تقديم دعم مالي كبير إلى اليونان، أن يندفع المضاربون إلى المراهنة على الديون اليونانية المدعومة من ألمانيا، وأن يتوقفوا عن شراء الديون المهددة في البرتغال وإسبانيا وإيطاليا وإيرلندا، ما سيضع هذه البلدان في وضع مشابه لما عليه الحال في اليونان.
وفي ظل صعوبة الحلول، أو اقتصارها على معالجة الداء بداء مؤجل أدهى، يعتقد العديد من المراقبين بأن الأوروبيين الأقوياء، وفي طليعتهم الألمان، ينظرون إلى مأزومية اليونان، وغيرها من البلدان الأوروبية الضعيفة كنعمة هبطت عليهم بمقدار ما دفعت باتجاه انخفاض سعر اليورو المفترض به أن يدفع باتجاه تحفيز حركة الصادرات.
ويضيف المراقبون بأن لغة "ألمانيا أولاً" و"فرنسا أولاً" قد بدأت تطفو على السطح في أوروبا. مع ما يعنيه ذلك من إمكانية تحول الاتحاد الأوروبي إلى ذكرى بعيدة. وعندما يقولون "ألمانيا أولاً" و"فرنسا أولاً"، فإن ذلك يعني أن من الممكن لهذه "الدول الأمم" التي تخترطها دعوات الانفصال المناطقية والقومية الظاهرة والكامنة، وأن ترتفع في داخلها لغة "نحن أولاً" في كل منطقة وناحية.